كما لو كان هؤلاء الذين تولوا كتابة وصياغة الدستور الباطل المناوئ للديمقراطية وللدولة المدنية الحديثة – المسمي دستور 2012- هم أنفسهم الذين تولوا كتابة «الإعلان الدستوري» الصادم الذي صدر ليلة أمس الأول ! فهذا الإعلان يتناقض تماما مع تطلعات الملايين التي خرجت في ثورة 30 يونيو العظمي. وكان الشعب يريد دستورا جديدا يليق بمصر وثورتها وتاريخها وحضارتها وتراثها الوطني الديمقراطي.. فإذا بنا بإزاء إعلان دستوري يستلهم مواد دستور باطل وغير شرعي وضعته جمعية تأسيسية باطلة وغير شرعية وتضم أعضاء لم يسبق لهم أن سمعوا كلمة «الدستور»! إن الحديث عن مجرد «تعديلات» في دستور 2012 يعني تجاهل الطموحات المشروعة للمصريين وحقهم في دستور أكثر تقدما من جميع الدساتير السابقة. ونحن نعرف أنه منذ الأيام الأولي التي اعقبت ثورة 25 يناير ظهر بوضوح أن المؤامرة ضد الشعب تتركز في حرمان المصريين من دستور ديمقراطي لدولة مدنية حديثة. ويبدو أن هناك من يحترفون إجهاض كل ثورة شعبية في بلادنا بغرض احتوائها أو صرفها عن مسارها أو التعتيم علي أهدافها وطي صفحتها ودفنها.. وكأنها لم تحدث أصلا…، بدليل أن هناك من يتحدثون الآن عن ضرورة «احتضان الإخوان» تحت شعار «لا إقصاء لأي فصيل» و«المصالحة الوطنية» متجاهلين تماما أننا لسنا بإزاء فصيل أو حزب سياسي وإنما جماعة إرهابية دموية تقتل المواطنين. الإعلان الدستوري تطوع بدمج المادة الثانية من الدستور الساقط مع مادة أخري تتناول الشريعة الإسلامية وتنص علي أن الشريعة «التي تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة»، أي أن الإعلان الدستوري يستجيب لمطلب غلاة المتطرفين في تلك الجمعية التأسيسية الباطلة الذين لجأوا للتحايل بواسطة هذه الفقرة – من أجل جعل دستورهم يتواءم مع دولة دينية. هل من المعقول، بعد ثورة 30 يونيو ، أن تكون مهمتنا هي «ترقيع» ذلك الدستور الذي يعد سقطة – بل فضيحة- في تاريخنا الدستوري؟ وهل يصح، بعد كل ما مر بنا من تجارب مريرة أن يصمم أصحاب هذا الإعلان الدستوري علي حذف ما جاء في دستور 1971 حول حظرا تأسيس أحزاب دينية أو أحزاب ذات مرجعية دينية؟ ألم يتأكد لنا أن العديد من هؤلاء الذين قاموا بتشكيل أحزاب دينية.. أن تلك الأحزاب ليست دينية علي الاطلاق وانما تتاجر بالدين وأنها جماعات إرهابية تحرض علي استخدام العنف وعلي ارتكاب جرائم القتل وتكفير معارضيها السياسيين إلي جانب تكفير من يخالفونها في الدين والمذهب وتستبيح دماءهم، وأن مهمتها الرئيسية هي تمزيق النسيج الوطني الواحد وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية تنفيذا للمخطط الأمريكي – الصهيوني الذي يستهدف هدم الدولة المصرية وجيشها بعد تفتيتها وتمزيقها وتحويل المنطقة العربية إلي دويلات طائفية ومذهبية متناحرة لكي تكون اليد العليا لإسرائيل «اليهودية» و«الراعي» الأمريكي؟!