جبل الشعانبي، وربما غدا حي التضامن، فخ نصبه أقصي يمين النهضة للجيش، لعزل قيادته التي استعصي علي الغنوشي شراؤها، و تفكيك بنيته وكسر روح التضامن بين أفراده. لأي هدف؟ تنصيب "لجان حماية الثورة" الغنوشية مكانه "حرسا ثوريا" علي الطريقة الخمينية. تلميذ خميني" راشد الغنوشي، كما سمي نفسه، خبير بتفاصيل السيناريو الإيراني:"محاكمات وإعدامات وتصفيات للعهد البائد بأكمله" تقضي علي كل منافسة لسلطة الدولة الدينية المطلقة وتفكيك مؤسستي الأمن والجيش "غير المضمونين" وتعويضهما ب"لجان الثورة"، وقد حذّرتكم من السيناريو الايراني في مقالي " لماذا التحريض علي ثورة إسلامية ثانية " في 30 / 8 / 2012، (الحوار المتمدن)، وإليكم الفقرة المركزية فيه: انعدام الخيار في تونس ومصر تحت هذا العنوان كتب مالك التريكي: (…) إلا أن جديد الثورات العربية قد جعلها تقع خارج نطاق الديناميكية التاريخية المعهودة لاستكمال مسار الثورات، حيث لم يحدث في التاريخ الحديث أو المعاصر أن اندلعت ثورة بدون قيادة موجهة تكون هي من يتولي الحكم فور سقوط النظام القديم. ولو انسلكت الثورات العربية في نمط المعهود التاريخي، لكان الوضع في تونس ومصر اليوم شبيها بما حدث علي سبيل المثال، في إيران إبان سقوط الشاه. أي أن القيادة الثورية تكون قد استولت علي الحكم من لحظة سقوط الطاغية، وتكون قد رتبت محاكمات وإعدامات وتصفيات للعهد البائد بأكمله، ممثلا في معظم أفراد الفئة التي كانت حاكمة أو متنفذة أو مستفيدة. وبهذا لا يكون هناك من مجال لمضيعة الجهد والوقت في الحديث عن «الفلول» أو عن قوي «الثورة المضادة». لكن يبدو الآن، بوضوح مأساوي، أن المستفيد الأكبر من عفوية الثورات التي ينجزها الشباب بصدق البذل وجسيم التضحية إنما هي نخب الاحتراف السياسي أو ماكينات الحصاد الانتخابي التي لم يكن لها أي دور في الثورة. يتبين الآن أن عفوية الثورة، أي انعدام القيادة الموجهة والمؤطرة، هي السبب الأول لتخبط الأوضاع الحالية. أي أن ما كان يتصور فضيلة كبري في بدء الثورة سرعان ما استحال تبعة ووزرا لأنه أنشأ فراغا لا يمكن أن تملأه إلا القوي السياسية الموجودة. إذ ينبغي التذكر بأن نتيجة المسار الانتخابي ليست، في آخر المطاف، محصلة طلب شعبي بقدر ما هي محصلة عرض حزبي(…) يتبين الآن بوضوح مأساوي أن انعدام القيادة أثناء الثورة هو السبب الأول لأزمة القيادة في ما بعد الثورة.(…) والعاقبة أن البلدين يقاسيان اليوم انتشار الخوف، ويواجهان انسداد الآفاق بسبب انعدام الخيار. (مالك التريكي، القدس العربي.(2/3/ 2012). مالك التريكي اسم حربي ليس إلا. الضغوط الداخلية وحدها غير كافية لإحباط هذا السيناريو الإيراني الدموي. لا بد لها من قوة إقليمية وازنة تزيد من فاعليتها: في قضية الحال، التحالف العسكري مع الجيش الجزائري لتحييد هذا الخطر الداهم. حسب «جون أفريك» 22 / 6 / 2013 : حملة عزل قائد أركان الجيوش التونسية، رشيد عمار، بدأها الاسلاميون «أقصي يمين النهضة» علي الشبكات الإجتماعية في 1 يونيو، و تلقفها منهم محمد عبّو، أحد أبواق الغنوشي السياسية والإعلامية. لم يخطأ محسن مرزوق، أحد مسؤولي نداء تونس، باتهام جوقة عزل قائد الجيش، الذي هو في تونس كما في لبنان عموده الفقري، بأنهم "يلعبون لعبة الغنوشي و نهضته «جون أفريك» 22 / 6 / 2013 أي جناحها الأكثر صدامية و دموية. وتضيف (ج. أ.) : ألم يصرح الغنوشي للسلفيين في فيديو سرّب في 2012 بأن "دعم الجيش للنهضة «في حالة تطبيق السيناريو الايراني» غير مضمون". ونصح "أبناءه" السلفيين بالأناة و الصبر الي أن تصبح مؤسسات "الجيش و الأمن و الادارة" مضمونة للثورة الاسلامية، التي هي فكرته الجنونية الثابتة. مأخذا الغنوشي علي قائد الجيش هما: عدم الدخول تحت جناحه و تعاونه الضروري عسكريا اليوم مع الجيش الجزائري. نعرف أن رئيس حكومة قطر، هدّد ممثل الجزائر في الجامعة العربية قائلا: "الدور سيأتي عليكم"، لتلتحقوا بسوريا جبهة النصرة التي مولها و سلّحها لتحكم سوريا الغد. نعم الدور آت علي الجزائر لتصبح قاعدة "للقاعدة". هذا هو الهدف النهائي للإستراتيجية الجهادية، ليصبح العالم العربي "مدينة خالية" فينصّب مجنون قطر نفسه قاضيا عليها. الغنوشي هو المنفذ لاستراتيجية القيادة القطرية الحالية في تونس و دول الجوار. ماذا أقول؟ بل أن إستراتيجية القيادة القطرية(حمد بن ثاني و حمد بن جاسم) هي بالضبط إستراتيجية الغنوشي، الذي حدّد هدفا نهائيا للثورة الإسلامية: "إعادة الخلافة والتطبيق الكامل للشربعة" (ر. الغنوشي، في كتابه "الحريات العامة في الدولة الإسلامية، ص. 310، بيروت، 1993 = عبثا تبحثون عن هذا الاستشهاد في الطبعات اللاحقة، فقد أخفاه كما أخفي جميع الإستشهادات التي ضبطته متلبسا بها). ما هي تكتيكات الغنوشي "الانتقالية؟ للتذكير، تعرفون أن الغنوشي هو الرئيس الفعلي "السّري" للدولة التونسية. وأن رئيس الحكومة هو، طوعا أو كرها وعلي الأرجح كرها، "باش كاتب" عنده، وأن الرئيس المرزوقي هو طوعا و طمعا مجرد سكرتير إعلامي له، يحاول به تضليل الدبلوماسية الدولية عن أهدافه الحقيقية باسم "كتلة تاريخية" شبحية، "قبل" فيها زعما أقصي اليمين الإسلامي بالديموقراطية وقبل فيها الليبراليون بالهوية الإسلامية. تكتيكات الغنوشي واضحة: طالما لم تتوافر شروط "إعادة الخلافة و التطبيق الكامل للشريعة"، فلتبق الدولة التونسية في" المؤقت الذي يدوم" إلي أن يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر دولة الخلافة. كيف؟ بتمطيط الفترة الإنتقالية، التي حددها سكرتيره الإعلامي -المنصف المرزوقي- منذ البداية من 3 إلي 5 سنوات… وصفة لنضوب موارد الاستثمارات والسياحة و تفاقم التضخم و البطالة، المساعدين علي تأجير المقاتلين والقتلة بأبخس الأسعار: "أدفع دينارا تقتل تونسيا". وباختصار فتح باب الفوضي، الخلاقة للفوضي، علي مصراعيه، تطبيقا لسياسة الأسوأ الملازمة لسياسة أقصي اليمين و أقصي اليسار. طبعا "الأبله المفيد" لمشروع الغنوشي، أقصي اليسار الطفولي، كان دائما في الخدمة، منذ بداية الانتفاضة شارك في حرق المقرات الأمنية والمؤسسات الإدارية والاقتصادية وحتي شاحنات نقل المزابل البلدية بقصد تخريب البنية التحتية المهمة، التي لا قائمة للاقتصاد والخدمات في غيابها. وما زال اليوم كما بالأمس ينظم الإضرابات العقيمة بالنسبة لحقوق العمّال التي لا تزيدهم إلا فقرا وبطالة بتنفير السياحة والاستثمار من المجئ إلي تونس وفرار البقية الباقية منهما منها. ما العمل لإحباط الخطة؟ قيام تحالفين استراتجيين داخلي وإقليمي: تحالف داخلي بين المجتمع المدني- والسياسي أيضا- وطليعته الفعالة، الاتحاد العام التونسي للشغل والجيش. اتحاد العمال قوة مدنية ذات شعبية لا منافس لها، وقادرة تاليا علي تعبئة الشارع التونسي ضد خطر الثورة الإسلامية الغنوشية، و الجيش، بقيادته الحالية يتمتع بالتقدير الشعبي و الدولي، بالرغم من إخفاقاته المتواصلة منذ عامين، بسبب اقتلاع أنيابه بحلّ الاستخبارات التونسية، التي كانت من أفضل الاستخبارات المغاربية والعربية والإفريقية، والأكثر إخلاصا لقيم الجمهورية طوال 56 عاما. كان مسئولوها يعملون حتي في أيام الإيجازات والأعياد مما جعل تونس "شاطئا ترتاح فوق أرماله الأعصاب" كما قال فيها نزار قباني. فلماذا لا تتخذ قيادة الجيش قرارا فوريا بضم أفرادها المطرودين تعسفيا إلي المخابرات العسكرية؟ التحالف الإقليمي: المقصود تحالف عسكري بين الجيشين الشقيقين الجزائريوالتونسي، الذي سيشكل الحلقة الفاضلة لكسر مشروع "السيناريو الإيراني" في تونس, ما هي مزايا التحالف مع الجيش الجزائري؟ يملك استخبارات عسكرية هي الأكثر خبرة في مكافحة الإرهاب، والاستخبارات، باتفاق أخصائيي مكافحة الإرهاب الإسلامي في العالم، هي السلاح الأمضي في كشف الإرهابيين وإحباط مساعيهم. في غياب مثل هذه المخابرات تكون الدولة عمياء عن الخطر الماثل أمامها. تنبيه كتبت هذا النداء قبل انتصار الغنوشي علي قائد الجيش. لقد قطعت علي الأنترنت والتليفون لمدة طويلة. بعزله لقائد الجيش أصبح الباب مفتوحا أمامه لتطبيق السيناريو الإيراني. حلّ الجيش هو المفتاح السحري إلي ذلك. تذكروا ما كتب ليون تروتسكي، قائد الجيش الروسي الأحمر، مستخلصا الدرس من تاريخ الثورات وخاصة الفرنسية:"لن تصبح الثورة ظافرة إلا إذا حلت الجيش القديم وعوضته بميليشيا شعبية مسلحة"، من أبناء الثّورة. وهذا ما فعلته الثورة الإسلامية الخمينية، التي أعدمت في ليلة واحدة وبلا أدني محاكمة 300 (ثلاثمائة مائة) ضابط، و الإنقلاب الإسلامي في السودان الذي أعدم في يوم واحد 27 ضابطا دامت محاكمة كل واحد منهم 5 دقائق. هذا ما ينتظركم يا ضباط الجيش وجنوده إذا استسلمتم كالفئران الجبانة إلي الدخول في مصيدة الغنوشي المفتوحة أمامكم. ربّما بعد عزل قائد الجيش، سيخفف الإرهابيون من نشاطهم لتسهيل مهمة قائدهم الأعلي في ابتلاع لقمة الجيش الباردة، بعد أن قدّم له "الأبله المفيد" تونس غنيمة باردة في 14 يناير 2011. أيها التونسيون الواعون بالأخطار التي يقف شعبكم أعزل أمامها، كونوا حزب التحالف العسكري بين الجيشين الشقيقين الجزائريوالتونسي ضد العدو الداخلي المتغول. ولا تنسوا لحظة ضرورة المصالحة الوطنية الشاملة والفورية وتحرير جميع المساجين السياسيين ودمجهم في الأحزاب الأخري اليوم وفي مؤسسات الدولة غدا للاستفادة من معرفتهم وخبرتهم في إدارة الدولة، عسي أن تفلتوا من قبضة أفعوان يتربص بكم شرّا: راشد الغنوشي.