هل يجوز للحاكم المسلم التنقل بأربعين سيارة مصفحة.. في الوقت الذي يحدد فيه نفس الحاكم نصيب المواطن من الخبز بخمسة أرغفة؟ في كل مرة.. يجد فيها حكامنا الجدد.. أنفسهم أمام معضلة كبري.. وكارثة لا قبل لهم بها.. والعرق يتساقط من جبينهم.. بسبب ضيق الأفق.. وقلة الخبرة.. وضحالة الثقافة.. يسارعون بحل واحد.. غير تقليدي.. وغير مسبوق.. تتلخص في الدعوة لمؤتمر حوار وطني.. أو مؤتمر حاشد يجلس فيه الرئيس مرسي في المقدمة.. بما يعكس الهيبة والمهابة كواحد من أشراف البصرة.. وعشرات الآلاف من دعاة وزارة الاوقاف تهتف وتهلل.. وهو يهز رأسه بامتنان! في الأسبوع الماضي كتبنا عن مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس مرسي.. لبحث مشكلة سد الألفية الاثيوبي.. وتحدث فيه المتحاورون عن طائرات تهدد الحكومة الاثيوبية ورشاوي تدفع لاحزاب المعارضة هناك.. من باب العكننة علي الحكام.. وعن ارسال أبو تريكة ليلعب عند منابع النيل.. وارسال عادل إمام.. ليلعب دور السفارة في العمارة لامتاع الاشقاء في أديس أبابا.. ورد التحيات التي يبعثون بها اليه عن طريق احد أعضاء الحوار إلخ. وشاءت الأقدار ان يذاع هذا الحوار علي الهواء وأن يدخل البيوت وحانات الخلاعة والسفارات الاجنبية وان يتحول الحوار إلي تقارير سرية تخرج من القاهرة عبر الاثير.. وتصل لكل عواصم العالم.. والمنظمات الدولية.. … والكل يقهقه. اليوم أكتب عن المؤتمر الحاشد الذي عقد بالقاعة المغطاة باستاد القاهرة.. والذي دعت اليه القوي والتيارات الاسلامية لنصرة الشعب السوري في ثورته ضد النظام السوري (!!) جاء الرئيس مرسي في موكب حاشد من السيارات المصفحة.. يضم 42 سيارة لا يقل ثمن الواحدة منها عن عدة ملايين من الدولارات.. اشتراها حكامنا من مكاتب الصرافة التي تملكها القيادات الإخوانية.. علاوة علي سيارات الحراسة المضادة لطلقات الرصاص تحسبا لاطلاق الرصاص علي موكب الزعيم الذي تطارده جملة «ارحل» كلما ظهر في أي مكان من ارض بلاده.. ابتداء من المسجد.. وحتي الشوارع التي تتوقف بها السيارات بالساعات الطويلة في انتظار مرور موكب الزعيم.. ويتطلع البسطاء الذين تتعطل مصالحهم لبعضهم وهم يرددون. حسبنا الله ونعم الوكيل! وهذه السيارات التي ضمها موكب الرئيس الذي يعرف (مين يقول ايه.. وإزاي.. وعشان ايه) تستهلك السولار والبنزين الذي يتعذر علي قائدي سيارات الاجرة الحصول عليه إلا بعد الوقوف في الطوابير الممتدة.. امام محطات البنزين التي لا يؤثر فيها غضب زيد أو دموع عمرو.. فالرئاسة عندنا اشبه بجهاز ميكانيكي عملاق له ماسورة ضخمة لا يخرج منها سوي العادم الذي يصيب الناس بالقرف. وهذا الموكب المهول من السيارات لا ينقل الرئيس مرسي للصالة المغطاة باستاد القاهرة الدولي فحسب.. وانما ينقله ايضا الي المسجد.. كل جمعة.. وربما مع كل آذان بالمبكرات التي نستوردها من الصين.. مع فوانيس شهر الصيام. ويتساءل البسطاء من امثالنا.. لماذا لا يذهب الرئيس مرسي إلي المسجد كل جمعة سيرا علي الاقدام كما كان يفعل الحجاج عندما كانوا يسافرون من الغرب الي الارض المقدسة.. ويكون المشوار تقربا إلي الله وزهدا في الحياة وحبا للشهادة ولقاء وجه الله لماذا لم يذهب للقاء المغطاة بالبسكليت؟ وقبل ذلك كله.. هل تتفق هذه الممارسات مع صحيح الاسلام الذي نعرفه؟.. هل لجماعة الإخوان اسلام غير اسلامنا.. يسمح للحاكم السلم بالتنقل باربعين سيارة مصفحة.. في الوقت الذي يحدد فيه نفس الحاكم نصيب المواطن من الخبز بخمسة ارغفة؟ هل هذا يجوز؟ هل هذا حلال.. أم حرام؟ هل يجوز للحاكم الذي يمارس سلطانه باسم الاسلام.. ويوظف الدين في الوثوب فوق مضاجع السلطة.. ان يحصل علي سياراته وموكبه.. وبنزينه وسولاره والقوات المخصصة لحراسته.. من دماء شعب جائع.. يصاب الاطفال فيه بامراض التقزم ولا يتمتعون باللياقة الطبية التي تسمح لهم بالالتحاق بالجيش والدفاع عن الوطن؟! ما سر كل هذه القوات التي تحرسه من مخالب شعبه المقهور؟ ألم يقرأ في كتاب الله (ولكل أجل كتاب) و (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) و(اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) و (قل ان الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم)؟ لم يقرأ هؤلاء.. ما جاء في كتاب الله. عز وجل؟! السخيف في الموضوع ان حكامنا الذين دأبوا علي توظيف الدين لخداع البسطاء.. والوصول لمقاعد السلطة.. بالغش والكذب والاحتيال.. هم الذين قاموا بتوظيف الغضبة السورية من ممارسات بشار الاسد.. في اعطاء اشارة تهديد ووعيد واستعراض للقوة.. قبل أيام من اندلاع الحالة الثورية الثانية في 30 يونيو الجاري. لقد اراد حكامنا استعراض قوتهم وقدرتهم علي البطش بالاعداء لهذا المؤتمر الحاشد بالقاعة المغطاة باستاد القاهرة وتوجيه رسالة لكل مواطن شريف.. بأن من ينزل للشوارع في هذا اليوم.. فسوف يلقي حتفه لامحالة. ولم يكن المؤتمر الحاشد الذي عقد بالقاعة المغطاة باستاد القاهرة.. يستهدف نصرة الشعب السوري وانما كان غطاء ساذجا لاستعراض القوة.. علي نحو التجارب النووية التي تقوم بها دولة ما كي تقول للعالم من حولها نحن هنا وان باستطاعتنا محو خصومنا من فوق الخريطة. التجربة النووية.. لاتعني شن الحرب النووية.. وانما تعني التلويح بامتلاك هذا السلاح.. ليس إلا.. وهذا هو ما فعله حكامنا بالمؤتمر الحاشد الذي عقدوه بالقاعة المغطاة. لم تكن عيونهم علي ما يجري في الخارج.. وفي سوريا علي وجه التحديد.. وانما كانت عيونهم تتطلع للداخل.. في ذعر لما قد تأتي به الاحداث يوم 30 يونيو الجاري. انهم كالعادة يكذبون! وقد كشفت الصحف الموالية لهم هذا الكذب عندما اشارت في عناوينها الرئيسية قول الرئيس مرسي: سنواجه بحسم محاولات دفع البلاد إلي دوامة العنف وتعطيل الحياة. ولم تتناول الصحف في عناوينها أي إشارة لموضوع الحرب الاهلية في سوريا.. والصراع المروع بين اطراف دولية واقليمية علي الكعكة السورية.. وموقف الإخوان في مصر في الصراع الدائر هناك! بيد ان المشهد في القاعة المغطاة في تلك الأمسية.. كان يكشف النقاب عن سلسلة من الحقائق. أولها: وجود وزير الاوقاف طلعت عفيفي في مقدمة هذا الحشد السياسي.. الذي قيل انه لنصرة الشعب السوري.. في الوقت الذي احتشد في القاعة المغطاة عدد كبير من دعاة وزارة الاوقاف وهم من شباب الدعاة الذين ظهروا بالملابس الرياضية.. لاظهار القدرة علي ارتكاب الموبقات. ثانيها: وجود عدد كبير من قادة الحشود.. ومن بينهم صفوت حجازي.. الذي اعترف في سلسلة احاديث بقناة الجزيرة انه تواجد في ميدان التحرير.. بعد الاعلان عن تخلي حسني مبارك عن السلطة علاوة علي قادة الحشود الذين شاركوا في السرادقات التي دعت لانتخاب مرسي رئيسا للجمهورية. ثالثها: ان الحشود التي ملأت القاعة المغطاة ضمت قيادات من جميع ألوان الطيف الديني التي تركزت كلماتها علي الاشادة بالرئيس مرسي.. دون الاشارة بكلمة واحدة ولو من باب الحياء للطاغية السوري بشار الأسد. قال الشيخ علي السالوسي.. رئيس الهيئة الشرعية للحقوق والاصلاح علي سبيل المثال. الحمد لله رب العالمين ان أمد في عمري.. حتي حكمنا في أحد البلاد الاسلامية حاكم مسلم.. يريد تطبيق شرع الله! وإذا بانصاره يرددون: الشعب يريد تطبيق شرع الله! وقال الشيخ السالوسي.. حول ما يتوقع حدوثه يوم 30 يونيو الجاري.. مستشهدا بالآية القرآنية «ان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت احداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله». وأضاف الشيخ السالوسي: فما بالنا ان كانت الطائفة الباغية من العلمانيين الكفار الفجار.. في اشارة للملايين من جماعة «تمرد»! شيء عجيب فعلا! رابعها: ظهور الداعية الاسلامي الشيخ محمد حسان.. الذي طالب المصريين باستقبال الاشقاء السوريين المهاجرين من ديارهم قائلا للمصريين: لقد ذكرتموني بالانصار حينما استقبلوا المهاجرين في ديارهم. أما الشيخ محمد عبدالمقصود نائب رئيس الهيئة الشرعية للحقوق والاصلاح.. فقد لخص الموضوع بكلمات عملية براجماتية عندما قال: ان الجهاد بالمال قد يكون مقدما علي الجهاد بالنفس.. خاصة في الأمور التي تحتاج الي خبرات نبتاعها بالمال! (شوف إزاي؟) اختصار الكلام ان القاعة المغطاة.. لم تكن مغطاة في تلك الليلة.. في ضوء ظهور العشرات من القيادات ارباب اللحي الكثيفة والجلابيب البيضاء التي تضيق عند المؤخرة.. علاوة علي الهتافات التي أعربت عن تأييدها للرئيس مرسي.. واستعداد اصحابها للدفاع عنه بالروح وبالدم. كانت القاعة في تلك الليلة عارية.. كما ولدتها امها! الموضوع إذن لم يكن موضوع نصرة الشعب السوري بقدر ما كان محاولة لتكريس الانقسام في الشارع المصري.. قبل 30 يونيو.. وكشف الستار.. ربما للمرة الاولي بمثل هذا الوضوح عن قلق قيادات الاخوان مما سوف تأتي به تداعيات 30 يونيو.. علاوة علي أنه كان دعوة صريحة لنزول تيارات الاسلام السياسي الي الشارع للقتال الي جانب فيالق جماعة حماس.. ضد الحركة الوطنية المصرية التي تقود حركة «تمرد». ولذلك كان من الطبيعي ان يخاطب الرئيس مرسي في القاعة المغطاة.. فصيلا واحدا من فصائل الشعب المصري يضم انصاره واعوانه.. وان يتصدر المشهد كل قيادات التيارات الاسلامية المتناحرة والمتصارعة.. التي ظهرت بالجلابيب واللحي المتدلية.. وشهدنا لأول مرة في تاريخنا المعاصر.. رجالا ينحنون لتقبيل يد رئيس الجمهورية وسبحان الملك الخلاق!