توالت تصريحات السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله محذرة من القرار الظني الذي سيصدره المدعي العام لدي المحكمة الدولية المكلفة بمحاكمة قتلة المرحوم رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق، حيث إن القرار المتوقع صدوره بعد شهر أو شهرين علي أكثر تقدير، يتضمن اتهامات لعناصر (غير منضبطة) من حزب الله بالولوغ في الجريمة. وهذا يعني أنه لا علاقة لقيادة الحزب أو قياداته الدنيا بالأمر، وإنما تصرفات شخصية من عناصر الحزب، لكن رد فعل السيد نصر الله علي هذه التهمة كان أكبر بكثير منها، فاتهام عناصر من أي حزب لا يعني أن الحزب متورط، فقبل شهر مثلاً اكتشفت أجهزة الأمن اللبنانية تورط عميد سابق بالتجسس لحساب إسرائيل وهو عضو في قيادة التيار الوطني الحر برئاسة ميشيل عون، وهي تستقطب حولها أكثر النواب المسيحيين، ومع ذلك لم يتهم أحد الحزب ولا كتلته البرلمانية بمثل هذه التهمة، ومادام ما افترضه السيد نصر الله يطاول عناصر غير منضبطة، فلماذا إذن كثف مؤتمراته الصحفية (ثلاثة مؤتمرات خلال شهر واحد) واتهم المحكمة بأنها مسيسة وغير نزيهة، وقال إنها تجاهلت إسرائيل في تحقيقها لمعرفة قتلة الحريري. فتنة في لبنان ولكن الأخطر من هذا كله تأكيد الأمين العام لحزب الله أن قرار الاتهام سيحدث فتنة في لبنان بين السنة والشيعة قد تتطور إلي ما لا تحمد عقباه (أي حرب أهلية)، وتساءل كثير من السياسيين والمراقبين داخل لبنان وخارجه، مادامت أقصي التهم ستوجه حسب افتراض السيد حسن نصر الله إلي عناصر في حزبه غير منضبطة فلماذا تحدث الفتنة إذن؟ ولماذا الحروب الداخلية، حتي لو كانت هذه التهم هي كاذبة ومختلقة بهدف توظيفها لإشعال نار الفتنة؟ وهل يعني اتهام (عناصر غير منضبطة) اتهام قيادة الحزب، وبالتالي تأكيد فرضية طالما رفضها وكذبها طوال ربع القرن الماضي وهي أن سلاحه موجه للداخل اللبناني، وإنه دولة داخل الدولة ما لايستطيعه بالقانون ينفذه بغيره؟. وهل هذه التهم المفترضة هي كل ما لدي الأمين العام لحزب الله من محتويات القرار الظني إذ إن هناك بعض المعلومات أو التهم التي سكت عنها، وأن إعلانها في القرار الظني إضافة لاتهام عناصر من حزب الله تشكل خطورة علي السلم الأهلي اللبناني واستقرار لبنان، كأن يتهم القرار ضباط أمن سوريين غير منضبطين أيضاً بمثل هذه التهمة، ويصبح تعاون عناصر الحزب مع ضباط الأمن السوريين يشكل قضية كبري تأخذ طابعاً سياسياً أحد جوانبه اتهام سورية مجدداً بالمشاركة بعملية الاغتيال ، وتناسي أن التهمة لضباط أفراد قاموا بالعملية بمبادرات شخصية، وبالتالي افتراض التحالف السوري مع حزب الله هو من أجل الهيمنة علي لبنان وليس للوقوف بوجه إسرائيل، وستكون من نتائج ذلك نسف العلاقات السورية اللبنانية التي أعيد بناؤها مؤخراً. وسيلعب ذلك دوراً جدياً في زعزعة أمان لبنان وأمنه، حتي مع نفي علاقة الحزب والسلطات السورية الرسمية ممثل هذه الاتهامات، بل حتي لو كانت الاتهامات مفتعلة وكاذبة جملة وتفصيلاً، فمن سينتظر سنوات حتي تنتهي المحاكمة، وتتوصل المحكمة إلي نفي هذه التهم أو إثباتها، وستكون شرارة الفتنة أشعلت النار وعاد لبنان كحاله خلال الخمسة والثلاثين عاماً الماضية، إلي الفتنة والحروب والانقسامات والقلق والفرز الطائفي وتعميق الطائفية والكره وصولاً إلي ... الهجرة. دور السعودية يبدو أن سعد الحريري رئيس وزراء لبنان (وولي دم أبيه) مقتنع بالأهوال المحتملة لمثل هذه الاتهامات المفترضة أو حتي لمبدأ تسييس عمل المحكمة الدولية، وبالنتائج الكارثية التي ستقع علي رأس لبنان بتحويل حزب الله إلي المعارضة الفعالة ، أو بتراجع السياسة السورية عن تنسيقها وتعاونها مع الحكومة اللبنانية، التي قطعت شوطاً كبيراً في مسيرتها، أو أخيراً بإقلاق بدايات التوافق السوري السعودي، بعد أن لعبت السعودية دوراً كبيراً ومهماً في تنقية العلاقات السورية اللبنانية، وفي الخلاصة فإن مثل هذه التهمة، سواء كانت لعناصر من حزب الله، أم لضباط أمن سوريين، سيكون لها دور مرعب وخطرعلي الاستقرار اللبناني، وحتي لو لم تكن لحزب الله أو للسلطات السورية يد في التهمة أو أيه شبهة، فمن سيقنع الرأي العام عندها ببراءتهما؟ من الواضح أن السياسيين من حزب المستقبل (حزب سعد الحريري) لم يخرجوا علي هذا التوجه، وكانت تصريحاتهم عموماً في هذا الإطار، ورغم أن مواقفهم السابقة كانت أكثر تطرفاً بما لايقاس مما هي عليه الآن، فإنهم (اعتدلوا) وتأثروا ربما بموقف رئيسهم، واقتنعوا بالمخاطر التي سوف يحملها القرار الظني لبلدهم، سواء كان صحيحاً أم مسيساً، صادقاً أم كاذباً، لأن المهم هي ردود الفعل عليه، والنتائج المتوقعة من تأثيراته علي المجتمع اللبناني، وتحديداً علي معظم الطائفة السنية. يكرر سعد الحريري، كما يكرر أتباعه جملة أصبحت لازمة في تصريحاتهم وهي أنهم لا يريدون سوي الحقيقة والعدالة، وهذان الأمران في الواقع الملموس لن تأتي بهما سوي المحكمة، فهل يعرفون بدورهم معلومات أخري أو تهماً أخري سيتضمنها قرار الاتهام من شأنها أيضاً تأزيم الوضع، أم أنهم مقتنعون أن قرار الاتهام في إلقاء تهمه علي عناصر من هنا وهناك لن يشعل شرارة الفتنة، ولن يعيد الاضطراب للمجتمع اللبناني، وأن الضجة التي أثارها ويثيرها حزب الله تهدف لتأجيل قرار الاتهام، أو حتي إلغاء المحكمة الدولية وتحويلها إلي محكمة لبنانية ، اي أنها حملات إعلامية.. لاتبدو علي ردود فعل نواب حزب المستقبل وسياسييه ولا علي رد فعل سعد الحريري مخاوف من القرار الظني، لأنهم لن يحملوا السلاح ضد حزب الله، ولن يفتحوا معارك ضد سورية، لمجرد تهم لعناصر من هنا وهناك لا علاقة للقيادات بها؟.