نسير حفاة علي الأشواك وعلي الجمر.. عراة في البرد والصقيع.. جوعي في زمن الحصاد، عطشي ما بين النهرين، لابد أن نسير، هذا قدرنا، ونحن له مؤمنون، نلملم بقايانا، ونعصر الريح ونصعق الخطر، نستأنس الوحشة، ونروض المحن، ندفن الموتي، ونسير في الجنازات ومواكب الشهداء.. نقتلع الحزن من قلوبنا المعصورة شجنا..ننفض عن كواهلنا التراب، وننزع أطواق الشوك الملفوفة حول رؤوسنا، نكسر القيد الحديدي، لابد أن نسير، طوعا أو قسرا فلم يعد لركبنا وقوف.. هذا قدرنا.. من شموع سبت النور المحرومة من الحياة إلي فوهات الرشاشات ودوي القنابل، نقيم شعائر صلواتنا في الشوارع، حتي الصلوات تخضع لإجراءات أمنية وتفتيش وحصار وأحيانا الإلقاء بها في السجون. لن يكون فينا يهوذا الاسخريوطي، نحن تلاميذ نجباء مخلصون لن نبيع ولن تهون علينا الأرض، نهون نحن بأرواحنا وأولادنا وكل ما ملكت أيدينا، ولن تهون الأرض. من «قيافا» رئيس كهنة حاكمي المسيح وحتي يومنا هذا يمتد طريق الآلام. يمتد عبر النخاسين وتجار الضمائر والعملاء والسماسرة.. ..«ثلاثون قطعة من الفضة، كانت أجر يهوذا مقابل تسليم المسيح لرؤساء الهيكل والجند، وكانت الوسيلة قبلة يضعها الخائن علي خد المسيح كي يعرفوه فيمسكوا به».. إنها الحكايات القديمة الجديدة.. لا شيء تغير.. مازال الإنسان يبني في الريح بيوتا للفقراء.. مازال البسطاء في مناطق شتي يحلمون بالأمان والسيوف علي رقابهم.. والشرفاء يطلب منهم الشهادة وفوهات البنادق مشهرة في قلوبهم.. مازالت الأمهات مرغمات علي الزغاريد وأطفالهن معلقين علي مشانق العصر الحكيم.. يأتي عيد القيامة رغم الضباب والأحزان، فرحا بشوشا..يحمل البشرة والفرح.. تتلاشي الملامح الصارمة.. ليحل محلها سكون ورضا.. تتراخي الشدة لتجلس البشاشة علي الجباة التعبة الظمأي الجوعي.. صمت لا يقطعه سوي البشارة.. الدنيا تسبح للخالق، تتوحد القلوب والأفئدة والأبصار؛ تنصت في اهتمام، تسترق السمع هنا وهناك.. تطلق الاجراس في الأرجاء لتدغدغ المشاعر، وتفتت ما تبقي من صبر، يفيض علي القلوب خيرا ويمنا.. تنسي الناس الاحزان.