ان اقتصار الاحتفاء باليتيم علي حفل يقام كل عام لالتقاط الصور التذكارية للمشاهير والشخصيات العامة وهم يوزعون هداياهم الباردة، لا يمثل جرحا لكرامتهم أو امتهانا لآدميتهم فقط، وانما يرصد حالة من حالات الاستغلال العلني لآلام ومعاناة هؤلاء البؤساء الذين لا حول لهم ولا قوة. وهو أيضا بحسب كل المواثيق الانسانية لا يكفي، لأن هناك 364 يوما أخري يتم فيها التغافل والتغاضي عمدا. تحضرني واقعة كنت شاهدا عليها، عندما اتصلت بعض الجمعيات الخيرية بمنتزه شهير بالقاهرة تطلب منه استقبال 30 طفلا علي الغداء مساهمة متواضعة وواجبة تجاه نزلاء الجمعية، وبالفعل لبي المسئولون بالمنتزه الطلب برحابة صدر، وتم تحديد موعد لاستقبال هذا الفوج الكريم، لكن المفاجأة أن الفوج لم يضم سوي 7 أطفال فقط، أما ال 23 الباقون فكانوا من الإداريين والمشرفين والمديرين وبعض من ذويهم، ولا يمكن بأي حال من الاحوال اعتبار هذا الاستثناء قاعدة تقوم عليها الجمعيات المنتشرة في داخل الجمهورية، فهناك كثير منها يضطلع بدوره علي أكمل وجه، ولا تبتغي من ذلك إلا مرضاة الله وضمائرهم، لكنها قلة قليلة وسط طوفان من الجمعيات المنتشرة في جميع محافظات مصر، كما أنها لن تستطيع أن تفعل كل شيء في مجتمع يسجل معدلات مرتفعة تفيض عن حاجة الجمعيات والمؤسسات، ولا تجد غير الشوارع والأزقة مكانا لابتلاع هذه الاعداد الوفيرة والتي لاحت أثارها السلبية في الفترة الأخيرة. هكذا يتم الاحتفاء باليتيم علي أرض الواقع، أما بالسجلات فهناك كلام آخر يستدعي كثير من المتابعة والمراقبة، ان الاهتمام بالايتام يكون عارا عندما يستخدم العبارات الموجعة لحث القادرين علي التبرع في حسابات بنكية لا يعلم وجوه صرفها أحد، أن الأطفال الذي ضن عليهم الزمن بفرص رحبة للعيش لا يجب استغلالهم بهذا الشكل المذري والمشين، ويجب العمل علي محو آلامهم بدلا من عمليات التعذيب التي تمارس عليهم ودون شفقة. إلقاء نظرة علي ما يحدث للأطفال المحتجزين في دور الرعاية الاجتماعية سيكشف كثيرا من الفساد التي تمارسه الضمائر الميتة، ونحن في حاجة إلي فتح هذا الملف الملغم بالكوارث لأكثر من نصف مليون طفل لا حول لهم ولا قوة .