تفاوتت ردود أفعال الصحافة الإسرائيلية حول زيارة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” للمنطقة، والتي اجمع معظم المحللين العرب علي وصفها بأنها زيارة إسرائيلية بامتياز، كونها أول زيارة لرئيس أمريكي إلي إسرائيل. وفي صحيفة هآرتس وصف الكاتب “جدعون ليفي” “أوباما” بأنه معجب جدا بالعنصرية الإسرائيلية، وأضاف أن الرئيس الامريكي قرر أن يحطّ من قدر الإسرائيليين، فكلمهم كما لو أنهم جهلة. ولكن الرئيس الأمريكي لم يسلم من كلامه: لقد خان مبادئه، تلك المبادئ نفسها التي تلقي المديح الدولي بسببها، كما حصد جائزة نوبل للسلام. هذا ما ظهر من خلال مقابلته علي القناة الإسرائيلية الثانية عشية زيارته لإسرائيل. بالغ أوباما في التملّق للرئيس الإسرائيلي متخطياً إلي حدّ كبير حدود البروتوكولات الديبلوماسية وإلي حدّ ما معايير النفاق الأمريكي. عندما قال أوباما إنه ينظر باحترام إلي “القيم الجوهرية” لإسرائيل. عن أي قيم كان يتحدث حينها؟ عن تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم؟ عن الموقف تجاه المهاجرين الأفارقة؟ عن الغرور والعنصرية والشعور القومي؟ هل هذا ما يعجبه؟ ألم يتذكر الباصات المنفصلة المخصصة للفلسطينيين؟ شعبان علي أرض واحدة: الأول يحظي بكامل حقوقه والآخر لا. ألا يقول له ذلك شيئاً؟ أن يعجب أوباما ب”القيم الجوهرية” وهو يدرك أننا أمام أكثر البلدان عنصرية في العالم، مع جدار فصل عنصري وسياسات تستعيد “الأبرتهايد”، فهذا يعني خيانة “القيم الجوهرية” لحركة الحقوق المدنية، القيم التي لولاها لكانت معجزة أوباما نفسها غير واردة. خسارة ان أوباما لم يستطع تحقيق خياله: لصق شارب مزيف والنزول إلي الشوارع للتحدث مع الإسرائيليين. سيسمع كيف يتكلّم السود الذين يشبهونه. خسارة انه لن يستطيع التأخر في أحد المقاهي كما يشتهي، كي يسمع حينها حقيقة “القيم الجوهرية” التي تحرك الإسرائيليين. (…) ان مواقف ومقترحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لا تترك أي أمل بالتقدم في الملف الفلسطيني. ما قاله أوباما في القاهرة، نقيض لما “كذب” فيه في إسرائيل. وفي نفس الصحيفة وصف الكاتب “آري شبيط” زيارة أوباما لإسرائيل التي استمرت يومين بقوله “صهيوني في البيت الأبيض” وأضاف قائلا: من أجل هذا جاء. فقط وحصريا من أجل هذا جاء. اكثر من يومين استمرت زيارة الرئيس اوباما في بلاد اسرائيل. وقد تضمنت القبة الحديدية والوثائق السليبة والتكنولوجيا العليا. وهي ستتضمن قبر هرتسل وقبر رابين ويد واسم (مؤسسة الكارثة والبطولة). منذ بدايتها وحتي نهايتها كانت مليئة بشمعون بيرس، وببنيامين نتنياهو، وبعناق امريكي اسرائيلي لم يكن له مثيل. ولكن في النهاية، فان الخمسين ساعة من الزيارة الرئاسية لم تكن إلا كي تمهد التربة للثماني عشرة دقيقة التي تحدث فيها باراك اوباما امس عن السلام. السلام ضروري قال رئيس الولاياتالمتحدة للاسرائيليين والسلام عادل والسلام ممكن. دعوة الصحوة التي اطلقت امس في القدس تخجل تلك النخبة الاسرائيلية التي قررت مؤخرا شن الحرب علي بني باراك بدلا من وقف المستوطنات. العظمة التي قدمها باراك اوباما امامنا تخجل الزعامة الاسرائيلية الوطنية التي لا تتجرأ علي مواجهة الوضع الاسرائيلي كما يواجهه الرئيس الامريكي. لا يمكن تجاهل حقيقة أن في خطاب اوباما كان ايضا بعض السذاجة. فالرئيس العاشق لم يوضح بعد كيف تجسر الفجوة بين القيم الديمقراطية للولايات المتحدة واسرائيل وبين قيم الشرق الاوسط الاسلامي. الرئيس الواعد لا يزال لم يثبت بعد بان السلام الذي يعد به هو بالفعل سلام قابل للتحقق. ولكن باراك اوباما اشار امس الي الاتجاه، أرانا الطريق وفتح فتحة أمل. الآن الواجب هو علينا للخروج الي الرحلة. وذكر الكاتب بن دورور يميني في صحيفة معاريف يقول : من توقع خطابا واحدا حصل علي اثنين. اليمين الاسرائيلي ارتاح للقسم الاول. اليسار الاسرائيلي ارتاح للقسم الثاني. اول أمس كان هذا اوباما هو الذي وصل كي يكسب ثقة الجمهور الاسرائيلي. امس كان هذا اوباما هو الذي قرع الاجراس كي يوقف اسرائيل من وهم الجمود. لقد كان يخيل للحظة ان خطاب اوباما يرمي الي وضع اجزاء من “القوي التقدمية” في مكانها. فنحن معتادون جدا علي الانتقاد وبالاساس علي الانتقاد الذاتي، والتي جاءت اقوال اوباما كي تذكر بعدد من الحقائق الاساسية. الحركة الصهيونية هي حركة تحرر. اليهود هم لاجئون. وقد اقاموا ديمقراطية فاخرة واقتصادا مزدهرا. نحن احيانا ننسي هذه الامور التي ليست مثابة الامر المسلم به. شكرا لاوباما علي أنه ذكرنا بها. وعندها جاء القسم الثاني. من التاريخ الي الحاضر. المستوطنات، الفلسطينيون والاحتلال. لا يمكن الاستمرار هكذا، أوضح اوباما، لأن الحاضر قد يدمر انجازات الماضي. اوباما قال دولة يهودية في خطابه في المقاطعة وكذا في مباني الأمة. غير أنه لن تكون دولة يهودية وديمقراطية دون وقف المستوطنات ومحاولة تحقيق التسوية. وليسمح لي بالاعتراف: منذ سنين وأنا أحمل الخطاب المزدوج، الحق المطلق في الفكرة الصهيونية ومكافحة الاكاذيب التي تجعل اسرائيل وحشا الي جانب الاعتراض علي جعل اسرائيل دولة ثنائية القومية، من خلال المشروع الاستيطاني. اليسار يحطم القسم الاول، يشكك بالثقة بعدالة الصهيونية. اليمين يحطم القسم الثاني. يحطم الدولة اليهودية ويخلق كابوس ثنائية القومية. لقد جاء اوباما كي يوضح باننا نحتاج الي القسمين. علي اليسار ان يحفظ عن ظهر قلب القسم الاول. واليمين القسم الثاني. وفي واقع الامر تلقينا الخطاب التأسيسي للوسط الاسرائيلي. تسيبي لفني، يئير لبيد وشيلي يحيموفيتش، مع بعض التعديلات الطفيفة، يمكنهم أن يجعلوا هذا الخطاب برنامجهم. وبكلمات بسيطة: حان الوقت لان نختار بين دولة يهودية ودولة واحدة كبري. وشكرا لاوباما، الذي جاء ليذكرنا بأنه من المجدي ان نقرر بسرعة. فغدا قد يكون الأوان قد فات.