مازال عنت أهل النظام السوري مستمراً، وكذلك رفضهم أي حل توافقي أو أية تسوية مع الحراك الجماهيري ومع أطياف المعارضة وأية مبادرة عربية أو دولية، وإصرارهم علي الحل الأمني (العسكري) الذي افترضوا منذ بدء الثورة حتي الآن أنه سيحسم الموقف لصالح النظام، ويتغلب علي الحراك الشعبي، وبالتالي سيقبل المعارضون والناشطون عرض السلطة القاضي بإجراء حوار تقدم في نهايته بعض الإصلاحات الشكلية التي لا تمس جوهر النظام ولا هيكلته أو بنيته، وتتم تسمية بعض المعارضين وزراء، وتنتهي الاحتجاجات والحراك المجتمعي، ويبقي الحال علي ما هو عليه، أي استمرار عدم اعتراف النظام بمعايير الدولة الحديثة أو تطبيقها، وخاصة معايير الحرية والديمقراطية وفصل السلطات وتداول السلطة وتحقيق العدالة الاجتماعية، كما كان إصرار أهل النظام غريباً علي استمرار تسلط الأجهزة الأمنية علي الدولة والحكومة والشعب، واستمرار الفساد والإفساد، والقهر والاستبداد،والاعتقال والتعذيب بدون البحث عن المسئول، أو حتي بدون إلقاء المسئولية علي أحد، وكان أهل النظام ومازالوا يرفضون بتاتاً إطلاق سراح المعتقلين، أومحاسبة المرتكبين أو السماح بالتظاهر، وفي الخلاصة استمر وهم النظام بالحسم الأمني معمولاً به منذ الأيام الأولي للثورة حتي الآن، مما أهدي السوريين ستين ألف قتيل ومثلهم من المفقودين ومائة وخمسين ألف معتقل وأكثر من ثلاثة ملايين سوري مشرداً. واستمر أهل النظام حتي اللحظة لم يغيروا شيئاً من موقفهم، أو يخففوا غلواء عنفهم أو تطرفهم، أو يستجيبوا للمواقف العربية والدولية، ومازالوا كذلك حتي اللحظة. وقد أكد خطاب الرئيس الأسد، واقتراحاته لحل الأزمة السورية هذه النظرة، وعمق الشرخ القائم بين الشعب والمعارضة وبين النظام السياسي. تنحية الرئيس أدي هذا الموقف من أهل النظام، إضافة لممارساته العنيفة هذه، واستهانته بأرواح شعبه، وبتدمير ممتلكاته والبنية التحتية للبلاد كلها، حيث شجع علي ذلك بعض المواقف المتطرفة من بعض أطراف المعارضة، وقد أدت هذه الأمور كلها إلي تبني فصائل المعارضة، وقادة الحراك الشعبي، بل وجماهير الشعب السوري، مواقف حاسمة، منها رفض أي حوار مع أهل النظام، إلا بعد تنحية الرئيس، وإعادة هيكلة الجيش والأمن، وبالتالي عدم قبول أي حل إلا باستسلام أهل النظام كلياً أو شبه استسلامهم. وهكذا، أصبح من المتعذر علي أطراف الصراع السوري من أهل النظام ومن المعارضة والشعب حل مشكلتهم بشكل مباشر وبإرادتهم، فتدخلت الدول الأخري، عربية وأجنبية، ونقلت الحوار والبحث عن حلول إلي خارج الحدود السورية، وأصبح حل الأزمة هناك بيد الآخرين غير السوريين، ولعله من المفارقة أن السوريين الذين تسيل دماؤهم كالأنهار في سبيل حريتهم وكرامتهم، وتدمر بيوتهم، ويدخلون السجون بالآلاف، ويواجهون صعوبات الحياة اليومية والغلاء وفقدان المواد، من المفارقة أن هؤلاء الذين يدفعون هذا الثمن الغالي ينتظرون الآن أن يأتيهم الحل معلباً من الخارج، وتراهم يتساءلون: ما موقف هذه الدولة أو تلك، وماذا سيقرر المجتمع الدولي وما المبادرات المقبلة، وينتظرون أن تحمل الرياح إليهم حلاً ناجزاً، وكأنهم قاصرون عن إيجاد حل. التطرف منهجا يبدو أن فصائل المعارضة السورية تصرفت في بدء الثورة وربما بعد ذلك تصرف المناضلين وليس تصرف السياسيين، وكانت في الوقت نفسه يزاود بعضها علي البعض الآخر، واعتقد بعضها أن التدخل العسكري الخارجي سهل المنال، وبالتالي كان التطرف هو الأرضية التي يعمل الجميع مستندين إليها، وفي الوقت نفسه استخف النظام بشعبه، واستمرأ قتله، واعتقال مناضليه وتدمير ممتلكاته، واستمر في تطرفه ووهمه بأنه سيعيد الناس إلي بيت الطاعة صاغرين. وهكذا، بتطرف من هنا، وبحماقة من هناك، تم نقل الأزمة إلي خارج الحدود، وأصبحت رهينة بيد الدول الأخري، التي تبحث عن مصالحها بالدرجة الأولي، ومازالت الدماء تسيل والمعتقلات مفتوحة، والقصف كثيف، والتدمير جزء من الحياة اليومية، والعالم يتثاءب. ضيع الرئيس الأسد بخطابه الأحد الماضي فرصتين، إحداهما إيجاد الشرط الموضوعي لنزع العسكرة عن الصراع، وتحويله إلي صراع سياسي ومفاوضات سياسية، والثاني إعادة الأزمة إلي داخل الحدود من خلال إيجاد وسيلة للتفاوض بين القوي الفاعلة السورية المعارضة والموالية، وأدي تشدده غير المبرر إلي تحويل الأزمة للحسم العسكري، أو للدول الأخري كي تصل إلي حل.