يعد قرار النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود حفظ التحقيقات في واقعة طباعة ونشر كتاب «ألف ليلة وليلة» من قبل الهيئة العامة لقصور الثقافة، قرارا جريئا ومهما وبداية حقيقية للتصدي للتيارات الظلامية التي تسعي - جاهدة - لمصادرة العقل وإقصاء الفكر والإبداع. وقد جاء في أسباب الحفظ أن مؤلف «ألف ليلة وليلة - محل البلاغ - صدر منذ ما يقرب من قرنين وأعيدت طباعته مرارا وظل يتداول ولم تعترض الرقابة علي المطبوعات عليه علي اعتبار أنه من كتب التراث، ويبعد كل البعد عن فكرة انتهاك حرمة الأخلاق ومظنة إثارة الشهوات، بل إنه ينبئ عن طرائق قدماء الأدباء في التأليف والنظم الأدبي، كما أنه لم يكتب أو يطبع بغرض خدش الحياء العام، وهو بعد ذلك خليق بأن يكون موضوعا صالحا للبحث المنتج والدرس الخصب لكونه من قبيل الأدب الشعبي ومكونا أصيلا من مكونات الثقافة العامة، وأنه كان مصدرا للعديد من الأعمال الفنية الرائعة ومنه أستقي كبار الأدباء مصدرا لروائعهم الأدبية.جاء في أسباب الحفظ أيضا أن النيابة العامة استندت في قرارها إلي الحكم الصادر عام 1985 في القضية التي قدمت ضد القائمين علي طباعة «ألف ليلة وليلة» في ذلك الوقت والتي حكم فيها بحكم مبدئي بالبراءة، وأن البلاغ الحالي لم يأت بجديد ينال من هذا المؤلف. يذكر أن وقائع القضية بدأت ببلاغ قدم للنائب العام - من قبل مجموعة من المحامين - ضد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة - د. أحمد مجاهد - والروائي جمال الغيطاني ورئيس تحرير سلسلة الذخائر التي صدر منها الكتاب، وجمال العسكري مدير تحرير السلسلة، وسوزان عبدالعال سكرتير تحرير السلسلة، وجاء في البلاغ أن «ألف ليلة وليلة» يحتوي علي العديد من العبارات التي من شأنها ازدراء الدين الإسلامي وخدش الحياء العام وكذا الدعوة إلي الفجور والفسق وإشاعة الفاحشة. الفعل الثقافي يؤكد الناقد د. عبدالمنعم تليمة أن ما يحدث يعد من الظواهر السلبية التي تعطل الفعل الثقافي، وأن هذه الظواهر لن يوقفها إلا وجود منظمات ديمقراطية، وليس ببيان يوقع عليه عشرون مثقفا أو مائة أو ألفا، فلابد من منظمات للمثقفين مستقلة، بها كل الشفافية في التمثيل الحقيقي لجماعات المثقفين، فالمسألة ليست - فقط - مصادرة كتاب «ألف ليلة وليلة»، بل هناك ما هو أخطر في مناهج التعليم في المدارس والحياة العامة كذلك، فللأسف فإن الحكومة قد احتكرت إدارة الثقافة المصرية، وفي الأزمات تلجأ لأمرين لا ثالث لهما الأول اللجوء إلي الإجراءات الأمنية المتعسفة، والأمر الثاني الإدارة الثقافية العقيمة، وهنا تصبح الثقافة مجرد أداة في يد سلطة لا تستطيع الإحاطة بها أو فهم معناها. ويري د. تليمة أن المواجهة في تلك الحالة تكمن في النهوض الثقافي الشعبي من خلال تنظيمات مستقلة تمثلنا بالانتخاب والاختيار المباشر في تشكل اتحادات ونقابات، هنا نصبح محكومين بالأداء الديمقراطي من خلال النشاط البشري، وعلي الجماعة الثقافية - في تلك اللحظة - أن تحاسب علي الأداء في تلك المؤسسة. وأشاد د. تليمة بالموقف الشجاع للمستشار عبدالمجيد محمود الخاص بحفظ التحقيقات واصفا القرار بأنه «نور علي نور». ضرورة المواجهة أما الكاتب الصحفي والمؤرخ صلاح عيسي فيري أن من يصادرون الكتب الإبداعية والفكرية والأعمال الفنية يستندون إلي فكرة أساسية وهي أن وزارة الثقافة تصدر كتبا وتنتج أعمالا فنية من المال العام، فبالتالي لا يجوز لها أن تغامر بتمويل أعمال يرون أنها من أموال دافعي الضرائب - هذه فكرة رافعي القضايا - وأن ذلك لو صدر من دار نشر قطاع خاص لما قاموا بالمصادرة. ويضيف عيسي قائلا: هناك إشكالية بين التيار الديني المتزمت ووزارة الثقافة، حيث يري هذا التيار أنه الأولي بتولي هذه الوزارة، لأن أفراده يعتقدون أنهم يعبرون عن ثقافة هذه الأمة، وبالتالي هم متربصون بكل ما تنتجه وزارة الثقافة ولذلك نراهم - كثيرا - ما يقيمون دعاوي مباشرة ضد الفكر والإبداع بمختلف أنواعه. ويؤكد عيسي أن قضايا الحسبة في أساسها تقوم علي أنه من حق كل مواطن أن يقيم دعوي قضائية بما يحقق المصالح العامة، وهو أمر قانوني موجود ومتقدم من الناحية النظرية لو طبق في شكله الصحيح، لكن للأسف قد أسيء استخدام هذا القانون الذي يوجد في الشريعة الإسلامية بما يعرف ب «حق الله والوطن» فمثلا لو قدمت دعوي ضد عملية تصدير الغاز إلي إسرائيل أو طرد السفير الإسرائيلي فهذه كلها دعاوي حسبة. والأمر - مع ذلك - أصبح لا مفر من دخول تعديل علي القانون بحيث يكون المحتسب الأصلي هو «النائب العام»، لأن موضوع «الحسبة لم يحسم - كما يعتقد البعض - فقد حسم في جانب واحد وهو «الأحوال الشخصية» فقط وما عدا ذلك لم يتم حسمه. ويشير صلاح عيسي إلي أنه قد طالب في الاجتماع الأخير للمجلس الأعلي للثقافة بأن يطرح قانون جديد يلغي الثغرات الموجودة في قانون الحسبة، وأن يطرح هذا الأمر علي مؤتمر المثقفين العام المقرر إقامته في الفترة القادمة كي نوقف هذه المواجهة السلفية. مؤتمر عام أما الكاتبة فتحية العسال فتشيد بقرار النائب العام وتؤكد أنها كانت منزعجة مما حدث من مصادرة لكتاب يعبر عن روح الشعب، وتقترح العسال بأن يكون هناك مؤتمر عام للمثقفين تناقش فيه القضية برمتها والظروف الحالية التي تفرغ الأشياء من مضمونها لمواجهة التيارات الظلامية التي تريد أن تسيطر علي الثقافة التقدمية وتريد التشكيك في التاريخ والتراث، فهم يريدون أن يسطوا علي كل شيء في حياتنا، والصعوبة أنهم يريدون السطو علي عقولنا. وتضيف العسال قائلة: ألف ليلة وليلة تراث متكامل اقتبسنا منه من أعمالنا في الإذاعة والتليفزيون والرواية والشعر، لذا لابد من وقفة احتجاجية ضد كل ما يحدث ضد هذا التفريغ من الفكر السلفي التقليدي الذي يريد أن يسلب الشعب المصري ملكياته. ويري الروائي فؤاد قنديل أن يوم 8 يونيو 2010 - وهو يوم صدور قرار الحفظ - يعد يوما فارقا ومهما في مسيرة مقاومة مصادرة الإبداع والرأي، ومهم جدا في مسيرة حرية التعبير، وسوف يكون ما بعده فيه محاولة حاسمة وقوية لكف أيدي العابثين بحرية التعبير. ويضيف قنديل قائلا: أتصور أن المثقفين سيلتقطون الخيط لمزيد من حرية التعبير، لأنهم سوف يحرصون علي المقاومة، وقد أعطاهم النائب العام «الضوء الأخضر» في ذلك، أري أن المحامين سوف يفكرون ألف مرة في مصادرة أي مصنف لأن هذا الموقف المشرف من النائب العام سوف يظل في الذاكرة. وهنا أشعر بنفحات من التفاؤل بشرط أن يرتبط هذا التفاؤل بالمقاومة بقوة ضد كل ألوان المصادرة والقمع بشتي ألوانه. النهوض بالوعي أما عن دور المجتمع في ظل ما يحدث فإن فؤاد قنديل يشير إلي أن المجتمع ليس لديه ما يكفي من الوعي الثقافي وإن كان لديه وعي سياسي واقتصادي بشكل ما أما الثقافة وحرية التعبير فبحاجة إلي وقت أطول، وأتصور أن هناك دورا علي المثقفين والإعلام لتوسيع دائرة الوعي لدي الجماهير، نظرا لأن دور المثقفين في الثلاثين عاما الماضية كان خافتا، وعليهم أن يتحدوا، لأن أصوات المثقفين لو اتحدت فهي قادرة أن تزلزل العروش. أما القاص والروائي سيد الوكيل فيري أن الحياة الثقافية بها كثير من أشكال الفساد وحالة الفوضي والإعلام له دور مؤثر في ذلك مما يؤدي بالتالي إلي ضعف الثقافة فحين يكون الواقع الثقافي متشرذما فليس هناك دواء له فهو واقع يقوم علي الصراع حيث يتنازع الجميع عليه، ولو كان هناك واقع ثقافي حقيقي تحت قيادة ضخمة كاتحاد الكتاب مثلا، ولو وجدت محاكم ثقافية تقوم علي الشئون الثقافية، بدلا من إحالة قضايا الثقافية إلي القضاء العام، فإن الأمر كان سيتغير مثل كثير من بلدان العالم في ظل وجود قوانين فكرية خاصة تحكم عملية النشر والملكية الفكرية، وعجيب أن نجد عندنا «محاكم للأسرة» ومحاكم للتجارة وغيرها ولا توجد «محكمة ثقافية» تعني بالثقافة والفن. ضد التطرف وتري الشاعرة غادة نبيل أن المجتمع التالف هو الذي يفرز ويشجع ويأوي فكر «الحسبة» هو الذي يبحث عن «ألف ليلة وليلة» ليحاكمها بدلا من أن يحاكم من يستحقون المحاكمة والعقاب في الراهن المتعفن.. هذه الحالة البشعة من الالتفاف دائما علي الحقيقة فقط لكي نقول شيئا غيرها ونفعل ما هو عكسها. وتضيف غادة قائلة: «إنه إذا كان قد صدر قرار بحفظ التحقيق في قضية «ألف ليلة وليلة» علينا أن نتساءل كيف يكون هذا إنجازا ومكسبا وسط الخراب السياسي والاقتصادي والتعليمي والصحي الذي نحياه، يأكلنا التطرف والانغلاق الديني.. والجمود والتفسيرات المتأسلمة، ودعونا نكون شجعانا والمتأقبطة أيضا، إن جاز القول، فقد أضحي الدين وسيلة لتعذيب الناس عكس هدفه، هذه المرة انتصرت «ألف ليلة»، لكن المثقف المصري لم ينتصر.. حقا هو أعزل لكنه يقاوم بخوف وهذا محزن في نفس الوقت. من جانبه أشاد د. أحمد مجاهد بهذا القرار الذي ينتصر لحرية التعبير ويؤكد حضارة مصر وعراقتها، ويؤكد أيضا أن النشر في هيئة قصور الثقافة يسير طبقا لرؤية وخطة محددة تستهدف نشر الثقافة الرفيعة. كما وجه د. مجاهد الشكر للمثقفين والأدباء من مختلف أنحاء مصر الذين وقفوا وقفة واحدة ضد أي مساس بحرية هذا الوطن، كما وجه الشكر لمؤسسات المجتمع المدني ولاتحاد كتاب مصر، والذي تضامن في بلاغ رسمي مع حق الهيئة في نشر الليالي.