بمناسبة الذكري الرابعة والستين للعيد الوطني لجمهورية ايطاليا أحيت الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان وكارلو ماني - بمشاركة فناني أوبرا ايطاليين وعازف بيانو، حفلا موسيقياً وأوبرالياً ، قدمت خلاله مقطوعات من أوبرا ( حلاق اشبيلية ) لجواكينو روسيني . وذلك أول يونيو الماضي علي مسرح الدراما بدار الأيد للثقافة والفنون . تدور أحداث القصة في مدينة اشبيلية في القرن الثامن عشر، حيث بطلة القصة روزينا تعيش عزلةًً فرضها عليها راعيها والوصي عليها بارتولو الهرم القاسي الذي يتطلع الي الزواج منها بمساعدة القس عديم الضمير دون بازليو أستاذها في الموسيقي. يتودد اليها الكونت المافيفا الذي ينتحل صفة التلميذ ليندورو، بمساعدة الحلاق الفضولي الماكر فيغارو . ينجح ألمافيفا بدخول المنزل أولاً بصفة ضابط ثم بصفة قس . وكل ذلك بهدف محاولة الحديث مع روزينا ، فيضع فيغارو وألمافيفا خطةً لهروب روزينا . وأخيراً يلتئم شمل العاشقين بعد سلسلة من الإرباكات وحالات سوء الفهم . بدا القائد الإيطالي كارلو ماني متشبعًا بالحكاية لدرجة حفظ الحوارات وعدم الحاجة الي النوتات ، وهو مافعله ميساك باغبودريان عندما عزف السينفونيا ( وهي المقدمة الموسيقية للعمل الأوبرالي المكون من ثلاث حركات ) حيث أحسن السيطرة علي التدفق الصوتي وتدرجه صعوداً ونزولاً وأتقن التوقف الجماعي عن العزف والعودة الي موصلة الأداء _ مع ملاحظة أن الاثنين ينتميان الي مدرسة واحدة في القيادة وهو يعني الفكر المنظم والسيطرة المطلقة علي مجموعة العازفين والثقة في استغلال إمكانياتهم رغم عددهم القليل نسبياً ، حيث ظل مثابراً علي البحث عن نقاء الصوت ووضوحه بذكاء لافت للنظر ، ذكاء يختبئ خلف بساطة ووقار ، من خلال تحديده سرعة العزف بحركة يده أو بهزة رأسه أو بطرق الأرض بقدمه أو التعامل المرن ليلائم الطابع العاطفي الهزلي للعمل الأوبرالي . جاء الأداء الغنائي للمختارات ليضفي مزيدا من السحر الذي زاده محاولة اقتراب المؤدين من أجواء زمن الحدث حيث ارتدوا أزياء ذلك العصر، مقدمين فناً مريحاً لطيفاً لمؤلف موسيقي من النوع السهل، غير المعقد. وهو طابع لطالما اتسمت به موسيقي روسيني التي عرفت أيضا بأنها بالغة الجذب خاصة افتتاحياته التي لم تعد مجرد مقطوعة بل وصفية ملهمة تلخص أحداث الرواية وتبرز مزايا الرفعة والتسلط والذوق والشجو الشفيف والعاطفة الملجمة . ربما يمكن التأكيد هنا علي الدور الذي لعبته الشخصية المحورية في العمل فيغارو التي أثارت الإعجاب فعلاً بما عكسته من سمات فضولية وارتجالات حركية فرضها الفضاء الضيق لمسرح الدراما الذي أريد له أن يستوعب نحو أربعين فناناً بآلاتهم وحركتهم وبعض الديكور البسيط . الأمر الذي ضغط علي الجو العام ودفع ببعض الموسيقيين للخروج من الصالة ، أو انزواء قائدي الأوركسترا الي جانبي المسرح . وعلي العموم فإن الجمهور الذي وصلته رسالة التناقض النبيل الذي حملته القصة والصيغ التعبيرية للعمل السيمفوني، عّبر عن رضاه بنشوة التصفيق التي أكدتها مرونة وثراء عمل فني خالد حافل بالإبداع.