أشتري لحمة الجمعية والفاگهة الرخيصة واهي بتمشي سائق الأتوبيس التابع لهيئة النقل العام قد يكون الأكثر قربا من تفاصيل الحياة اليومية فهو يمر داخل الشوارع ناقلا الركاب لا يمل ولا يكل، حياته داخل الأتوبيس جعلته شخصا ذا هيبة خاصة جعلت علي سبيل المثال الراحل عاطف الطيب يجعله مثار اهتمامه وبطل أحد أهم أفلامه.. ولكن سواق الأتوبيس كيف يعيش؟، كيف يتصرف في راتبه الشهري؟. حاولنا الدخول مع أحد سائقي الأتوبيس بالتحديد «رحلة داخل راتبه الشهري» لنعرف منه كيف تسير حياته بهذا الراتب وملامح وتفاصيل تلك الحياة.. وبجوار عجلة القيادة تحدثنا معه عن عجلة قيادته لحياته وأسرته ونحاوره عن «العيش والعيشة واللي عايشينها». عم حمدي محمد، سائق أتوبيس نقل عام رقم (82) المتجه إلي العتبة بدأ حديثه مبتسما قائلا: بدأت براتب 37 جنيها منذ أكثر من 20 عاما الحمد لله الآن أتقاضي راتبا جيدا فأحصل علي أساسي 279 جنيها وبزيادة عملي وفترته أحصل علي حوافز وبدلات حوالي 600 جنيه حتي يمكنني العيش وبالتالي دخلي ليس بكبير ولكنه يكفيني خاصة أن زوجتي سيدة مدبرة وصاحبة عقل جيد تساعدني علي استخدام الراتب جيدا، مرددا ومهما زودوا الراتب «هانفضل تعبانين» ولكن الأفضل أن نرضي لأننا لا نملك غير الرضا. يوم عم حمدي يبدأ علي غير أي شخص آخر عادي حيث يستيقظ في الثالثة صباحا ويخرج من المنزل في الرابعة ليصل للجراج في الخامسة ويخرج بالأتوبيس الخامسة والنصف ويبدأ مشاويره العديدة طوال اليوم حتي الرابعة عصرا ويوم الجمعة يعمل ساعة ونصف الساعة إضافي، عم حمدي يدفع إيجار قديم 65 جنيها ويدفع دروس خصوصية 120 جنيها شهريا لأولاده الاثنين بالمدرسة الابتدائي والإعدادي ومازال طفل ثالث لم يدخل بعد المدرسة، ويدفع فاتورة كهرباء 50 جنيها شهريا علي الرغم من أنه لا يملك أجهزة كهربائية مسرفة مثل الكمبيوتر أو «ديب فريزر» ولكنه يدفع، وأولاده يحصلون علي مصروف يومي 5 جنيهات وهكذا قام بحسبتها «الولد ياخذ 2 جنيه والبنت بتاخد 150 قرشا «الصغري» والأخري أيضا 150 قرشا بمعدل 150 جنيها شهريا مصروفا يوميا لأولاده». ويقول عم حمدي أترك جزءا ضئيلا من الراتب معي مثلا 200 جنيه أو حاجة وأعطي الباقي كله لزوجتي لأنها تشتري اللحمة والفاكهة «ساعات» والخضراوات ولوازم البيت وما يتبقي معي علشان لو حد في الأولاد أصابه مرض أو حاجة أو «العشا» لأن عم حمدي يعتاد وهو عائد لمنزله أن يشتري العشاء «بطيخة، جبنة، حلاوة طحينية» فهو مقدس بالنسبة له. أما عن اللحمة فيقول عم حمدي «هاشتري لحمة كيلو ب 50 جنيها لا طبعا.. أنا بشتري لحمة من الجمعية الكيلو ب 35 جنيها عادي دي برضه لحمة، ولا نقوم بطهي الكيلو مرة واحدة يعني بنعمل الكيلو علي مرتين وبناكلها مرتين في الشهر. ويضيف عم حمدي «بيتي ماشي مستور» عندي تليفون أدفع فاتورته كل 3 شهور حوالي 95 جنيها بالكتير قوي، الفاكهة غالبا مش ممكن أشتري بطيخة مثلا بعشرة جنيهات لكن ممكن أشتري بطيخة بخمسة جنيهات، عم حمدي لا يتغيب عن عمله مطلقا حتي يحافظ علي ما يأتيه من الحوافز ليستكمل الحياة قائلا «لو أخذت إجازة الحوافز تقل، عيالنا مظلومين معانا»، أما عن المواسم فيقول قبل رمضان بكام شهر بعمل جمعية علشان أقبض 500 جنيه أشتري بيها لوازم الشهر الكريم وحاجات العيد أو كسوة المدارس بنتي عروسة عايزة «كسوة» والواد كمان، وبالتالي يكفيه الراتب إلي حد ما ولا يحاول أبدا أن يستلف من أحد حاجة. ما يضايق عم حمدي سواق الأتوبيس زحمة الطريق ومعاملة بعض الركاب السيئة مرددا «العقول بتختلف» في زبون يطلب مني ينزل علي جنب وأنا كده ممكن أتعرض للمخالفة وينسي إنه أتوبيس نقل عام لكن المسائل بتتحل بالهدوء، ابتسامة عم حمدي لا تفارق وجهه. الواضح عليه علامات الإرهاق والتعب والذي يشبه هيئة النقل العام «بالمعاملة الإنجليزي» لازم أشتغل كثيرا علشان يا دوب أعيش كويس والحمد لله، عم حمدي عنده أمل في الأتوبيسات الحمراء الجديدة أنها تتسبب في زيادة الحوافز ويقول إنه يشاهد يوميا المعتصمين أمام مجلس الشعب ويقول «رضا» تلك الكلمة المليئة بالتعويذة الداعية إلي الاستمرار في الحياة رغم كل شيء، تركت عم حمدي وأنا أفكر هل هو محظوظ بهذا الرضا والتدبير الجيد لراتبه الضئيل أم أنا المحظوظة بمقابلة هذا الرجل..؟!.