الصورة واضحة لكل ذي عينين.. قامت الثورة لتختطفها جماعة لا تختلف عن عهد مبارك في كل توجهاته الاقتصادية أساسا.. تقرأ تصريحات رئيس الوزراء ووزير المالية وغيرهم كثيرون حول الاقتراض من صندوق النقد الدولي فتشعر انك تستمع إلي نفس رجال عهد مبارك بالألفاظ نفسها والمصطلحات ذاتها والتبريرات هي دون أدني تعديل أو دون أدني خجل. عندما اقترح د. كمال الجنزوري اقتراض 2.3 مليار دولار من الصندوق هاج عليه الإخوان في البرلمان المنعدم وقادوا هجوما كاسحا علي حكومته لأنه لجأ إلي الطرق السهلة لتخفيف عجز الموازنة» وفجأة يوافق د. محمد مرسي علي زيادة القرض الي 8.4 مليار وتصل بعثة الصندوق للتشاور حول الإجراءات كما لو كانت الثورة قد اندلعت والشباب ضحي بحياته ليستمر النمط الاقتصادي لللعهد البائد حتي يبدو لك ان «مرسي ومبارك وجهان لعملة واحدة» طالما نتكلم في الاقتصاد. ويستمر المنهج نفسه وسط أجواء من «الضبابية» وغياب الشفافية وإخفاء الحقائق عن الشعب، ورغم التاريخ الأسود لصندوق النقد والبنك الدوليين في تاريخ الشعوب، يخرج علينا ممتاز السعيد وزير مالية مرسي والذراع اليمني ليوسف بطرس غالي ليزعم ان القرض بلا شروط كما لو كنا شعبا من الجهلاء الذين ينطلي عليهم مثل هذا الكلام.. نريد أن نعرف ما معني تصريح كريسستين لاجارد رئيس صندوق النقد الدولي حين أشارت في مؤتمرها الصحفي إلي أن «ممثلي وفد صندوق النقد سوف يتفاوضون مع وزير المالية بشأن بعض الإجراءات» فهل يمتلك أحدهم الشجاعة ويقول لنا ما هي هذه الإجراءات؟! نريد أن نعرف ماذا يقصد د. هشام قنديل حين أعلن أنه «تم الاتفاق علي خطوات محددة وبعثة الصندوق سوف تواصل اجتماعاتها لمناقشة بعض التفاصيل بحيث يتم الاتفاق علي خريطة عمل يتم بها توقيع القرض نهاية نوفمبر أو أوائل ديسمبر القادم».. شوف إزاي؟! انه يقول خطوات محددة دون أن يذكرها ويشير إلي خريطة عمل دون ان يحددها. إننا إزاء مسئولين يخشون قول الحقيقة ويسيئون إلي ثورة قامت من أجل اعلاء شأن الحقيقة فإذا كانوا يتعمدون هذا المنهج الخايب فإن صحفا اجنبية تكلمت بوضوح في هذا الشأن وهي صحف لا تكتب تقاريرها إلا بناء علي معلومات موثقة. خذ مثلا صحيفة «فاينانشيال تايمز» أكدت أن الاتفاق سيدور أساسا حول زيادة الايرادات من خلال تقليص الدعم الموجه للغاز والسولار والبنزين» أما صحيفة «وول ستريت جورنال» فخلصت في تحليلها إلي أنه «لا مفر من خفض قيمة الجنيه المصري وسيكون هناك ضغط هائل من الصندوق علي البنك المركزي المصري لتعديل سعر الصرف» وتذكرنا هذه المعلومات بما حدث في فرنسا عندما عمت البلاد مظاهرات ضد ارتفاع اسعار الغاز والبنزين وكانت كريستينا لاجارد وزيرة لمالية فرنسا ولم تجد ما تقوله للشعب سوي مقولتها الشهيرة: «اركبوا الدراجات بدلا من السيارات» وتناست كما يتناسي المسئولون عن القرار في مصر الآن وسابقا ان رفع اسعار البنزين يؤدي إلي رفع تلقائي لكل السلع بسبب زيادة تكلفة النقل. إن كل الاطراف تتعمد اخفاء المعلومات وتزهو بأن فائدة القرض 1.1% فقط فإذا تحدثنا بلغة المال فإن الفائدة ستزيد علي ذلك بكثير لاسباب يفهمها الاقتصاديون لأن كل قسط تتسلمه مصر من القرض سيتم تحويله الي الجنيه المصري بسعر صرف يوم الاستلام أما عند السداد بعد فترة السماح (39 شهرا) فسوف يتم السداد بالدولار بسعر صرف الجنيه وقت السداد والذي قد يصل الي 8 جنيهات علي الأقل للدولار الواحد مما يعني ان كل دولار سستقترضه مصر سوف تسدده بما لا يقل عن دولار ونصف الدولار أو دولارين ونرجو من كل مواطن ان يحسبها ليكتشف ان الفائدة قد تصل الي 25% بعيدا عن الرقم الرسمي الذي يتجاهل سعر صرف الجنيه عند السداد.. ونسمع كلاما أخيب من الخيابة حين يقولون لنا:«لابديل الا القرض» ويتجاهلون عمدا مع سبق الاصرار والترصد تجارب الشعوب فهذه دول أمريكا اللاتينية التي خرجت من عباءة الصندوق واعتمدت علي نفسها وحققت معدلا هائلا من النمو ومنها البرازيل وفنزويلا وغيرهما. ويتجاهلون دولا خربتها قروض الصندوق منها رومانيا والارجنتين (في مرحلة سابقة). البديل ممكن لكنه يحتاج إرادة سياسية تختلف عن عهد مبارك الذي مازال مستمرا.. ما الذي يمنع رئيس الجمهورية من اصدار قرار بوقف استيراد السلع الترفيهية التي تمثل عبئا يصل الي مليارات الدولارات (هل تتخيل ان الآيس كريم يتم استيراده ويصل الي 75 جنيها لحوالي لحستين منه وغير ذلك كثير. ما الذي يمنع مرسي من اصدار قرار بوقف استيراد السلع التي لها بديل محلي؟ ما الذي يمنعه من العمل فورا علي وقف اهدار الملايين في دهاليز الانفاق الحكومي؟ ألف سؤال وسؤال يمكن طرحه علي الرئيس ويمكن من خلال الاستجابة لهذه الاسئلة توفير مليارات الجنيهات والدولارات دون الحاجة لتحميل الاجيال الحالية والقادمة بأعباء جديدة من الديون.. مصر أكبر من أن يتلاعب بمصيرها حفنة لا تري إلا تحت اقدامها وما يخدم مصالح الكبار من رجال اعمالهم الذين ينشطون في البيزنس المالي والتجاري دون اضافة حقيقية وملموسة للدخل القومي.. مصر أكبر من الجميع وشعبها أبدا لن يستكين.