تطرح أجهزة الاستخبارات البريطانية بعض الهواجس بشأن تطورات ما يسمي بالربيع العربي . وهناك قلق يعبر عن نفسه من اتجاهات الريح نحو الاصوليات الاسلامية من جانب ، وصعود قوي المعارضة التي قد تتعاطف بشكل أو بآخر مع تنظيمات متطرفة مثل «القاعدة» وما تشكله من مخاطر وما تطرحه من عنف يوجه إلي الأنظمة الغربية حيث تخوض الصراع معها . عبّر عن هذه المخاوف رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني الداخلي «إم آي فايف» حيث ألقي محاضرة بلندن تتناول قراءة لفصول الربيع العربي وظهور اتجاهات واضحة تؤثر علي مساره وتدفعه نحو قذف باتجاهات أصولية إلي السلطة والتحكم فيها . عبر جوناثان إيفنز عن قراءة تعيد صوغ الأوضاع في المنطقة نتيجة سقوط أنظمة وحلول أخري بدلاً منها ، لا تعبر عن التيار الديمقراطي أو الليبرالي ، وإنما تفتح الطريق أمام أحزاب أصولية هي التي جنت حصاد الغضب الذي انفجر ضد أنظمة الاستبداد في مصر وتونس وليبيا، بالإضافة إلي سوريا التي لا تزال لم تحسم فيها الأمور . يقول إيفنز إن التجمعات الأصولية المنحازة إلي تنظيم «القاعدة» كانت قد خرجت من بلادها وتجمعت في أفغانستان تحت زعامة أسامة بن لادن زعيم هذا التنظيم . واستفادت تلك الحركات المتطرفة من اوضاع افغانستان وسيطرة حركة طالبان علي السلطة هناك . وقد انتعش تنظيم «القاعدة» في ظل التحالف مع نظام الملا عمر في أفغانستان ، فقد تعانقت حركة طالبان مع افكار «القاعدة» وتم تأسيس إمارة إسلامية هناك تطبق المنهج المشترك نفسه المتمثل في أصولية شديدة الوطأة تحرم تعليم البنات وتفرض دستورها المعادي للحياة الحديثة من تحريم البث التليفزيوني ومنع الموسيقي إلي آخر هذا المسلسل الذي كان عنواناً علي افغانستان تحت حكم الملا عمر . تصادم مع الغرب لكن أفغانستان لم تقف فقط في صف العداء للحياة المعاصرة وفرض القيود الصارمة علي سلوكيات المواطنين ، وإنما تعدي ذلك إلي احتضان الافكار الداعية للتصادم مع الغرب وشن الهجوم عليه كما حدث في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 بتفجير مركز التجارة العالمي والهجوم علي وزارة الدفاع الأمريكية عبر غارة نظمها تنظيم «القاعدة» وتحويله لطائرات مدنية إلي صواريخ لاستخدامها في تلك الهجمات الإرهابية.. وقد أدي تفكيك نظام الملا عمر بعد دخول القوات الاجنبية إلي أفغانستان لهروب تنظيم «القاعدة» الذي يحاول البحث عن قواعد له في المنطقة الحدودية مع افغانستان أو الانتشار في عدة دول عربية مثل «اليمن» . احتضان الأصولية يري رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني جوناثان إيفنز أن أوضاع دول ما بعد هبوب الربيع العربي بدأت تحتضن الأصوليين الذين يعودون إلي العالم العربي بعد تغيير الأوضاع وسماح الديمقراطية بالانفتاح علي الجميع . هناك رصد لمحاولات بناء تيارات التشدد مرة أخري والاستفادة من انهيار الانظمة البوليسية الحديدية . وبدلاً من الدفع نحو الديمقراطية وتعدد الاحزاب ، تتجه الامور إلي شحذ التشدد من ناحية ونشر أجندة معادية للغرب والدعوة لشن عمليات جهادية مرة أخري علي غرار ما جري من عدوان علي الولاياتالمتحدة في عام 2001 . تحدث إيفنز عن أن بريطانيا منذ العدوان علي واشنطن ونيويورك تعرضت لعمليات خطط لها المتطرفون ، غير أن الاجهزة الأمنية رصدتها وأجهضتها . وقد تمكن متطرفون من وضع متفجرات داخل شبكة المواصلات البريطانية في يوليو عام 2005 واستطاعوا قتل وجرح المئات . إعادة تشكيل أيدت الحكومات الغربية مسارات الربيع العربي وساندت التحول الديمقراطي . لكن الاجهزة الامنية الآن تتحدث عن احتمالات وجود مخاطر نتيجة نمو تيارات أصولية متزمتة أصبح البعض منها قريباً من السلطة كما هو الحال في ليبيا بظهور عبد الحكيم بلحاج المعروف عنه قربه من تنظيم «القاعدة» وتم رصد نشاطه قبل اعتقاله من قبل نظام العقيد القذافي نفسه ، وقد خرج من المعتقل بعد سقوط الحكومة الليبية الاخيرة . وقد أعلن بلحاج عن انضمامه للحركة السياسية في ليبيا ودشن عن تشكيل حزبه لخوض غمار التنافس الديمقراطي ، مما يعني إزاحة الخيارات الأخري . غير أنه توجد بعض الشكوك لدي الاجهزة الاستخباراتية فيما يتعلق بأوضاع إعادة تشكيل تيارات متشددة تتنفس في ظل أوضاع جديدة بعد سقوط أنظمة أمنية قاسية ، كانت من قبل تحاصر نشاط تلك المنظمات وأجبرت بعضها علي الخروج من البلاد والاتجاه نحو افغانستان والسفر بعد ذلك إلي ألبانيا والبوسنة . وقد تم التضييق علي هذه التيارات في تلك الدول ، وقد تعود الآن مرة أخري إلي أوطانها بعد إزالة العقبات القديمة . والخوف هو انخراطها في أطر تفرز العنف ، سواء في الداخل أو نحو الخارج ، وإن كان الأمل الاندماج في العملية الديمقراطية والسياسية. قلق هناك من يري في مسار الربيع العربي احتمالات تثير القلق ، لأن الديمقراطيين لم يقفزوا إلي السلطة ، وإنما حزب النهضة في تونس مع الاخوان المسلمين في مصر والقوي الراديكالية الإسلامية في ليبيا ، مع محاولة أخري من هذا التيار للوصول إلي الحكم في سوريا. رياح الربيع العربي أثارت البهجة في الغرب بشأن الثورة والتغيير وعبور حواجز الاستبداد . لكن القلق لدي أجهزة الاستخبارات عبر عنه رئيس جهاز الأمن الداخلي في بريطانيا جوناثان إيفنز في ظل مخاوف عن عودة المنظمات المتطرفة لاستغلال مناخ الحرية ووجود أنظمة في السلطة متعاطفة معها . وهناك القلق من إفراز تحركات تلتقي مع تنظيم «القاعدة» المحرض علي استفزاز ومواجهة مع الغرب كما حدث في العدوان علي واشنطن ونيويورك في عام 2001 . وقد اشار إيفنز في محاضرته بأن شباناً ليبيين يعيشون في بريطانيا ذهبوا إلي محاربة نظام العقيد القذافي حتي سقط . وقد يتعرض هؤلاء لتأثيرات الخطاب المتطرف ويندمجون مرة أخري ضمن نشاط قد يهدد الامن البريطاني ، مثلما تأثر شباب باكستاني بأفكار «القاعدة» ووضعوا متفجرات داخل شبكة المواصلات العامة في لندن. تشير محاضرة رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني الداخلي إلي خلاف مع وزارة الخارجية المتحمسة للتغيير في إطار الربيع العربي بينما المتخصصون في قضايا الأمن يطرحون الحذر في ظل ما افرزته التجربة حتي الآن ، والتي تميل إلي الاحزاب ذات الصبغة الدينية مثل الوضع في مصر وسيطرة الاخوان المسلمون علي المقعد الرئاسي الذي حصل عليه د. محمد مرسي . لكن قلق أجهزة الاستخبارات لم يمنع وزير الخارجية البريطاني وليم هيج بتهنئة مرسي بالمنصب الرئاسي وأن يعبر من خلاله عن طموحات كل المصريين . والمؤكد أن محاضرة جوناثان إيفنز تكشف عن بعض قلق لدي أجهزة الاستخبارات ، غير أن أهل السياسة في «لندن» ينظرون للمسألة بكل مظاهر الفهم والثقة في رياح التغيير ، طالما أنها جاءت من داخل صناديق الانتخابات وتعبر عن إرادة المواطنين الحرة.