الوزراء: 2679 شكوى من التلاعب في وزن الخبز وتفعيل 3129 كارت تكافل وكرامة    مشيرة خطاب تشيد بقرار النائب العام بإنشاء مكتب لحماية المسنين    البابا تواضروس يترأس صلاة الجمعة العظيمة    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد محمد فريد بالشرقية (بث مباشر)    مصر أكتوبر: اتحاد القبائل العربية يعمل على تعزيز أمن واستقرار سيناء    سبت النور 2024.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    التموين تواصل صرف مقررات مايو.. والمنافذ تعمل اليوم ل 9 مساءً    زيادة 5 قروش.. ارتفاع سعر الدولار خلال تعاملات الأسبوع في بنوك    شعبة المستوردين: إطلاق تطبيق "رادار الأسعار" يوفر رصدا ميدانيا لتوافر السلع    إزالة مخالفات بناء وإشغالات خلال حملات في بدر والعاشر من رمضان    التخطيط تفتتح أعمال الدورة الثالثة للجنة تمويل التنمية في الدول الأعضاء بالإسكوا    الإسكندرية.. تنفيذ 96 إزالة على الأراضي الزراعية ضمن الموجة 22    أسعار الأسماك اليوم الجمعة 3-5-2024 في الدقهلية    محافظ أسيوط يعلن استعداد المحافظة لبدء تطبيق قانون التصالح في مخالفات المباني الجديدة    الكرملين يعتبر تصريحات ماكرون بشأن إرسال قوات إلى أوكرانيا "خطرة للغاية"    الاتحاد الدولي للصحفيين: الإعلام العالمي لا يزال يتعامل بمعايير مزدوجة تجاه الأزمة الفلسطينية    رئيس البرلمان العربي: الصحافة لعبت دورا مهما في كشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    البنتاجون: نراقب الروس الموجودين في قاعدة يتواجد فيها الجيش الأمريكي في النيجر    أيمن سلامة ل«الشاهد»: مرافعة مصر أمام العدل الدولية دحضت كافة الأكاذيب الإسرائيلية    أخبار الأهلي : العروض الخليجية تغازل حارس الأهلي    تصريح جديد من يورجن كلوب بعد أزمته مع محمد صلاح    برشلونة يستهدف التعاقد مع الجوهرة الإفريقية    صحف إيطاليا تبرز قتل ذئاب روما على يد ليفركوزن    «كلوب» يتحدث مجددا عن خلافه مع محمد صلاح: تم حل الأمر    القبض على ميكانيكى وممرضة قتلا عاملا بالمقطم    حملات متابعة المخابز السياحية.. الأمن العام يضبط 24 طن دقيق مدعم    "مضوني وسرقوا العربية".. تفاصيل اختطاف شاب في القاهرة    ضبط 101 مخالفة تموينية في حملة على المخابز ببني سويف    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    قطار ينهي حياة طالب بالفشن ببني سويف    تعرف على تفاصيل حفل محمد رمضان في لبنان    فيلم «فاصل من اللحظات اللذيذة» يحتل المركز الثالث في شباك التذاكر    وزارة التضامن الاجتماعي تكرم الفنانة سلوى عثمان    الليلة.. تامر حسني يحيي حفلا غنائيا بالعين السخنة    رئيس «المعماريين المصريين»: ندعم الأشقاء الفلسطينيين في إعمارهم غزة    أبرز تصريحات فريدة سيف النصر.."نور الشريف تنبأ لي بمستقبل كبير"    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 3 مايو 2024.. مصادر دخل جديدة ل«الأسد» و«العقرب» ينتظر استرداد أمواله    «اللهم احفظنا من عذاب القبر وحلول الفقر وتقلُّب الدهر».. دعاء يوم الجمعة لطلب الرزق وفك الكرب    «أمانة العامل والصانع وإتقانهما».. تعرف على نص خطبة الجمعة اليوم    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن بورسعيد    استشاري يكشف علامات ضعف عضلة القلب وأسبابه    محظورات امتحانات نهاية العام لطلاب الأول والثاني الثانوي    وزير التنمية المحلية يهنئ محافظ الإسماعيلية بعيد القيامة المجيد    "مانشيت" يعرض تقريرا من داخل معرض أبوظبى الدولى للكتاب اليوم    السنوار يعارض منح إسرائيل الحق في منع المعتقلين الفلسطنيين من العيش بالضفة    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    عبد المنصف: "نجاح خالد بيبو جزء منه بسبب مباراة ال6-1"    حماس تثمن قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرائيل    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    حكم لبس النقاب للمرأة المحرمة.. دار الإفتاء تجيب    تشكيل الهلال المتوقع أمام التعاون| ميتروفيتش يقود الهجوم    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    حكم وصف الدواء للناس من غير الأطباء.. دار الإفتاء تحذر    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    دراسة أمريكية: بعض المواد الكيميائية يمكن أن تؤدي لزيادة انتشار البدانة    بعد ارتفاعها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي 2024 وغرامات التأخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضد التيار ..أمينة النقاش تكتب :أبعد من مأساة جوليا
نشر في الأهالي يوم 15 - 11 - 2023

قال لنا الدكتور جون قرنق إن الحركة الشعبية لتحرير السودان التى يتزعمها، حركة وحدوية تدعو لبناء سودان جديد علمانى، لا خلط فيه بين الدين والسياسة. سودان يخلو من الفقر والتهميش، ويقوم على العدالة فى التنمية وتوزيع الثروات بين مختلف أقاليمه.وقال لنا إن تاريخ السودان، هو سردية مؤلمة ممتدة فى الزمن، تحفل بالتمييز بين أبنائه بسبب الدين والعرق والثقافة واللون. وتلك السردية عززتها القوى الاستعمارية، بزرع مفاهيم ثقافة الرق الغليظة والخالية من الرحمة، والتى لاتزال آثارها الاجتماعية تتحكم فى العلاقة مع الجنوبيين وغيرهم ممن ليسوا من أصول عربية.بجانب الفشل الذى أدمنته الأنظمة الطائفية التى تداولت حكم السودان منذ استقلاله، ومهد الصراع الدائم بين أحزابها على اقتسام السلطة، ونقض كل الاتفاقات والعهود لوقف الاقتتال الأهلى، الطريق للقوى التى تدعو إلى انفصال الجنوب عن شماله، وتضع حدودا فاصلة بين انتمائها الأفريقى على حساب الانتماء العربى، فدعمت مواقعها وعلا صوتها.
كان ذلك فى مثل هذا الشهر عام 1997 حين حل الدكتور «جون قرنق» ضيفا على القاهرة فى زيارة رسمية هى الأولى له منذ توليه زعامة الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1983، وبعد انقضاء ثمانى سنوات على انقلاب حركة جماعة الإخوان السودانية على حكومة الصادق المهدى المنتخبة، ليقود البلاد نظاما قمعيا يرفع رايات دينية يقتل السودانيين ويهجرهم ويفقرهم وهىو يهتف باسم الله، فيما كان يسمى حكم الإنقاذ.
وأثناء زيارته حرص دكتور قرنق على زيارة حزب التجمع مع وفد من التجمع الوطنى الديمقراطى، الذى كان يقود معارضة نظام البشير من الخارج، وضم عددا من مساعديه وأخرين من قادة الحزب الشيوعى السودانى، حيث استقبله وفد من قيادات حزب التجمع برئاسة خالد محيى الدين. وفى اللقاء أوضح جون قرنق رؤيته السابقة التى كان ينادى بها حول بناء السودان الجديد الموحد، ردا على أسئلة وفد التجمع.وحين قُتل "جون قرنق "فى حادث طائرة غامض بعد ثمانى سنوات من زيارته تلك، فى أوخر شهر يوليو عام 2005، قال لنا "خالد محيى الدين" السودان سيقسم!.
تذكرت هذا اللقاء بعد مشاهدتى الفيلم السودانى البديع «وداعا جوليا» الذى تقع أحداثه بين عامى 2005 و2011 و يروى برقة ونعومة، وبتناغم فنى رائع بين الكلمة والصورة والأداء والموسيقى، قصة انسانية مؤثرة تنطوى ضمنيا على التاريخ السياسى والاجتماعى للسودان المعاصر الذى شكلت حروبه الأهلية الحيز الأكبر من سنوات القرن العشرين، وتغلغلت فيه ثقافة الرق التى تنظر إلى الجنوبيين وغيرهم من ذوى الأصول الزنجية، حتى لو كانوا مسلمين، نظرة دونية تجعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية.
يروى الفيلم الذى كتب قصته وأخرجه «محمد الكردفانى» ببراعة فنية تتسم بالرقى والوعى جانبا آخر من القمع الذى تتعرض له المرأة حين تُجبر على الاختيار بين أن تكون زوجة وبين العمل، أو بين حرية ممارسة المواهب التى تتمتع بها وبين الزواج. وبطلة الفيلم المطربة منى «إيمان يوسف» التى كانت تغنى ضمن فريق موسيقى ناجح، يجبرها زوجها الثرى أكرم «نزار جمعة» على ترك الفرقة والكف عن الغناء والتفرغ للحياة الزوجية، التى تكتشف خلالها أنها لن تكون قادرة على الإنجاب. وتتطور الأحداث حين تصدم منى بسيارتها طفلا من أسرة جنوبية فقيرة تعيش فى الخرطوم فتصيبه وتهرب مفزوعة، فيتعقبها أبو الطفل بدراجته النارية ويصل إلى ساحة منزلها وهو يصيح غاضبا، فيخرج زوجها أكرم ويطلق عليه الرصاص فيقتله، ويتواطؤ مع الشرطة لاخفاء معالم الجريمة والجثة لكى يسود الاقتناع أنه قد اختفى.
لا تتوقف جوليا «سيراك رياك» زوجة القتيل عن البحث عن زوجها المختفى فى كل أقسام الشرطة، التى لا تكتفى بتضليلها وإثارة شكوكها بأنه قد يكون قد غادر إلى الجنوب، بل تقتلع الجنوبيين من بيوت عشوائية تسترهم بالكاد، وتلقى بهم فى السجون، أو على قارعة الطريق..وتقود الفطرة الإنسانية السوية الفنانة منى إلى البحث عن جوليا لمساعدتها، ربما للتخفف من إحساسها بالذنب، فتدعوها لمساعدتها فى أعمال المنزل وتمنحها غرفة لها ولطفلها للعيش معها فى نفس البيت، ثم تغدق على الاثنين بالمال والمشاعر الودودة فتلحق الطفل بمدارس خاصة، وتقنع جوليا نفسها بالتعلم فى مدارس الكنيسة بعد انتهاء عملها فى المنزل. تتوطد العلاقة بين المرأتين اللتين تعانيان من عذابات مختلفة الأسباب، وتصبحان صديقتين، لتكتشف جوليا فى مجرى الصداقة صوت منى الشجى الجميل المحروم من التغريد. وتكتشف منى أن جوليا الجنوبية، سوف تصوت فى الاستفتاء على الوحدة لا الانفصال، وأنها مغرمة بغناء سيد خليفة مطرب الشمال الشهير.وتستجيب لحثها على الغناء فى الكنيسة بدون أن يعلم أكرم الذى تسيطر على شخصيته نوازع التحكم الذكورى والأنانية، ولدعوتها بنبذ الكذب الذى تقود به حياتها مع زوج مغرور متكبر، لأن العواقب النفسية للصراحة، أقل ثقلا من كذب يغلله الخوف.
يعترض أكرم على صداقة زوجته مع خادمة وجنوبية، وبمشاعر شوهتها الكراهية والإحساس بالتفوق العرقى والطبقى والدينى، ينصحها بمصاحبة احدى جاراتها بدلا من مصاحبة عبيد غير مسلمين كما قال لها وهو يبدى تذمره من تكرار سؤال زوجته لماذا لم يطلق النار على قدم القتيل بدلا من الطلقة القاتلة التى أودت بحياته؟ وتنتهى أحداث الفيلم بطرد جوليا وابنها من المنزل، وبمكاشفة تفضى إلى انفصال منى عن زوجها، وعودتها للغناء مع الفرقة الموسيقية، واكتشاف جوليا لأوراق ثبوتية لزوجها القتيل فى المنزل، فتفهم سر احتضان منى لها، وتخفيه من أجل طفلها، الذى يساهم بدوره فى الكشف عن جريمة القتل بحق أبيه، وهى التهمة التى تقود الزوج إلى السجن، بعد أن تكون جوليا قد تخلت عن أفكارها الوحدوية، وتصوت مع 98% ممن صوتوا مع استقلال الجنوب، لتغادر مع ابنها، إليه محملة بمشاعر ألم عميق وحزن جارف وخذلان لا قرار له.
إن فيلم وداعا جوليا هو مرثية للسودان، البلد الذى كان موعودا بأن يصبح سلة لخبز العالم. فصار ممزقا وضائعا وجائعا ومجهول المصير!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.