فوجئت الأوساط الصحفية والسياسية والإعلامية، فى السابع والعشرين من مايو عام 1995 بإقرار مجلس الشعب، مشروع قانون قُدم إليه قبل أسبوع واحد فقط، يقضى بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات والاجراءات الجنائية، وقانون نقابة الصحفيين 176لسنة 1970، وتم نشره فى اليوم التالى مباشرة فى الجريدة الرسمية برقم 93 لسنة 1995، بعد أن وقع عليه الرئيس مبارك، بما يعنى أنه بات سارى المفعول، وقيد التنفيذ.رفض نواب حزب التجمع فى مجلس الشعب مشروع القانون، وصوتوا ضد إجازته.وكانت الهيئة البرلمانية للتجمع آنذاك برئاسة «خالد محيى الدين» وعضوية «لطفى واكد» و«محمد عبد العزيز شعبان» و«البدرى فرغلى» و«مختار جمعة» .كما رفض التصويت عليه عدد آخر من النواب هم «عبد المنعم العليمى» و«كمال خالد» و«إبراهيم عباده» و«إبراهيم عوارة و«محمد السنديونى». وفيما بعد أتخذ «خالد محيى الدين» قرارا بأن ينخرط كل صحفيى التجمع فى جميع الأنشطة النقابية المناهضة لاستمرار ذلك القانون. إنطوت تلك التعديلات على رسالة جلية بأن قادة السلطة التنفيذية والحزب الوطنى الحاكم، قد ضاق صدرهم بالمساحة المتاحة من حريات الرأى والتعبير والصحافة، وأنهم عازمون، ليس فقط على إظهار العين الحمراء للصحفيين وأصحاب الرأى، بل تقنين تأديبهم بالحبس والغرامات المالية الباهظة، والإرهاق البدنى والمعنوى، بما ظن معه ترزية القانون أنهم يحصنون الحكومة ضد أى نقد موضوعى مشروع لسياساتها!. انطوت نصوص القانون الجديد على مصطلحات تتسم بالعمومية والغموض لتوصيف جرائم النشر بكل الوسائل الصحفية والإعلامية وغيرها من وسائل النشر العلنى، فيما أصبح يُعرف بجرائم العلانية، وافتقدت للانضباط الوجوبى فى الصياغة القانونية. وقد شملت نصوصه تجريم أنشطة سلمية لممارسة حريات الرأى والتعبير، وتشديد العقوبات على جرائم القذف، التى يعرفها قانون العقوبات بأنها الإسناد علانية لواقعة محددة– كالقول للشخص أنه مختلس-، لوكانت صحيحة لأوجبت معاقبة من أُسندت إليه أو احتقاره.كما جعلت السجن وجوبيا فى تلك الجرائم. فضلا عن إضافة الحبس الاحتياطى فى جرائم النشر، وتحميل الصحف مسئولية اثبات حسن النية فيما تنشره من وقائع تنطوى على نقد، فى الوقت الذى حظر فيه الاطلاع على الوثائق والقرارات الحكومية، وفرض قيودا على الحق فى إصدار الصحف، وأغرق جدول نقابة الصحفيين بعضوية جديدة من الإعلاميين وموظفى وزارة الإعلام، بما يحولها تدريجيا إلى مجرد ناد اجتماعى يسهل السيطرة عليه، وتعسف فى مساءلة الصحفيين على الكبيرة والصغيرة، بمزاعم بارت، ولا زالت سائدة، عن حماية الأمن القومى والأخلاق والنظام العام!. نجح الصحفيون بقيادة مجلس النقابة الذى كان يرأسه النقيب الهمام «إبراهيم نافع» فى حشد الرأى العام فى مصر وخارجها لمساندة مطلبهم بإسقاط القانون. ونُسب للنقيب «إبراهيم نافع» القول- والعهدة فى ذلك تعود إلى الدكتور عبد المنعم سعيد- على جثتى أن يمر ذلك القانون. وكان إنضمام النقيب إلى صفوف الصحفيين وقطاعات واسعة من الرأى العام استشعرت خطرا ليس على مستقبل حرية الصحافة فحسب، بل أيضا على مستقبل التطور السلمى الديمقراطى فى البلاد، أحد العوامل الرئيسية التى ساهمت فى إسقاطه. لكن سقوط القانون لم يمنع من مواصلة الجهود التنفيذية للسيطرة على نقابة الصحفيين. كان من أبرز وسائل تلك السيطرة، الدعم المالى الذى تقدمه الحكومة لكل الصحفيين المدرجين فى جدول المشتغلين يزداد كل سنتين، مع الانتخابات التى تجرى لموقع نقيب الصحفيين، بعدما فشلت كل الجهود لإصدار لائحة أجور منصفة تضمن لممارسى المهنة حدا معقولا من حياة معيشية كريمة، وتلزمهم بالتمسك بأخلاقيات المهنة وآدابياتها، بإبعادهم عن الإغراءات التى قد تحول دون ذلك، وتدفعهم للخلط فى عملهم، بين الإعلان والتحرير، و إعلاء مصالحهم الشخصية، على مصالح الخدمة العامة التى تؤديها مهنة الصحافة. اصطحبت سياسة البدل مشاكل عدة، بينها نزوع نقابات مهنية أخرى، للمطالبة بالمعاملة بالمثل. أما أفدحها، فهو أنه حول عضوية نقابة الصحفيين إلى غنيمة، يسعى إليها كل من هب ودب، وأكتظ جدول عضويتها بشكل تعسفى طمعا فى البدل. من الآخر أفسد البدل، بجانب التقييد على حريات الرأى والتعبير، والتوسع غير المفهوم وغير المدروس فى إنشاء كليات الإعلام، دون وجود أوعية تستوعب خريجيها، مهنة الصحافة ودورها الرقابى فى المجتمع. الحديث يجرى الآن داخل مجلس النقابة برئاسة النقيب الشاب «خالد البلشى» وفى مجلس النواب عن تعديل قانون نقابة الصحفيين. والمفروض أن يكون الهدف من التعديل المرتقب هو النهوض بمهنة الصحافة، لتمارس دورها الرقابى الشعبى على مؤسسات الدولة والحكم. وأظن أنه قد آن الأوان ونحن نسعى إلى ذلك، لإلغاء البدل، والبحث عن طرق لائحية لزيادة رواتب الصحفيين، ووقف القبول بعضوية جديدة فى النقابة لمدة عام على الأقل، بعد تنقية جدولها، حتى يستبين الخيط الأبيض من الأسود.