البحر الواسع.. وأفلام الإسماعيلية ماجدة موريس ابنة اعادت رؤية الصور والفيديوهات التي التقطها أبوها لها ولأختها ولأمها طوال حياتها منذ كانت طفلة، ولم تكن تتصور انها سوف تندهش، بل وتنفعل لهذه الدرجة، فقد رأت أمورا أخرى في هذه الصور لم ترها من قبل، وتوقفت عند علامات وانفعالات لأمها لم تلاحظها وهي طفلة ثم وهي مراهقة في هذه الصور، بل انها اكتشفت ان الام تعبت كثيرا في الحياة ولم تدرك الاسرة هذا، هي فقط ادركت بعد ان كبرت وفهمت الحياة اكثر ولم يكن أمامها الا محاولة الاعتذار للأم والتخفيف عنها وطلب السماح بعد رحيل الاب، الذي كشفت صورة هذه الحقائق.. فيلم رائع من أفلام مهرجان الاسماعيلية السينمائي الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة الذي يقيمه المركز القومي للسينما برئاسة المونتيرة منار حسني، ويرأسه الناقد عصام زكريا في دورته الرابعة والعشرين والتي عقدت ما بين 14-20 من شهر مارس الحالي وانتهت بحفل الختام مساء أول أمس الاثنين بالقاعة الكبري القصر ثقافة الاسماعيلية الشهير، وبتوزيع جوائز المسابقات واهمها مسابقة الافلام التسجيلية الطويلة، وعددها 14 فيلما منها هذا الفيلم الفرنسي «حياة مثل غيرها» للمخرجة اوستين كروس والتي جاءت الي المهرجان بصحبة أمها، وتلقى الاثنان تحية حارة من جمهور كبير تأثر كثيرا بالفيلم الذي يقدم تجربة صانعته بمزيج من الصدق والتلقائية والحساسية ايضا، فقد استعادت المخرجة صور ابيها وشرائطه القديمة لنا قبل ان تتجه إلي التفسير الجديد لها بعد أن كبرت وادركت المتاعب التي عانتها الام، والحرية التي فقدتها لأجل تحمل مسئولية الاسرة كاملة، وفي النهاية قدمت لها الابنة المخرجة هذا الاعتذار من خلال الفيلم ولتتعانق الاثنتان في محبة في مشهد تاريخي امام جمهور الاسماعيلية، الفيلم مدته 68 دقيقة لكن تأثيره يفوق هذا في اطار الفكرة المعبرة عن ما يحدث للكثيرين في مجتمعاتنا الآن، وعلاقاتهم بالصور والفيديوهات القديمة للاسرة.. ومن بين افلام هذه المسابقة المهمة ايضا الفيلم السوداني «اجساد بطولية» للمخرجة سارة سليمان والذي يطرح ما قدمته النساء السودانيات عبر عقود لاستعادة حقوقهن في التواجد المجتمعي والقومي عبر التظاهر والعصيان المدني والاضراب عن الطعام والتعرض للاعتقال والتعذيب، وفيلم «بلادي الضائعة» الذي يروي زيارة مخرجته عشتار ياسين الي بلادها «العراق» اخيرا بعد سنوات طويلة قضتها في امريكا اللاتينية مع زوجها بين شيلي وكوستاريكا، ولكنها تعود للعراق بعد رحيل والدها «المخرج المسرحي العراقي محسن سعدون» في منفاه بلندن لتستعيد ذكراه وذكري ايام الوطن. حكاية شادية واختها سحر حكاية شادية واختها سحر.. هو اسم الفيلم المصري المشارك في هذه المسابقة للمخرج والكاتب احمد فوزي صالح، وبمشاركة لشادي عبد الله في الكتابة، وهو فيلم يعبر عن منهج في صناعة افلام تعتمد تقديم الواقع كما هو، وبدون اي تدخل من الكاتب أو المخرج، هو ما أثار الجدل لدي جمهور المهرجان، فقد وضع المخرج كاميراته في بيت شادية وابنتها وبيت شقيقتها سحر، وابنتيها، ولتدور الحوارات- علي الشاشة كما هي في الحياة- عن الزوج السابق الذي يتهرب من النفقة، والذي يهرب من اي مسئوليات والظروف الصعبة للمطلقات، وللبنات، لدرجة الاختناق. وفي مسابقة الفيلم التسجيلي القصير عرض 14 فيلما، منها فيلم «طحطوح» الجزائري للمخرج محمد والي والذي يقف بطله العجوز حسان ليطالب المجتمع والدولة باستعادة قريته «ا فيجو» وعودة الحياة التي توقفت فيها أثناء العشرية السوداء «مرحلة هجوم الارهابيين علي الناس والدولة»، وفي الفيلم الارميني «أفتونا» للمخرجة أن جريجوريان نواجه قضية كبيرة هي قضية الطائفة الايزيدية من خلال الطفل سوكا، الذي هربت عائلته الي أرمينيا بعد طردها من العراق وتركيا، والذي يحاول ان يجد لنفسه مكانا وملعبا في جبل جديد يشبه الجبل الاصلي لبلده، وفي الفيلم المصري «غرق» للمخرج أمير الشناوي حكاية لرجل يرثي بحيرة قارون التي وجدها الصيادون ذات صباح وقد تسممت وماتت اسماكها التي كانت المصدر الاكبر لأسماك للمصريين، ولكن الفيلم لا يقدم أي تفسير او تحليل لهذا!. وماذا فعلت الصحافة الفنية في مسابقة الافلام القصيرة والتحريك رأينا افلاما جميلة، ومهمة مثل الفيلم السوري «حظر أب» للمخرج محمد علي، والذي يقدم قصة ام اصبحت وحيدة بعد موت زوجها في الحرب السورية، فقررت اخفاء هذا عن طفلها الصغير الدائم السؤال عن أبيه، وبدأت في سرد حكايات عن الاب ورسائله، الي اليوم الذي اكتشفت فيه خروج الطفل وقد ارتدي بنطال أبيه وحده في الطريق الي المجهول، وغير هذه البرامج فقد احتفى رئيس المهرجان الناقد عصام زكريا بالمخرج الراحل سميح منسي، كما كرم الناقد الراحل مجدي الطيب في أثناء حلقة البحث المهمة التي اقيمت عن الصحافة الفنية في مصر وتاريخها، والتي ادارها الناقد والمؤرخ الدكتور ناجي فوزي وتضمنت ستة ابحاث لكتاب ونقاد من اجيال مختلفة إضافة لندوة عن الاقتصاد والسينما، وايضا ندوات التكريم لمدير التصوير السينمائي محمود عبد السميع والناقد محمود علي، واللذان اصدر المهرجان كتابين عنهما، وكان التكريم الثالث للمخرج الايرلندي مارك كازينز، اضافة الي اهتمام خاص بالافلام العابرة للنوع، والذي قدم المهرجان فيلما مصريا مهما منها بعد ترميمه وهو فيلم «وصية رجل حكيم في شئون القرية والتعليم» للمخرج داوود عبد السيد، وايضا قدم المهرجان عبر برنامج جديد هو افلام «البورتريه» خمسة افلام مهمة عن خمسة من صناع الفن الكبار في مصر وسوريا ولبنان والعراق، إلي جانب برنامج جديد للافلام القصيرة جدا وندوة مهمة حولها، وهو ما كان يحتاج لضعف مدة المهرجان الذي اراد جمع كل انواع افلام العالم معا . واستطاع بالفعل، ليترك لنا كجمهور ردود الافعال .