عقد نادي فالداي في الأسبوع الماضي مؤتمرًا لصياغة تقرير تحت عنوان "الشرق الأوسط في عالم متعدد المراكز", ونادي فالداي هو منتدى روسي معنى بقضايا الفكر السياسي والإستراتيجي، عكس هذا اللقاء الاهتمام الروسي بمنطقة الشرق الأوسط عبر استضافته لخبراء من كل بلاد المنطقة للحديث عن القضايا الملحة التي تواجهها اليوم. تناول التقرير العديد من القضايا الرئيسية بالنسبة للمنطقة, انعكس معظمها عن الحوارات التي دارت بين ضيوف المؤتمر من الخبراء, وفيما يلي الخطوط الرئيسية التي تناولاتها محادثات المؤتمر: نظام أمني إقليمي افتتح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الحوار عبر التشديد على أن سياسة الكرملين تشجع على تشكيل " نظام أمني إقليمي شامل."مشيرًا إلى أن الأمريكيين رفضوا مناقشة هذا الطرح مع الروس في ديسمبر 2021 ، ثم قاموا بتحركاتهم داخل دول الاتحاد السوفيتي السابق, في مقدمتها أوكرانيا, وهو ما نتج عنه الحرب الأوكرانية. ثم أشار كيهان برزغار من جامعة آزاد الإسلامية في إيران, أن هناك تطورا رئيسيا على المستوى الإستراتيجي يؤثر على المنطقة: انسحاب أمريكي محتمل, ينتج عنه رسالة أمريكية إلى الحلفاء الإقليميين: "لا يمكنك الاعتماد على ضماناتنا الأمنية". وهو ما جعله يرجع كل التحولات الإستراتيجية في المنطقة, من التحولات في السياسة الخليجية نحو العالم إلى التطبيع مع إسرائيل, إلى إدراك القوى العربية أن هناك هامشًا للمناورة أصبح متاحًا بعد بروز الصراع بين الكتلة الغربية والشرقية. وعرج الخبير الإيراني على العلاقات الروسية الإيرانية, مضيفًا أنه لا يعتبر مستوى العلاقات بين البلدين تحالفًا استراتيجيًا، بل تكتلًا جيوسياسيًا واقتصاديًا يقوم على التكنولوجيا وسلاسل التوريد الإقليمية – "خوارزمية جديدة في السياسة" – تتراوح من صفقات الأسلحة إلى التعاون النووي والطاقة، مدفوعًا بتوجهات موسكو الجنوبية والشرقية التي تم إحياؤها. وفيما يتعلق بالعلاقات الإيرانيةالغربية، يعتقد برغزار أن خطة العمل الشاملة المشتركة، أو الاتفاق النووي الإيراني، لا تزال حية حتى الآن. عودة العلاقات مع سوريا بينما أشار الدبلوماسي المصري رمزي رمزي، نائب المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا حتى عام 2019، إلى أن إعادة تنشيط العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مع سوريا هو أهم صور إعادة الترتيب الجارية في المنطقة. بالإضافة لاحتمالات المصالحة بين دمشقوأنقرة. مضيفًا أنه حتى لو كانت الولاياتالمتحدة تنسحب تدريجيًا من المنطقة، "لا روسيا ولا الصين على استعداد لتولي دور قيادي". في الوقت نفسه، "لا يمكن السماح لسوريا بالوقوع فريسة للتدخلات الخارجية. وقد أدى الزلزال على الأقل إلى تسريع التقارب العربي السوري". شاركت بالمؤتمر أيضًا بثينة شعبان، المستشارة الخاصة للرئيس السوري بشار الأسد, قالت شعبان إنه " منذ الحرب الأمريكية في فيتنام، فقدنا الرأي الآخر في الإعلام الدولي… الصحافة الحرة ماتت..في الوقت نفسه الذي غير الغرب الاستعماري أساليبه "، بحيث أصبح يعتمد على الإعلاميين والسياسيين المأجورين من مواطني الدول المستهدفة. أضافت شعبان أن "قواعد النظام الدولي" التي يتحدث عنها الغرب لا أحد يعرف عنها شيئا غير الغرب نفسه. وأكدت أنه في مرحلة ما بعد العولمة التي يمر بها العالم والتي تبشر ببزوغ التكتلات والتحالفات الإقليمية، يفضل الغرب استخدام الجهات الفاعلة غير الحكومية-كما هو الحال في سورياوإيران- عبر"تكليف السكان المحليين بفعل ما تود الولاياتالمتحدة القيام به". ومن الأمثلة الحاسمة على ذلك قاعدة التنف العسكرية الأمريكية التي تقف وسط أراض سورية تحت حماية عناصر سورية. ووصفت شعبان إنشاء هذه القاعدة بأنها " ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة كونها تمنع التعاون الإقليمي، حيث تقف جغرافيًا على مفترق طرق بين العراق والأردن وسوريا. "واشنطن تعرف جيدًا ما تفعله: التجارة والنقل دون عوائق على الحدود السورية العراقية هي شريان الحياة الرئيسي للاقتصاد السوري". حروب الوكالة وفي إطار صياغة تعريف لمفهوم " الهيمنة الغربية على العالم" قدم كاجري إرهان، رئيس جامعة ألتينباس في تركيا، تعريفًا مفيدًا لمفهوم "الطرف المهيمن" على العالم الذي تسعى الولاياتالمتحدة لأن تستمر في أن تصف نفسها به, وهو :" الذي يتحكم في صياغة اللغة العالمية المشتركة والعملة الدولية والإطار القانوني وطرق التجارة". يصف إرهان حالة الهيمنة الغربية الحالية بأنها "حرب بالوكالة مزدوجة الطبقات" ضد روسياوالصين. حين تم توصيف الروس من قِبل الولاياتالمتحدة على أنهم "عدو مفتوح", وعندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، لا تزال الحرب بالوكالة أداة فاعلة:" لذا فإن الولاياتالمتحدة لا تتراجع " ، كما يقول إرهان. وستظل واشنطن ساعية نحو استخدام المنطقة " استراتيجيًا ضد القوى العالمية الناشئة." ماذا عن أولويات السياسة الخارجية للجهات الفاعلة الرئيسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا? يصر الصحفي والسياسي الجزائري أكرم خاريف، محرر جريدة "ميناديفنس", على أن روسيا عليها أن تقترب من الجزائر، "التي لا تزال في دائرة النفوذ الفرنسي"، و أيضًا أن تتحلى بالحذر من الطريقة التي يحاول بها الأمريكيون تصوير موسكو على أنها " تهديد إمبراطوري جديد لأفريقيا" بالنسبة للقارة السمراء. ومن جانبه أوضح البروفيسور حسن أونال من جامعة مالتيبي في تركيا, كيف أن أنقرة "تخلصت أخيرًا من تشابكاتها السلبية في الشرق الأوسط [غرب آسيا]، عندما كانت في السابق "تعمل ضد الجميع ". فالقوى المتوسطة الحجم مثل تركياوإيران والمملكة العربية السعودية تتصدر الآن الساحة السياسية في المنطقة. ويشير أونال إلى أن " تركياوالولاياتالمتحدة لا تتفقان على أي قضية مهمة. وهو ما يفسر بالتأكيد تعزيز العلاقات التركية الروسية-ومصلحتهما المشتركة في تقديم "حلول متعددة الأوجه" لمشاكل المنطقة. والشواهد على ذلك كثيرة حسب أونال, منها توسط روسيا في التقارب بين تركياوسوريا. مضيفًا أن وزيري الخارجية السورية والتركية سيجتمعان قريبا بشكل شخصي-في موسكو-وهو ما سيمثل أعلى درجات التقارب المباشرة بين البلدين منذ بداية الحرب السورية. وسيمهد ذلك الطريق لعقد قمة ثلاثية بين الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان. وفيما يتعلق بقضية قبرص، يرى أونال أن روسيا ربما تتوافق مع تركيا في هذا الشأن, فتوحيد قبرص يعني دخولها تحت مظلة الاتحاد الاوروبي حسب أونال, "لذا حان الوقت للأفكار الإبداعية: بينما تغير تركيا سياستها في سوريا، يجب على روسيا كذلك تغيير سياستها في قبرص" حسب أونال, مشيرًا إلى دعم روسيا للجانب التركي ضد قبرص. الغرب حسم الأمر أما فيما يخص ملف العقوبات أضاف الدكتور غونغ جيونغ، من جامعة الصين للأعمال والاقتصاد الدولية، في حديثه مصطلحا جديدا جذابا: "تحالف غير الراغبين" – والذي يصف كيف أن" الجنوب العالمي بأكمله تقريبًا لا يدعم العقوبات على روسيا " ، وبالتأكيد لا يدعمه أي من اللاعبين في الشرق الأوسط. وأشار غونغ إلى أنه بقدر ما ترتفع التجارة بين الصينوروسيا بسرعة-جزئيًا كنتيجة مباشرة للعقوبات الغربية-سيتعين على الأمريكيين التفكير مرتين في العقوبات المفروضة على الصين, حيث تبلغ التجارة بين روسياوالصين 200 مليار دولار سنويًا، في حين تبلغ التجارة بين الولاياتالمتحدةوالصين 700 مليار دولار سنويًا. الضغط على "معسكر الحياد" لن يلين على أي حال. ما تحتاجه "الأغلبية الصامتة" في العالم، كما يعرفها غونغ هو "تحالف واسع". وهو بذلك يصف خطة السلام الصينية بين روسياوأوكرانيا المكونة من 12 نقطة فيما يخص أوكرانيا بأنها "مجموعة من المبادئ قد تكون قاعدة للمفاوضات الجادة كخطوة أولى". أكدت مناقشات فالداي على الدور الروسي في الشرق الأوسط, بما أن روسيا هي الدولة القادرة على التحدث مع كل طرف إقليمي بشكل منفرد دون تحرج, حيث لدى جميع الأطراف القابلية للحوار مع روسيا, حتى أقرب حلفاء الولاياتالمتحدة السابقين. ومن بين الكلمات الختامية للمؤتمر, كانت كلمة أنور عبد الهادي, أحد قادة منظمة التحرير الفلسطينية, الذي قال إن الغرب قد اختار الحرب عوضًا عن التسوية", كان من الممكن أن يكون هناك اتفاق يالطا جديد بالنسبة لعبد الهادي, هذا الاتفاق الذي انعقد بين الاتحاد السوفيتي وبريطانيا والولاياتالمتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لتقسيم النفوذ الدولي, لكن الغرب اختار أن يذهب إلى الصراع المفتوح لتكون المواجهة المباشرة مع الصينوروسيا أمر سيحدث لا محالة. مارك مجدي