لقطات د. جودة عبدالخالق يكتب:الاستقرار السياسى بين انفلات الغلاء وغياب العدالة موضوعنا اليوم هو الاحتفال باليوم العالمى للعدالة الاجتماعية الذى حل أمس الأول، كما يحل في نفس التاريخ وهو العشرين من فبراير كل عام منذ 2009. وهذا العام يجرى الاحتفال بالمناسبة تحت شعارٍ موحٍ هو "التغلب على العوائق وإطلاق العنان للفرص". يعنى التغلب على ما يعوق تحقيق العدالة الاجتماعية واستغلال الفرص المتاحة لتحقيقها. وهو مستوحى من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الصادر عام 2021 بمناسبة مرور 75 عامًا على إنشاء منظمة الأممالمتحدة بعنوان: "خطتنا المشتركة". ويستشرف التقرير خطة المجتمع الدولى للسنوات الخمس والعشرين المقبلة، ويمثل رؤية الأمين العام بشأن مستقبل التعاون العالمي. وهو فضلا عن ذلك يدعو إلى تعددية الأطراف الشاملة والمترابطة والفعالة للاستجابة بشكل أفضل للتحديات الأكثر إلحاحًا التي تواجهها البشرية. تتضمن الخطة المشتركة التي طرحها السيد أنطونيو جوتيريش توصيات عدة تغطى أربعة مجالات رئيسية. وجوهر هذه المجالات الأربعة تحقيق أهداف الأممالمتحدة للتنمية المستدامة التي توافق عليها المجتمع الدولى عام 1995 بحلول 2030. ومعلوم أن أهم أهداف التنمية المستدامة تتمحور حول القضاء على الفقر ومكافحة اللامساواة وغياب العدالة ومواجهة التغيرات المناخية بحلول 2030. وفيما يتعلق باللامساوة، تجدر الإشارة الى أن توزيع الدخل في منطقتنا (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) هو الأسوأ بين كل مناطق العالم. فطبقا لتقرير اللامساواة العالمي 2022، يحصل ال10% الأعلى دخلا على حوالى 58% من الإجمالى، بينما يحصل ال50% الأدنى دخلا على 8% فقط. قارن ذلك بالمتوسط على مستوى العالم: إذ يحصل ال10% الأعلى دخلا على حوالى 52% من الإجمالى مقابل 8.5% لل50% الأقل دخلا. هذه الأرقام تبرز فقط قليلا من الكثير الذى يدل على الغياب الصارخ للعدالة الاجتماعية. وقد يكون الأخطر من حجم فجوة اللامساواة هو أن هذه الفجوة آخذة في الاتساع مع تمدد العولمة المنفلتة وتغول الرأسمالية المتوحشة. فمفعول الاثنين هو إطلاق العنان لرأس المال وتكبيل العمل، كما بشرت بذلك الأيديولوجية الريجانية – الثاتشرية. ويجسد ذلك مقولة الأوز الطائر (رأس المال) والبط الكسيح (العمل)، التي تتضمن تعرض العمل لدرجات متزايدة من الاستغلال في سياق تدهور ظروف العمل خلال الخمسين سنة الأخيرة. وقد عزز ذلك مؤخرًا تأثير التطور التكنولوجى، وخاصة في مجال الاتصالات والمعلومات، وما ارتبط به من اتساع الفالق الرقمى. وأصبح الاقتصاد المعاصر يشهد تناميًا للوظائف الهامشية غير الدائمة وغير اللائقة. ومن هنا طرحت منظمة العمل الدولية مفهوم العمل اللائق وجعلته أحد متطلبات تحقيق العدالة الاجتماعية. لقد أصبحنا حاليا إزاء فضاء اقتصادي تتزايد فيه اللامساواة وتتراجع العدالة الاجتماعية. لكن الأمر ليس حتميا؛ فهو يتوقف على الاختيارات السياسية. وعلى مجتمعاتنا أن تتخلص من أيديولوجية الليبرالية الجديدة وتأثير كهنة الأسواق وعلى رأسهم صندوق النقد الدولى. ولن يتأتى هذا إلا بمراجعة ما يسمى برامج "الإصلاح الاقتصادي" التي تروج لها مؤسسات بريتون وودز والمبنية على توافق واشنطن. وإذا فعلنا ذلك، سنخلق مجالا كبيرا لتحسين الوضع من خلال تغيير السياسات. مطلوب تبنى إستراتيجية الاعتماد على الذات وإشباع الحاجات الأساسية، بدلا من تشجيع النهم الاستهلاكى وسياسة مد اليد بالاستدانة. وعلى حكوماتنا أن تتخلى عن انحيازها الصارخ للأثرياء والتجار، وأن تتخذ إجراءات صارمة لضبط الأسواق ومكافحة الاحتكار. إن الغلاء الفاحش يهدد الفرد والأسرة والمجتمع. وهو بمثابة مغناطيس هائل، يشد الفقراء والطبقة الوسطى الى قاع المجتمع ويخلق استقطابا اجتماعيا متزايدا. وأقول لمسئولينا: "احذروا؛ إن الغلاء الجامح يطحن العباد، ويهدد الاستقرار السياسى للبلاد".