لقطات قضية العدالة الاجتماعية -2 د. جودة عبد الخالق «سد فجوة اللامساواة لتحقيق العدالة الاجتماعية». قلنا في الأسبوع الماضى إن هذا هو الشعار الذى اختارته الأممالمتحدة لفعاليات اليوم العالمى للعدالة الاجتماعية في 20 فبراير هذا العام. ترجمة ل«إعلان منظمة العمل الدولية بشأن العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة». وبمحض الصدفة، تعرضت المحروسة الأسبوع الماضي نفسه لموجة من الطقس السيئ كشفت حجم اللامساواة في مجتمعنا، وأثبتت أن شعار اليوم العالمى للعدالة الاجتماعية هذا العام «سد فجوة اللامساواة» ليس مجرد كلام نظرى أو شعار أجوف. بل هو تعبير عن القلق من تفشى ظاهرة شديدة الخطورة. تلك هي الفجوة الرهيبة في المقومات الأساسية للحياة من عمل ومسكن ومأكل. خذ على سبيل المثال، الفجوة بين سكان حى الزرايب في حلوان أو القرى النائية في الصعيد وسكان حى السرايات فى المعادى أو الكمباوندات المتميزة في االعاصمة الجديدة. وكلهم مصريون. سأعود فى لقطات لاحقة إلى موضوع اللامساواة في محتمعنا بشىء من التفصيل. ولكن اليوم نتحدث عن العولمة وما خلقته من تفاوت متزايد على مستوى كوكب الأرض، سواء بين الدول بعضها البعض أو داخل الدولة الواحدة. وتتواتر التقارير الدولية والوطنية التى ترصد هذه الظاهرة الخطيرة. تقارير مؤسسة أوكسفام العالمية تكشف عن وجود فالق عظيم بين أغنياء العالم وفقرائه. يقول أحدث تقاريرها وصدر العام الماضى إن ثروة أغنى 26 من أثرياء العالم تعادل ما يملكه 3.8 بلايين شخص هم النصف الأفقر من سكان كوكبنا. وهذه الفجوة الرهيبة في تزايد مستمر. ففي عام 2018 زادت ثروة بليونيرات العالم بمعدل 2.5 مليار دولار كل طلعة شمس، في حين انخفضت ثروة النصف الأفقر في العالم بنسبة 11%. هذه تطورات مؤلمة إنسانيا ومقلقة سياسيا. فعند إقامتى في مدينة لوس أنجليس «وهى من أغنى المدن الأمريكية» هالنى رؤية السكان بلا مأوى وهم يتنقلون بين الشوارع والحدائق العامة حاملين متاعهم فى عربات التسوق التابعة للمتاجر وينبشون فى صفائح القمامة بحثا عن الطعام!. والسؤال: لماذا هذ الحقائق الصادمة؟ السبب الرئيسى هو السياسات التي تطبقها أغلب الحكومات والمنظمات الاقتصادية الدولية، والمعروفة باسم الليبرالية الجديدة أو النيوليبرالية. وهذه هي السياسات التي يتم الترويج لها سنويا في اجتماعات المنتدى الاقتصادى العالمى في دافوس بسويسرا في شهر يناير من كل عام. معلوم أن اجتماعات دافوس يحرص على حضورها كبار المسئولين فى دول العالم وكذلك رؤساء لشركات دولية النشاط ورجال المال والأعمال. وخلال هذه الاجتماعات التي تحظى بتغطية إعلامية على نطاق واسع، يتم الترويج لليبرالية الجديدة: لا بد من تشجيع الاستثمارات الأجنبية من خلال التخفيضات الضريبية والائتمان الرخيص وتحرير التجارة وتخفيض العملة. وفي الوقت الذى تنصح الدول بفتح أبوابها لحركة رأس المال بلا قيود، يتم فرض كل القيود على انتقال العمل بين الدول. ويشار إلى أن هذه الظاهرة العولمية بمقولة الإوز الطائر «رأس المال» والبط الكسيح «العمل» وتؤدى إلى تفاقم اللامساواة. كيف نواجه اللامساواة المتزايدة؟ لا بد من تتغيير سياسات الليبرالية الجديدة. الاستثمار في العنصر البشرى من خلال إعطاء الأولوية لخدمات التعليم والصحة لأن هذه هي المجالات التي تزيد من قدرات عنصر العمل وترفع إنتاجيته وتمكنه من الحصول على عمل لائق ومجز. وتجدر الإشارة إلى أن خدمات الصحة والتعليم تعتبر من قبيل السلع العامة ولا يمكن تدبيرها بعدالة بواسطة القطاع الخاص من خلال السوق. ولابد من دور قوى للدولة في تقديم هذه الخدمات وإتاحتها بكفاءة للقاعدة العريضة من المواطنين. هكذا فعلت دول ناجحة مثل كوريا الجنوبية والصين. وعلى المستوى الدولى لا بد من الكفاح لتغيير النظام الاقتصادى والمالى العالمى القائم. ويمكن لمجموعة السبع والسبعين والصين أن تلعب دورا مهما لمعادلة نفوذ مجموعة العشرين أو مجموعة السبع. لكن هذه عملية طويلة وشاقة، ولكن ليس هناك من سبيل آخر. حكمة اليوم «للفيلسوف العربى عبد الرحمن بن خلدون»: الظلم مُؤَذِّنٌ بخراب العُمران.