لقطات عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية على مائدة الحوار الوطنى جودة عبد الخالق الكتابة بالنسبة لى ليست حرفة. بل هي معاناة أعيشها بكل جوارحى. واليوم فإن معاناتى أكثر كثيرا. نعم، فأنا أكتب هذه اللقطة عشية الاجتماع الذى كان مقررا لمجلس أمناء الحوار الوطنى يوم الاثنين 6 فبراير. وهو الاجتماع الذى تأخر كثيرا. حيث توقفت اجتماعاتنا لمدة شهر ونصف منذ آخر اجتماع للمجلس في 25 ديسمبر 2022. ومعلوم أنه في ذلك الاجتماع الأخير كان المجلس قد اعتزم أن تبدأ جلسات الحوار اعتبارا من 14 يناير 2023، بعد وضع اللمسات الأخيرة على مستوى اللجان الفرعية للحوار. ولكن يوم 14 يناير جاء ورحل من دون أن يتحرك ساكن. ومنذ أسبوعين، مرت ذكرى ثورة يناير 2011 مرور الكرام: لا حس ولا خبر. وقتها وجد المصريون أنفسهم كالأيتام على موائد اللئام. وكأن تلك الثورة قد حدثت في المريخ! وبعد أسبوعين من الآن تقريبا سَتَهِل علينا مناسبة اليوم العالمى للعدالة الاجتماعية في 20 فبراير. وسوف يجد المصريون أنفسهم في هذا اليوم أيضا كالأيتام على موائد اللئام. ويبدو أن مصر بعد مرور 12 عاما على انطلاق ثورة يناير قد عادت فى قبضة الحزب الوطنى، رغم حلِّه رسميا بموجب حكم قضائي صادر عن المحكمة الإدارية العليا في 16 إبريل 2011. ومع نجاح الثورة المضادة مرحليا، انقطع الحديث عن ثورة يناير. كما أن شعار "عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية" قد استُبْعِد من قاموس النظام الحاكم في مصر. ولكن ذلك سيكون مرحليا فقط، وإلى حين. ولسوف يكون هناك شأن آخر. فكل الظروف الموضوعية التي تعيشها مصر الآن مع اتساع نطاق الفقر والتهميش توحى بأن موجبات رفع هذا الشعار موجودة، بل ضاغطة. وأتوقع أن رفع هذا الشعار سوف يزداد إلحاحا فى مواجهة السياسات التي تطبقها الحكومة حاليا. وتأسيسا على ذلك، فإننى أتوقع أن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية ستكون حاضرة بقوة على مائدة الحوار الوطنى بمحاوره الثلاثة: الاقتصادى والسياسى والاجتماعى. هكذا أرى جوهر الحوار الذى طال إعدادنا له، وطال انتظار الناس له. وكما هو معلوم، فلقد راهنت على الحوار الوطنى منذ البداية، في مواجهة كل دعاوى التشاؤم وتثبيط الهمم. وقلت إنه فرصة تاريخية يجب علينا جميعا أن نستغلها، وأن نستميت في إنجاحها. والآن، فإن موجبات انطلاق الحوار ونجاحه صارت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. فالمصريون يعيشون حاليا وضعا مأساويا بين مطرقة السياسة وسندان الاقتصاد؛ بين كبت الحريات وشُحِّ الأقوات. باختصار، الناس يعانون حرمانا مزدوجا: فهم محرومون من الخبز ومن الحرية. وهم ينتظرون من الحوار أن يخلصهم مما هم فيه. إنهم كالغريق الذى يمسك "بقشاية" الحوار الوطنى كأنها طوق نجاة. هكذا أرى الحوار. إنه طريق الخلاص. أعترف بأننا في مجلس الأمناء قد اخطأنا في حق الناس وفى حق الحوار، حينما تركنا الناس يضربون أخماسا في أسداس. يتساءلون: ما الذى حدث للحوار؟ هل انتهى الحوار؟ لماذا توقف الحوار؟ وما من مجيب. بل إن هذا الصمت الطويل أتاح المجال لمن كانوا يشككون في عملية الحوار برمتها من البداية. من جانبي، فقد عَبَّرْتُ عن ضيقى الشديد ببطء الاجتماعات وقلة النتائج. حدث ذلك أكثر من مرة، كما هو ثابت فى مضابط اجتماعات مجلس أمناء الحوار. وأكَّدْتُ نفس المعنى في مقالات منشورة و حوارات و لقاءات تليفزيونية. ولكن إيمانى لم يتزعزع بأهمية وضرورة الاستمرار في مجلس الأمناء، رغم كل المعوقات. وبهذه المناسبة، فإن كل من تداولت معهم في أمر الحوار من الأصدقاء والمعارف أيدوا موقفى هذا، وطالبونى بالاستمرار حتى النهاية، لعل وعسى. بل إن بعضهم أضاف أن مشاركتى في مجلس الأمناء يعطى طمأنينة للكثير من المواطنين العاديين الذين يعلقون أمالهم على الحوار.