بعد اقتحام المباني الحكومية الرئيسية، ومحاولة إشعال الحرائق، وتحطيم النوافذ، وتدمير الأعمال الفنية، واستخدام الأثاث لتشكيل حواجز ضد الشرطة – تظهر مقاطع الفيديو أنه بعد عامين من الهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي، اندلعت أعمال شغب مماثلة في البرازيل مساء الأحد الماضى، بعد أسبوع من تنصيب الرئيس البرازيلي المنتخب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. بالمقارنة مع هجوم الكابيتول من قِبل أنصار ترامب، يبدو أن أعمال الشغب في البرازيل، التي اقتحمت أعلى الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية، كان لها مستهدف ثابت: إنكار نتيجة الانتخابات والتشكيك في النظام نفسه. على الرغم من شجب الرئيس الأمريكي جو بايدن لأعمال الشغب ووصفها بأنها "اعتداء على الديمقراطية" في منشور على توتير، إلا أن انتشار نموذج أعمال الشغب في "الكابيتول هيل" هو صنيعة ترتيبات الولاياتالمتحدة, مما جعل خطاب واشنطن خاليًا من المصداقية، ومن المحتمل أن تتكرر أعمال الشغب في بلدان أمريكا اللاتينية الأخرى، التي تعتبرها الولاياتالمتحدة مجالًا لنفوذها. أظهرت مقاطع الفيديو على الانترنت أن المتظاهرين هاجموا حواجز الشرطة وقاموا بكسر الزجاج لدخول الكونغرس الذي كان خاليًا عندما وقعت أعمال الشغب, وصف الرئيس لولا هذه الممارسات بالهمجية. وفقًا لوكالات الأنباء، حاول أنصار بولسونارو مهاجمة مقر الشرطة الفيدرالية في برازيليا. مواقف دولية داعمة كان الرئيس لولا في مدينة ساو باولو عندما بدأ الحدث، حيث تواجد هناك بعض المسئولين في القصر الرئاسي. وجه لولا بإرسال الحرس الوطني إلى العاصمة لاستعادة النظام، وأمر بإغلاق وسط العاصمة لمدة 24 ساعة، متعهدًا بمعاقبة مثيري الشغب. وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن الهجوم الذي شنّه مؤيدون لبولسونارو بأنّه "شائن". وكتب بايدن "أدين الاعتداء على الديمقراطية وعلى التداول السلمي للسلطة في البرازيل. المؤسسات الديمقراطية البرازيلية تحظى بدعمنا الكامل، وإرادة الشعب البرازيلي يجب ألا تقوض. إني أتطلع إلى مواصلة العمل مع لولا". كما كتب وزير خارجيّته أنتوني بلينكن على توتير أن "استخدام العنف لمهاجمة المؤسسات الديمقراطية يبقى على الدوام أمرًا غير مقبول". ومن جانبه قال المتحدث باسم وزارة خارجية الصين هينيز وانغ ون بين في مؤتمر صحفي يوم الاثنين, أن البرازيل هي الشريك الاستراتيجي الشامل للصين، وأن الصين تدعم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة البرازيلية لتهدئة الوضع واستعادة النظام الاجتماعي والحفاظ على الاستقرار الوطني. وقال وانغ" إننا نعتقد أنه تحت قيادة الرئيس لولا، ستحافظ البرازيل على الاستقرار والوئام الاجتماعي". كذلك شجبت كل من الأرجنتين والمكسيك وتشيلي وفنزويلا وكوبا وبوليفيا أحداث العنف وأعلنت تأييدها للرئيس البرازيلي. أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي, أعرب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال عن "إدانته المطلقة" لاقتحام مئات من أنصار بولسونارو مقار الكونغرس والرئاسة والمحكمة العليا. وكتب على توتير "الدعم الكامل للرئيس لولا دا سيلفا الذي انتخبه بشكل ديمقراطي ملايين البرازيليّين بعد انتخابات نزيهة وحرة". وعبّر مسئول السياسة الخارجيّة في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن التأييد نفسه، قائلًا إنّه شعر ب"الذهول" جرّاء أعمال "المتطرّفين العنيفين". تدابير المؤتمر المحافظ لم يتوقف أنصار بولسونارو عن الاحتجاج منذ فوز لولا بالانتخابات البرازيلية في أواخر أكتوبر الماضي. أغلق بعضهم الطرق وأشعلوا النيران في المركبات وحثوا الجيش على التدخل, بعد أن رفض رئيس السلطة الانتخابية في البرازيل طالب بولسونارو بإلغاء بطاقات الاقتراع المدلى بها على معظم آلات التصويت الإلكترونية. نفى بولسونارو مسئوليته عن الاضطرابات من خلال منشورات على توتير, قائلا إن الاتهام كان "بدون دليل" و "أن ما حدث هو خروج عن القواعد". ولتجنب التحقيقات بشأن الفترة التي قضاها في منصبه، سافر بولسونارو إلى ولاية فلوريداالأمريكية في ديسمبر الماضي, ورفض التنازل بعد الهزيمة، بينما شكك في مصداقية نظام الانتخابات البرازيلي دون أدلة. وفقًا لتقرير من وكالة سي إن بي سي، ورد أن كلا من ستيف بانون وجيسون ميلر, المرتبطين ارتباطا وثيقا بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب, كانا يقدمان المشورة لبولسونارو منذ هزيمته. كما اجتمع نجله، عضو الكونجرس البرازيلي إدواردو بولسونارو، مع ترامب في قصر مار لاغو في نوفمبر الماضي. وأضافت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إن بانون أثار مزاعم عن "انتخابات مسروقة" وقوى غامضة تتلاعب بالانتخابات، وحرض أنصار بولسونارو على اقتحام المباني الحكومية. بهذا الصدد أصدر معهد دراسات أمريكا اللاتينية فى الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية تقريرًا أرجع فيه هذه الأعمال إلى مؤتمر "الفعل السياسي المحافظ". cpac)) والمؤتمر المحافظ هو مؤتمر سياسي سنوي يحضره الناشطون المحافظون حول العالم. استضافه اتحاد المحافظين الأمريكيين وجرى أول اجتماع له في البرازيل في أكتوبر 2019 في مدينة ساو باولو، حضره كبار المحافظين الأمريكيين ومعهم إدواردو بولسونارو. أيد كل من ترامب وبولسونارو المؤتمر أثناء وجودهم في مناصبهم، وعملا معًا لتجذير نزعته المحافظة اليمينية المتطرفة في بلدانهم, كما عكست أعمال الشغب في البلدين منطق موحد، وهو إنكار نتائج الانتخابات، والنظام الانتخابي نفسه. تعد البرازيل جزءًا مهمًا من الحضور العالمي للمؤتمر بالنسبة المحافظين اليمينيين المتطرفين، وما إذا كان بإمكان لولا احتواء نيران اليمين المتطرف هو أمر بالغ الأهمية ليس بالنسبة لبرازيل فحسب، بل لأمريكا اللاتينية أيضًا. يراهن أعضاء المؤتمر على إعادة انتخاب ترامب في الولاياتالمتحدة , أو من يماثله الاتجاه في عام 2024, وهو ما يؤدي لانتعاشة كبيرة لصفوفهم في أمريكا اللاتينية، خاصة بالنظر إلى سجل تدخل الولاياتالمتحدة في الشئون الإقليمية لبلدان القارة عبر الثورات الملونة والتدخل العسكري. أشار التقرير إلى الطبيعة الهشة للنظم الديمقراطية في دول القارة, مما يجعل الإستراتيجيات التي يتبعها المحافظون قابلة لإحداث الضرر وعرقلة المشاريع اليسارية للتنمية. التأثير اليميني وفقا للخبراء الصينيين يمكن لأحداث شغب" كابيتول هيل " أن تتكرر في بلدان أمريكا اللاتينية الأخرى، لما تحمله البرازيل من تأثير على السياسة في القارة بصفتها الدولة الأكبر والأكثر تأثيرًا. حيث أن بولسونارو، أحد أتباع ترامب، لديه أيضًا مقلدين شعبويين أو يمينيين في أمريكا اللاتينية. فعلى الرغم من أن انتصار لولا كان يُنظر إليه على أنه جزء من انتشار "المد الوردي الجديد" في أمريكا اللاتينية: فقد انتخبت ثماني دول، بما في ذلك البرازيلوالأرجنتين وبيرو وتشيلي، قادة يساريين منذ عام 2018، يعتقد الخبراء أن "المد الوردي" لا يزال هشًا. في البرازيل وكولومبيا وتشيلي، فاز اليساريون على أساس تحالفات انتخابية واسعة، في حين لم يتخلف اليمين المتطرف إلا بفارق ضئيل. في الماضي، كان بإمكان أي بلد تحسين معيشة شعبه من خلال التعاون الدولي, أما الآن فإن التراجع الاقتصادي العالمي الحالي والتناقضات الجيوسياسية جعلت من هذا المسار صعبًا. وإذا لم يتم تحسين سبل عيش الناس بشكل مستمر، تتكثف التناقضات الاجتماعية، مما يؤدي إلى عدم الرضا عن النظام الحالي، خاصة في أمريكا اللاتينية، حيث لا يزال عدد السكان الفقراء كبيرًا, وهذه هي الطريقة التي " يرتفع بها اليمين المتطرف" حسب التقرير الصيني. وهو ما يثير الاحتمالية لتكرار الحدث في بقية الدول اللاتينية, سيؤدي تأثير اليمين المتطرف إلى الاحتقان السياسي في أمريكا اللاتينية، مما يؤثر سلبًا على الترتيبات السياسية للحكومات اليسارية.