قال اللواء أركان حرب أحمد كامل رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق بالقوات المسلحة، إن الحديث منذ 49 عاما عن حرب أكتوبر يمكن معه وضع نقاط عريضة للحديث عنها، فحرب 1973 بدأت في 9 يونيو 1967، عبر التجهيزات والتدريبات، وكانت مهمة جهاز الاستطلاع والمخابرات ومنظومة جمع المعلومات كانت تعمل في شرق القناة ولم يكن من المقبول أن تعود إلى غرب القناة لذا كانت مهامنا خلف خطوط العدو وتلك العناصر لم تكن مهمتها القتال ولكن المهمة هي جلب المعلومة، فالمعلومات الدقيقة هي أساس كل شيء وبناء عليها تأخذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، وعناصر الاستطلاع لم تترك سيناء بعد 1967 بل ظلت تعمل طوال تلك المدة لرصد خطوط وقوات العدو، للدرجة التي يمكن معها القول أن العدو كان بالنسبة للجانب المصري كتابا مفتوحا، ويجب الإشارة أيضا للدور الوطني الذي لعبته القبائل السيناوية وأهالي سيناء في مساندة هذه المهمة، حيث كانت عناصر الاستطلاع بالإضافة إلى أهالي سيناء عبارة عن رادارات بشرية لرصد كل الخطط والتحركات من جانب العدو. جاء ذلك خلال الندوة 69 من منتدى خالد محيي الدين والتي كانت بعنوان " 49 عاما على حرب أكتوبر المجيدة .. أسرار خطة الخداع الاستراتيجي"، والتي عقدها حزب التجمع في المقر الرئيسي للحزب بوسط القاهرة الأربعاء الماضي. أهالى سيناء وأضاف "كامل" إنه ومع تذكر بطولات الجيش المصري خلال معركتي الاستنزاف وأكتوبر، يجب أن نتذكر بطولات أهالي سيناء، مشيرًا إلى دور الشيخ سالم الهرش أحد كبار القبائل السيناوية، حين طلب منه موشى ديان أن يحضر مؤتمرا صحفيا عالميا لتدويل سيناء، فجاراه الهرش وحضر المؤتمر ولكن عندما أتت كلمته، أطاح بذلك المخطط قائلًا: "من هنا أعلن أن سيناء أرض مصرية لا تفاوض عليها، وقبائل سيناء مصريون ورئيسهم هو جمال عبد الناصر، ومن يريد أن يتفاوض على أي شيء عليه الرجوع لرئيس جمهورية مصر العربية وهو جمال عبد الناصر، فنحن جزء لا يتجزأ من مصر، وأفشل المؤتمر، وضرب مثالًا على وطنية أهالي سيناء وقبائلها، وكان ذلك يوم 31 أكتوبر 1968 في منطقة الحسنة في سيناء. وأشار رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، انه في أغسطس عام 1968 انضم جهاز الاستطلاع ليكون جزءا من جهاز المخابرات الحربية، مضيفًا هذه الأرض المصرية لم تعد بثمن رخيص ولكن دفع فيها اثمان باهظة دفع هذا الثمن الشعب المصري، لأن الجيش المصري هو أولاد هذا الشعب العظيم، ونذكر معارك رأس العش، ومعركة رمانة وبالوظة، حيث قامت ما تبقى من القوات الجوية المصرية بضرب القوات الإسرائيلية المتواجدة في رمانة وبالوظة لتدمير ما تبقى من معدات الجيش المصري التي تركت في الانسحاب حتى لا يستفيد منها العدو، وفي 21 أكتوبر 1967 تدمير المدمرة إيلات، والغواصة داكار التي كانت أمام سواحل الإسكندرية، وذلك اليوم إلى الآن نحتفل به كعيد للبحرية المصرية. واستطرد "كامل" أن هناك من هم يشككون في حرب أكتوبر وجدواها، وأنا اعذرهم على ذلك نتيجة عدم الوعي من ناحية، ومن ناحية أخرى أنه بجميع المقاييس العسكرية سواء في المقارنات العددية أو النوعية للأسلحة ونوعيتها لم يكن يمكن أن تنتصر مصر في أكتوبر، ولذلك هذه الحرب تعتبر معجزة بكل المقاييس، لافتًا إلى أنه في ظل هذه المعلومات والمقارنات لو كان في مكان الرئيس السادات كان من المستحيل أن يأخذ قرار الحرب، لأن كل المعلومات تشير إلى تفوق الأعداد والنوعية في السلاح الإسرائيلي، بل أنه في العلوم العسكرية يجب أن تكون القوات التي تهجم تزيد بعدد ضعفين إلى ثلاث أضعاف القوات التي تدافع وهو عنصر أخر لم يكن متوفرًا، لكن الجندي المصري وتدريبه العالي جدًا خلال السنوات التي سبقت الحرب، والتجهيز الجيد وخطة الخداع المحكمة التي نفذتها مصر، وعنصر المفاجأة وفرت للقوات المسلحة المصرية عنصر الغلبة، بل إن الاستعانة بأفكار الضباط الصغار كانت متواجدة فهناك فكرة المهندس باقي زكي يوسف بتدمير خط بارليف الترابي بالماء، كما كان هناك فكرة واختراع أخر لضابط صغير اخر بمادة تتصلب في المياه تم استخدامها قبل الحرب بيوم واحد حيث تم سد جميع فوهات خط النابلم الذي كانت إسرائيل تضعه على طول القناة لإحراق أي قوات، وتم تنفيذ الفكرة قبل الحرب بساعات عن طريق قوات الضفادع البشرية ونجحت أيضا، فهذه الحرب كان يحضر فيها جينات المصري وتضافر الجهود بكل إخلاص، وهو أمر يمكن لمسه في لحظات الخطر على البلاد تجد ان جينات المصريين تظهر بقوة بشكل لا يمكن تصديقه وهو ما رأيناه في 30 يونيو والتصدي لجماعة الإخوان الإرهابية وإنقاذ البلاد منهم. دور الصاعقة ومن جانبه ذكر اللواء محيى نوح، أحد أبطال المجموعة 39 قتال بالصاعقة خلال حربي الاستنزاف وأكتوبر 73 والبطل الحقيقي لأحداث فيلم الممر، أنه التحق بقوات الصاعقة عام 1963 وكان الأول على مجموعته بامتياز، إلى أن بدأت القوات المسلحة فى تأسيس إحدى كتائب الصاعقة للتوجه لليمن، لافتًا إلى أن تلك الوحدة هى التى تحارب الإرهاب إلى اليوم فى سيناء. وأضاف "نوح" أنه في يوم 5 يونيو فوجئ كقائد لسرية صاعقة الجميع بتعليمات للتحرك من رأس محمد للتوجه للإسماعيلية، فتحركوا إلى الإسماعيلية وتم توجيه السرية لمواجهة لواء مدرع ولواء مشاة إسرائليي متوجهين من العريش لاحتلال القنطرة، مشيرًا إلى أن قوات الصاعقة المصرية توجهت إلى منطقة جلبانة بالعريش واستطاعت إيقاف اللواء المدرع واللواء المشاة لمدة 24 ساعة رغم ضعف إمكانيات الأسلحة، وذلك عبر الضرب بالآر بى جى، وفى اليوم الثانى استطاع العدو الضرب بقوة وبدأ يفتح تشكيلة يوم 7 يونيو ليلًا واستطاعوا اختراق الموقع والتوجه لاحتلال القنطرة فانسحبت القوات المصرية لمنطقة الكاب وتوجهت بالقطار من الإسماعيلية إلى بورسعيد بمدرسة أشتوم الجميل، إلى أن تلقوا تعليمات بالخروج لوضع فصيلة فى رأس العش وفصيلة فى الكاب وثالثة فى التينة وهما تابعين لهيئة الإرشاد بقناة السويس، وانضمت 13 دبابة ومركبة لاحتلال بورفؤاد وبدأ الاشتباك فى 30 يونيو ليلا واستطاعت القوات المصرية إيقاف تقدم قوات العدو ثم بدأ طيران العدو فى ضرب الموقع والمدنيين. واستطرد اللواء محيي نوح، تلقينا تعليمات بنزول الكتيبة إلى القاهرة وكنت على معرفة بالشهيد البطل إبراهيم الرفاعى أثناء وجودى باليمن وعند لقائه تولى فرع العمليات الخاصة فى إدارة العمليات الحربية والاستطلاع، وبدأت المجموعة تقوم بعمليات كثيرة وصلت إلى 92 عملية بين عمليات إغارة وكمائن وعمليات خلف خطوط العدو وفى داخل إسرائيل نفسها وضرب منطقة إيلات بالصواريخ وكانت نتيجة العمليات 430 بين قتيل ومصاب إسرائيلي و تدمير 17 دبابة إسرائيلية و77 مركبة إسرائيلية وأسر أول أسير إسرائيلي هو يعقوب رونيه وتدمير 4 لوادر إسرائيلية بالإضافة الى الغارات المستمرة على مواقع العدو على طول القناة. عمليات عديدة وأضاف "نوح" قائلًا: قمنا بعمليات كثيرة كانت أول عملية إغارة على موقع لسان التمساح المقابل لمدينة الإسماعيلية نتيجة لاستشهاد البطل عبد المنعم رياض فى 9 مارس 1969 وهو مع جنوده وضباطه فى الخطوط الأمامية وهو ما يعرف بيوم الشهيد إلى الآن، فتم تكليف المجموعة 39 قتال بتدمير الموقع المقابل لمدينة الإسماعيلية، وفى اليوم الأربعين على وفاة عبد المنعم رياض 19 أبريل كنت قائد مجموعة اقتحام بالإضافة إلى البطل إبراهيم الرفاعى وعدد من المجموعات الأخرى بالإضافة إلى مجموعة من الصاعقة البحرية وكانت الخطة أن تستمر المدفعية فى ضرب العدو حتى نصل إلى جنوب الموقع بحوالى 150 مترا حيث طلب البطل إبراهيم الرفاعى وقف ضرب المدفعية وبدأنا فى مهاجمة الموقع فبدأنا فى رمى قنابل يدوية وقنابل الدخان ثم تم التعامل مع العدو بالأسلحة وكان عددهم 44 فردا ووصل الأمر إلى الاشتباك بالسلاح الأبيض، فنجحت القوات المصرية فى القضاء على قوة الموقع كاملة وأنزلت العلم الإسرائيلى ورفعت علم مصر وأحرقت المنطقة الإدارية وذكر "نوح" واقعة إصابته ونقله إلى مستشفى القصاصين، ومفاجئته بزيارة الرئيس جمال عبد الناصر بصحبة مجموعة من القيادات للمصابين، مشيرًا إلى أنه بعد مرور 3 شهور استدعى القائد ابراهيم الرفاعى مجموعة 39 قتال لتنفيذ عملية أخرى على نفس الموقع وكان الإسرائيليون جددوا الموقع ووضعوا فيه أسلحة ووضعوا حوله ألغامًا وسلكًا شائكًا وكان من المخطط أن يتم الدخول والخروج من مكان دخول جنود العدو وخروجهم وبالفعل قامت المدفعية بضرب الموقع بالمدافع وعبرنا 64 فردا إلى أن وصلنا الموقع ودخلنا ب 3 مجموعات ونحن فى منتصف الثغرة حدث تفجير فى إحدى المجموعات ومجموعتى وأصبت للمرة الرابعة بالإضافة إلى أحد زملائى وفتح العدو نيرانه وبدأت احتياطات العدو تتحرك لكى يتم أسرنا داخل الثغرة وبدأ ابراهيم الرفاعى يستخدم السلاح وحملت زميلى المصاب إلى أن عبرت به القناة وفى هذا اليوم استشهد منا 9 وأصيب 23 شخصا. وعن عمليات حرب أكتوبر قال اللواء محيي نوح، كانت لدينا مهمة يوم 6 أكتوبر هى تدمير مواقع البترول فى الجنوب لكى لا يتمكن العدو من تموين معداته وقواربه ولا يستطيع سحب البترول إلى داخل اسرائيل كما استطعنا ضرب مواقع البترول فى شلاطيم وأبو رديس وأبو زنيمة وبذلك حرمنا العدو من البترول فى منطقة الجنوب بالكامل. قرار الحرب وعن قرار الحرب نفسه تساءل اللواء أحمد ونيس، مدير معهد المخابرات الحربية السابق، هل كنا مؤهلين للقيام بالحرب، وكيف قامت؟، مجيبًا الحسابات جميعها تقول إننا لم نكن يمكن أن نقوم بهذه الحرب، وذلك يرجع لعدة أسباب منها، عدم التوازن بين القوة العسكرية المصرية والقوة العسكرية الإسرائيلية، وذلك يظهر في تفوق المعدات الإسرائيلية، والخبرات التي تراكمت لديهم، وهنا سألت القيادة العسكرية في مصر نفسها، إذن ما الحل؟، فكان الحل الأمثل هو المعلومات التي يمكن أن تفيدنا في تعظيم المناخ العسكري لصالحنا، وبالفعل نجحت مصر في هذا بصورة رائعة عن طريق أجهزة المخابرات الحربية، وقد تعاظم دورها عندما ضمت المخابرات الحربية وأجهزة الاستطلاع العسكري، بحيث كانت لنا رجال المخابرات في كل شبر من سيناء وفي داخل إسرائيل ومدنها وأضاف "ونيس" كانت المعلومات التي تصلنا دقيقة للغاية حتى تحولت إسرائيل إلى كتاب مفتوح أمامنا، نعرف فيه كل حرف، سواء داخل إسرائيل أو في سيناء، لافتًا إلى أن الحل الثاني لخوض الحرب كان هو التخطيط العلمي وقد مارسته القوات المسلحة المصرية بدقة عالية، والحل الثالث كان التدريب وهو ما برع فيه الجيش المصري من الإعداد الجيد للجنود والضباط وأشار "ونيس" إلى أن الرئيس الراحل عبد الناصر كان يرفض تبادل الأسرى، لأن معظم أسرى الاسرائيلين كانوا من الطيارين وهو ما يعني أنهم سيعودون بعد ذلك لضرب مصر مرة أخرى، قائلًا حتى أن الأسير يحي شعراوي لم يعد إلا في مارس 1974 لهذا السبب. وأكد ونيس أن المعارك بين الجيش المصري والإسرائيلي كانت تتغير استراتيجياتها وفقا للمعلومات الاستطلاعية والاستخباراتية التي كانت تأتي من جهاز المخابرات الحربية وعناصر الاستطلاع المصرية، بشكل متكامل، وكان هناك تفوق للعناصر المصرية بسبب هذه المعلومات رغم الدعم الهائل الذي تلقته إسرائيل من كل الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، مشيرًا إلى أنه بعد أن تم الإعداد الجيد للقوات المصرية، وأصبحت المعلومات متاحة بفضل الجهود المخابراتية المصرية، طلب الرئيس السادات من الفريق محمد صادق وزير الحربية إعداد الخطة فعرض عليه مطالب لا يمكن توفيرها، فتمت إقالته، وأتى المشير أحمد إسماعيل وكانت له خبراته السابقة في هذا الشأن ووافق عندما طلب منه إنجاز ما تمكنه به الإمكانات المتاحة فكان قرار الحرب بمثابة مغامرة ونتائجها معجزة بكل المقاييس