سر العلاقات بين روسياوتركيا رغم نقاط الخلاف العديدة تزويد أوكرانيا بسلاح تركي لا يفسد للود مع موسكو قضية د. نبيل رشوان مما لا شك فيه أن تركيا مصممة على أن تلعب دوراً مهماً فى الأزمة الروسية الأوكرانية، وقد بدا ذلك جلياً بتنظيم أنقرة لأول مباحثات بين الجانبين الروسى والأوكرانى فى إسطنبول. وفى الوقت الذى تقوم فيه تركيا بدور الوسيط بين موسكو وكييف، حيث من المفترض أن تكون محايدة، نجد أنها تقوم بتزويد أوكرانيا بمعدات عسكرية مثل السيارات المدرعة والتى حصلت الأخيرة على 50 سيارة منها وتنتظر مثلها فى المستقبل القريب، هذا بالطبع بخلاف الطائرات المسيرة "بايراكتار" التى حصلت عليها أوكرانيا من قبل، وتعتزم تركيا بناء مصنع لإنتاجها فى أوكرانيا، فى حين أنها رفضت طلبا روسيا مشابها. كانت تركيا وعبر وساطة أممية قد توصلت لاتفاق يمكن بمقتضاه تصدير القمح الأوكرانى والروسى فى حماية تركية وبإشراف من الأممالمتحدة، لكن الأهم هو أن تركيا أصبحت مركزا لتجميع الأقماح والحبوب الغذائية بصفة عامة ويمكنها توزيعها على الدول المختلفة وفق التعاقدات، ومن غير المستبعد أن تحقق تركيا بعض المكاسب المادية من ذلك، ولكن الأهم هو المكانة الدولية التى حققها الرئيس التركى لدوره فيما يتعلق بأزمة الغذاء، وهكذا أصبح أردوغان أكبر وسيط فى أكبر أزمة تواجه عالم ما بعد كوفيد 19. وهو الرجل الذى لديه استحقاق انتخابى العام القادم، ودولته كانت على وشك الإفلاس وما زالت تعانى أزمة اقتصادية طاحنة، ومنذ أشهر قليلة بلغ مستوى التضخم لديه لأكثر من 80%، ولعل أهم ما أكده الاجتماع الثلاثى للرئيسين التركى والأوكرانى والأمين العام للأمم المتحدة، والذى عقد فى غرب أوكرانيا بمدينة لفيف هو ضمان استمرار تدفق الحبوب والمواد الغذائية، فى نفس الوقت لم ينس أردوغان أن يقضم لبلاده قطعة من كعكة إعادة أعمار أوكرانيا عندما وقع مذكرة تفاهم تنص على أن بلاده ستقوم بإعادة إعمار مدينة خاركيف ثانى أكبر المدن الأوكرانية وستقوم شركات تركية بإصلاح البنية التحتية. خيوط الأزمة الرئيس التركى لم يترك الفرصة تضيع من يده وظل ممسكاً بخيوط الأزمة الروسية الأوكراني ربما مدفوعاً بالنجاح الذى حققه اتفاق تصدير الحبوب والمواد الغذائية من المواني الأوكرانية المحاصرة، ومستبشراً بوجود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، استطاع أردوغان عقد اجتماع فى مدينة لفيف بغرب أوكرانيا، وتم تفسير الأمر على أن السبب فى اختيار لفيف هو خوف الرئيس التركى والسكرتير العام للأمم المتحدة من احتمال إطلاق صواريخ روسية كما حدث أثناء زيارة الأخير للعاصمة الأوكرانية كييف، مما عرضه للخطر. وربما أراد أردوغان أن يطرق الحديد وهو ساخن ويقوم بدور وساطة سياسية بين روسياوأوكرانيا بهدف وقف العمليات العسكرية، بعد الحلحلة التى حدثت على صعيد استئناف تصدير المواد الغذائية من المواني الأوكرانية، حيث زار السكرتير العام للأمم المتحدة فى اليوم التالى لاجتماعه بالرئيسين التركى والأوكرانى ميناء أوديسا أكبر ميناء لتصدير الحبوب على البحر الأسود. لقاء مقترح أثناء الاجتماع اقترح الرئيس أردوغان ترتيب لقاء بين الرئيسين الأوكرانى زيلينسكى والروسى بوتين فى تركيا فى أقرب وقت، وكما يقول بعض المتابعين للأزمة الروسية الأوكرانية إن الاقتراح التركى كان نتيجة تلميح من الرئيس بوتين للرئيس التركى خلال لقائهما الأخير فى مدينة سوتشى الروسية يوم 5 أغسطس، لكن على ما يبدو وفى تقديرى أنها كانت مبادرة شخصية من الرئيس التركى، بدليل أن المبادرة التركية رفضت من الجانبين الأوكرانى والروسى فى نفس الوقت، حيث أعلن الرئيس زيلينسكى أنه يجب على روسيا سحب قواتها من كافة الأراضى الأوكرانية ولم يحدد ما إذا كان يعنى بذلك ما بعد 24 فبراير أم ما قبل 2014، رغم أن بعض الخبراء من الأوكران يفسرون الأمر على أنه إلى خطوط ما قبل 24 فبراير على الأقل كمرحلة أولى، وعلى الجانب الروسى أعلن السكرتير الصحفى للرئيس بوتين دميترى بيسكوف أنه ليست هناك مقدمات تدفع للقاء الرئيسين بعد. محطة زوبوروجيا وتعرض الرئيس الأوكرانى كذلك إلى أزمة محطة زوبوروجيا النووية، وقال: على روسيا أن تسحب قواتها من محطة الكهرباء النووية، وكان الرئيس الأوكرانى قد طلب من نظيره التركى والسكرتير العام للأمم المتحدة أن يرفضا بشدة ما ترغب روسيا فى فعله من خلال إجراء استفتاء على ضم بعض المناطق التى تسيطر عليها من خلال استفتاء، الرئيس التركى أكد أن تسوية النزاع يجب أن تتم على مائدة المفاوضات وبالطرق الدبلوماسية، وأشار إلى أنه سيناقش نتيجة اجتماع لفيف مع الرئيس بوتين. وعلى ما يبدو أن الاجتماع لم يحقق أى نجاح فى اتجاه أى نوع من تحريك الموقف نحو حل دبلوماسى للأزمة، جاء هذا من خلال تصريحات وزير الخارجية الأوكرانى دميترى كوليبا عقب الاجتماع الذى استمر ساعة ونصف، عندما قال إن جوتيريش وأردوغان لم يستطيعا الحصول من زيلينسكى على أى تنازلات، وفى تقدير الخبراء أن الرئيس بوتين يمتلك قرار إيقاف الحرب فى أى لحظة لكن ما يمنعه هو حفظ ما الوجه، أما الرئيس الأوكرانى فالقرار ليس بيده، هناك القوميون الأوكران أو ما يطلق عليهم المحللون مجازاً فى أوكرانيا "الشعب"، والغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص، إذا تعلق الأمر بأوروبا فقد تعبت سواء من العقوبات أو عدم قدرتها على حل أزمة الطاقة. ولذلك فإن جهود الوساطة التى يقوم بها الرئيس التركى تكتسب أهمية خاصة، نظراً لأن إطالة أمد الحرب له آثار كارثية على منطقة تعتبر تركيا جزءًا منها، كما أن أردوغان يحظى بثقة الجانبين الروسى والأوكرانى حالياً، ويتوقع عدد من الخبراء أن يكون توقيع اتفاق السلام بين روسياوأوكرانيا فى نهاية الأمر فى أسطنبول. روسياوتركيا أما عن سؤال لماذا يقوم أردوغان بهذا الدور، والأهم هو لماذا تعطيه روسيا فرصة كهذه وهو دولة أولا عضوا فى الناتو وثانيا له من الخلافات معها فى سوريا ما يكفى لدرجة إسقاط طائرة روسية، والأهم أنه لم يعترف بالقرم كجزء من روسيا حتى الآن، هذا بخلاف تعاطفه الواضح مع أوكرانيا فى الظروف الحالية، فى اعتقاد الخبراء أن روسيا تقوم بتنفيذ بعض سياساتها من خلال تركيا على سبيل المثال عندما قامت ثورة ملونة أطاحت بالرئيس الأرمينى الموالى لروسيا بقيادة نيكول باشينيان، وأرادت روسيا تأديبه تحالفت مع أذربيجان وعن طريق تركيا استطاعت الأولى استعادة ناجورنوكاراباخ التى ظلت تحت السيطرة الأرمينية قربة 30 عاماً، ما جعل أرمينيا تنتفض وكادت أن تطيح بباشينيان، الذى خضع وأجل طموحاته الأوروبية وربما الناتو فى المستقبل وقبع ضمن منظومة الأمن الجماعى تحت جناح روسيا، وبقيت روسيا تحفظ الأمن فى جنوب القوقاز، لكن الأصل فى تحقيق الهدف الروسى كان التدخل التركى إلى جانب أذربيجان. روسيا لا تستغنى عن تركيا فيما يتعلق بمضايق البوسفور والدردنيل وإلا لماذا الجدل حول أهمية القرم وأوكرانيا ككل لروسيا، فأي خلاف مع تركيا يستطيع إغلاق المضايق ويصعب على روسيا الوصول للمياه الدافئة والدعم اللوجستى لقواتها فى سوريا أو فى أى مكان فى أفريقيا، والأهم أن تركيا تقوم بعملية توازن بين روسيا وحلف الناتو، فالجميع يعرف أن ما يحدث فى أوكرانيا هو معركة بين روسيا والغرب بما فيه الناتو، وروسيا لا تريد التفاوض مع أوكرانيا من الأصل وإنما مع الغرب، وتركيا وسيط مناسب بما له من علاقات طيبة بالغرب وعضو بالناتو ودولة مرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبى، إضافة إلى أن الرئيس التركى مقبل على استحقاق انتخابى العام المقبل ومن مصلحته أن يبقى على الساحة السياسية كوسيط فى قضية هامة مثل الصراع بين الغرب وروسيا، هذا بلا شك سيصب فى سلة أردوغان كسياسى ليس تركيا فحسب، بل على المستوى الدولى، رأسه برأس أى رئيس أو زعيم أوروبى من الذين يرفضون دخوله الاتحاد الأوروبى. تعاون وبناء وبالطبع لا تستطيع أوكرانيا أو أى دولة فى الغرب أو حلف الناتو الحديث عن قطيعة بين روسياوتركيا لأي سبب من الأسباب لأن تركيا مستفيدة اقتصادياً من روسيا بدرجة كبيرة، بداية من السياحة إلى التبادل التجاري الذى تخطى 50 مليار دولار، إضافة إلى الطاقة رغم أن تركيا لديها تنوع بعض الشيء، كما أن الغرب والناتو يستغل تركيا للحديث مع روسيا لمعرفة توجهاتها. فى نفس الوقت روسيا تريد من علاقاتها مع تركيا أن تظهر للغرب أنها يمكنها التعاون البناء مع الناتو وتركيا ليست بعيدة جداً عن روسيا، ويمكنها إقامة علاقات جيدة اقتصادية وحتى عسكرية (تركيا تعاقدت على شراء إس 400 جديد) وهى تريد القول يمكننا التعاون، وكل ما ترغب فيه روسيا هو عدم توسع الحلف ليقترب من حديقتها الخلفية سواء فى أوكرانيا أو وسط آسيا (أعلن الرئيس بوتين عن مناورات عسكرية مشتركة مع كازاخستان) هذا مؤشر على أن روسيا تقبل بالخلاف مع الجيران، خاصة أن الرئيس الكازاخستانى أعلن أنه لن يعترف بدول الدونباس، رغم أن أستانا عضو فى منظمة الأمن الجماعى التى تضم دول وسط آسيا وضمنها كازاخستان، ومع ذلك روسيا تتعامل معها بروح التعاون وهنا روسيا تريد أن تطمئن بقية دول الاتحاد السوفييتى السابق ووسط آسيا بأن ليس لها أطماع كما يدعى الغرب.