تروج الكثير من وسائل الإعلام الغربية أن روسيا تراجعت عن مطالبها بأن تدفع الشركات الأوروبية ثمن إمدادات الغاز بالروبل، كما كان قد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الأيام الماضية, حيث تبدأ تطبيق سياسة الغاز مقابل الروبل بالنسبة للدول غير الصديقة لروسيا, بتعبير بوتين، بدلا من اليورو أو الدولار، هذا القرار الذي استهدف الدول التي نفذت العقوبات الاقتصادية على روسيا. وكان بوتين قد أصدر تعليماته لشركة الغاز العملاقة التي تسيطر عليها الدولة «غازبروم» والبنك المركزي والحكومة لوضع مقترحات لكيفية تنفيذ هذه السياسة بحلول يوم الخميس القادم. ورفضت الدول الأوروبية أعضاء مجموعة السبعة الكبار شراء الغاز بالروبل. ورغم ذلك، ففي مكالمة مع المستشار الألماني أولاف شولز، قال بوتين إن الشركات الأوروبية يمكن أن تستمر في دفع ثمن إمدادات الغاز باليورو أو الدولار في الفترة القصيرة القادمة. حيث تُسدد الأموال إلى غازبروم بانك (مؤسسة مالية تابعة لغازبروم) وتحويلها بالروبل في روسيا، حسبما ذكرت هيئة الإذاعة الألمانية دويتشه فيلا. لم يوافق شولز على هذا الإجراء في المحادثات لكنه طلب معلومات في شكل أوراق مكتوبة لفهم الاقتراح الروسي بشكل أفضل، وفقا لتقرير الإذاعة الألمانية. ومن جانبهم, قال متحدث باسم الكرملين أن تغيير العملة المتداولة إجراء ضروري, لأن احتياطيات النقد الأجنبي لبنوك روسيا قد جمدتها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وقال البيان الروسي إنه تم الاتفاق على أن يواصل خبراء من روسياوألمانيا التفاوض بشأن هذه المسألة. اتفاقيات الغاز وفي سياق آخر, أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الأسبوع الماضي أن روسيا لن تسعى للحصول على مدفوعات الغاز بالروبل على الفور, بدلًا من ذلك، من المرجح أن يحدث التبديل وفقًا ل"عملية تدريجية", حسب تعبيره. كما أشارت ألمانيا، إلى جانب أعضاء مجموعة ال7، إلى أنه لا يمكن تعديل اتفاقيات توريد الغاز من جانب واحد مثلما يرغب الروس، حيث يقول المشترون الأوروبيون للغاز الروسي إن الكرملين لا يحق له إعادة صياغة العقود طويلة الأجل. يثير التهديد الروسي بتبادل الغاز مقابل الروبل, احتمال قطع سلاسل الإمدادات عن الدول الأوروبية، في ظل اتخاذ ألمانيا والنمسا خطوات احترازية نحو تخفيض معدلات استهلاك الغاز لتجنب توقف محتمل في عمليات التسليم أثناء استمرار النزاع في أوكرانيا. ومع ذلك، يقول محللون في مجموعة أوراسيا الاستشارية للمخاطر السياسية, إنه من غير المرجح أن تنتهك غازبروم عقودها الحالية برفضها توريد الغاز للعملاء الذين يرفضون الدفع بالروبل على المدى القصير. إعادة التفاوض "على الأرجح، ستسعى غازبروم بدلًا من ذلك إلى إعادة التفاوض على العقود الحالية، وهي عملية تستغرق وقتًا طويلًا في أفضل الأوقات، في سياق المراجعات الدورية التي تسمح بها معظم العقود طويلة الأجل. على المدى الطويل، من المرجح أن تُصر غازبروم على أن تعكس العقود الجديدة السياسة الروسية الجديدة, الغاز مقابل الروبل, بمجرد طرح تجديد العقود"، قال محللون في مجموعة أوراسيا في مذكرة بحثية. وأضافوا" هناك خطر من أن تتحرك روسيا بقوة أكبر، مما يعني وجود فرصة أكبر لتعطيل إمدادات الغاز على المدى القصير". "لكن عملية التفاوض المطولة أكثر احتمالًا في الحدوث". أصبحت قضية اعتماد الدول الأوروبية على صادرات الطاقة الروسية في الصدارة منذ أن أطلق الكرملين العملية العسكرية لأوكرانيا في فبراير, لا سيما مع استمرار البلدان المستوردة للطاقة في زيادة الإيرادات الروسية من النفط والغاز بشكل يومي. فقد مولت الإيرادات الأوروبية عن النفط والغاز الروسي ما يقرب من 43 % من الميزانية الفيدرالية للكرملين بين عامي 2011 و 2020، مما يسلط الضوء على الدور المركزي الذي يلعبه الوقود الأحفوري بالنسبة للحكومة الروسية. يتلقى الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 40 % من الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية والعديد منها يمر عبر أوكرانيا. وتقول "آن صوفي كوربو" ، الباحثة في مركز سياسات الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا:" أن الفشل في حل أزمة مدفوعات الروبل يمكن أن يؤدي إلى عملية نزاع طويل المدى في المحاكم الدولية". إذا كان للشركات عقود طويلة الأجل مع شركة غازبروم, إذا وجدت بنود في هذه العقود تسمح للشركات بتبديل العملات من اليورو والدولار إلى الروبل، فمن المرجح أن تتحول للدفع بالروبل على المدى القريب. ومع ذلك، إذا لم تتضمن هذه العقود أي بنود تخص تغيير طريقة الدفع، فإن شروط العقد تسود ليستمر الدفع باليورو أو الدولار — ولا يمكن تغيير ذلك". وفقًا لهذا السيناريو الأخير، تقول كوربو إن شركة غازبروم " ستحتاج إلى طلب إعادة التفاوض الرسمي على شروط العقد، لكنني لا أتوقع أن يوافق المشترون، وسينتهي الأمر إلى إجراءات تحكيم دولي مطولة". أسعار الغاز انخفض سعر الغاز في الشهر الأول في "مركز تي تي إف الهولندي"، وهو مؤشر أوروبي لتجارة الغاز الطبيعي، بأكثر من 7 % عند 111 يورو (123.9 دولار) لكل ميجاوات في الساعة يوم الخميس الماضي، وفقًا لبورصة إنتركونتيننتال في نيويورك. يقول "فينيسيوس رومانو"، كبير المحللين في "ريستاد إنرجي"، في مذكرة بحثية:" إذا بدأت عملية إعادة التفاوض بناء على إصرار من قِبل روسيا، فمن المرجح أن تعرض روسيا على الدول المستوردة أسعار أفضل لاستيراد الغاز في الصفقات مع روسيا مقابل التغيير إلى مدفوعات الروبل". "إن التحدي المتمثل في وضع هذا الأمر في حيز التطبيق هو أن كل مشتر قد يكون لديه شروط مختلفة، في حين أن البعض قد لا يكون على استعداد لتغيير الشروط التعاقدية. هذا يشير إلى أن المفاوضات قد تستغرق بعض الوقت، مما يعني أنه لا يوجد حتى الآن موعد نهائي مفاجئ نحو تبديل المعاملات إلى الروبل". اليورو بدلا من الروبل ورغم رفض كل من فرنسيا وألمانيا لشراء الغاز بالروبل على المدى القصير, على جانب آخر, صرح المستشار الاقتصادى لرئيس الوزراء الإيطالي فرانشيسكو جافازي: "برأيى، يجب الدفع باليورو، لأن الدفع بالروبل يعنى التحايل على العقوبات، لذلك أعتقد أننا سنواصل الدفع باليورو". وفى الوقت ذاته، أكد أن الحكومة الإيطالية لم تتخذ أى قرار حتى الآن. ومن ناحيته، أكد رئيس وزارة الطاقة البلغارية ألكسندر نيكولوف أن قرار روسيا بدفع ثمن الغاز بالروبل لا يهدد العقد الحالى مع بلغاريا. كما قال فاديم تشيبان رئيس شركة "مولدوف غاز" دولة مولودوفا بالبلطيق, إنه اعتبارا من الأول من مايو، تستطيع الدولة دفع ثمن الغاز الروسى بالروبل أو اليورو فقط، ولا ينبغى أن تنشأ أى مشاكل. كذلك أعلن رئيس وزراء سلوفاكيا عن قبول دولته الحصول على الغاز الروسي مقابل الروبل. يبدو إذًا أن روسيا ستتمسك بتحويل مدفوعات أوروبا مقابل الغاز إلى الروبل, متوقعة أن يحدث ذلك على مدى أبعد من الأسبوع القادم. العقوبات الاقتصادية بهذا الصدد, يقول "ريك هيلير" الكاتب والمحلل الأمريكي, أن هذا القرار الروسي ليس مُصممًا للرد على العقوبات الاقتصادية من جانب أوروبا والولايات المتحدة فحسب, لكنه له أهداف إستراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى إضعاف الدولار بصفته عملة تداول عالمية، فالعملة الأمريكية معرضة للتراجع فى حالة نجاح روسيا فرض هذا الأمر على أوروبا، مشيرًا إلى أن جزءا كبيرا من قوة الدولار مرتبطا بتسعير النفط والغاز به عالميًا, كما أن حركة التجارة العالمية مرتبطة بالدولار، ودخول منافس للدولار سواء الروبل أو اليوان الصينى يزعزع مكانته حتمًا. وبخروج التعاملات الضخمة بين كل من روسيا وأوروبا على الغاز, بالإضافة للتبادل المزمع بين الصينوروسيا بالعملات المحلية للبلدين, خصوصًا في مجال الطاقة, ومع تلويح السعودية بأنها تدرس تداول الطاقة مع الصين باليوان, يصبح الدولار الأمريكي مهددًا بالتحول لعملة اعتيادية, ليتراجع معه جانب كبير من تفوق الاقتصاد الأمريكي عالميًا.