عاش الإيطاليون فترة غير مسبوقة من الانسجام السياسي, حسب مراقبين, طوال فترة رئاسة ماريو دراجي للوزراء, فقد قدم دراجي نموذجا لرئاسة حاسمة وكفؤة في ظل آثار جائحة كورونا، فحققت إيطاليا معدلات نمو اقتصادي جيدة وفي فترة قصيرة, لكن يقف هذا الوضع مُهدداً عندما ينتخب البرلمان رئيساً جديداً للجمهورية في يناير المقبل. تهيمن مسألة ترشح دراجي على النقاش السياسي, حيث إن النتيجة يمكن أن تترك إيطاليا في أزمة حرجة: فالسؤال الجوهري هو ما إذا كان من الأفضل أن يستمر دراجي- رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق الذي يحسب له الفضل في استعادة الاستقرار والثقة في البلاد- في موقع رئيس الوزراء أم يقدم على الترشح لرئاسة الجمهورية؟ يُقدم دراجي في الإعلام بانتظام باعتباره المرشح الأوفر حظاً لخلافة سيرجيو ماتاريلا، الذي يتنحى عن منصبه كرئيس للدولة في 3 فبراير. وقال دراجي البالغ من العمر 74 عاماً الأسبوع الماضي, إنه قد يكون مستعداً لهذا الدور. في مؤتمره الصحفي أجاب عن أسئلة حول مستقبله، قائلا: " مصيري الشخصي ليس له أهمية. ليس لدي طموحات خاصة". الشخص الوحيد الذي يطمع في موقع الرئيس صراحةً، وفقا لوسائل الإعلام الإيطالية، هو رئيس الوزراء السابق المعروف بالفضائح الجنسية, وزعيم حزب فورزا إيطاليا، سيلفيو برلسكوني. وقال ولفانغو بيكولي، رئيس شركة تينيو للأبحاث التي تتخذ من لندن مقراً لها:" من غير المحتمل للغاية أن يتم انتخاب برلسكوني، لكن لا ينبغي لنا أن نستبعد ذلك…إذا كان هناك شخص واحد لديه مهارات لا مثيل لها في شراء الأصوات، فهو برلسكوني". منصب الرئيس الإيطالي هو منصب شرفي إلى حد كبير، وإن كان لديه القدرة على التدخل لحل الأزمات السياسية واختيار رؤساء الوزراء والدعوة إلى انتخابات مبكرة. فقد اضطر ماتاريلا للتدخل عدة مرات لحل أزمات متعاقبة، كلف دراجي بتشكيل حكومة وحدة وطنية في فبراير بعد انهيار الوزارة بقيادة جوزيبي كونتي. وتأتي الانتخابات في لحظة حرجة. يمثل فيها دراجي ضمانة الاستقرار والاستمرارية، لكن الانتقال إلى القصر الرئاسي سيؤدي إلى إنهاء حكومته مبكراً، مما يقوض الجهود المبذولة لسن الإصلاحات اللازمة لتأمين دفع أقساط صندوق التعافي من آثار الوباء الذي أسسه الاتحاد الأوروبي، والذي اعتمدت عليه إيطاليا بشكل رئيسي لتكون أكثر أعضاء الاتحاد الأوروبي استفاده منه. إنها المرة الأولى التي تكون فيها هذه الانتخابات ذات أهمية اقتصادية". "خسرت البلاد 10% من الناتج المحلي الإجمالي بسبب الجائحة، والآن، في ظل وزارة دراجي، هناك قدر عالٍ من الثقة في الحكومة, السؤال هو ما إذا كان يمكن أن يستمر هذا الظرف الإيجابي إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية. "في أسوأ السيناريوهات، يمكن أن تؤدي ترقية دراجي إلى الرئاسة لدفع الانتخابات العامة إلى الأمام لمدة عام. إذا أجريت انتخابات مبكرة، تشير استطلاعات الرأي باستمرار إلى أن ائتلافاً من الأحزاب اليمينية المتطرفة، "الرابطة وأخوة إيطاليا" مع حزب فورزا إيطاليا بزعامة برلسكوني، يمكن أن يحظى بالأغلبية. ومن المتوقع أن يبدأ التصويت في الأسبوع الثالث من يناير، ولكن في ثلاث مناسبات فقط نجح الرئيس الجديد من الجولة الأولى. قال بيكولي:" ستكون هناك صفقات غير معلنة، والكثير من المواقف والأسماء العشوائية المذكورة كل يوم… ولكن، من الناحية التاريخية، فإن جميع الأسماء المذكورة في الفترة التي تسبق التصويت لا يحالفها الحظ و تتعرض "للحرق", سأكون مندهشاً إذا نجح أي شخص ذُكر الآن في الحصول علي موقع الرئيس، باستثناء دراجي". ومن بين الأسماء الأخرى محتملة الترشح التي انتشرت في وسائل الإعلام (حيث لم يعلن أحد ترشحه رسمياً حتي الآن) وزيرة العدل الحالية مارتا كارتابيا، ورئيس الوزراء السابق رومانو برودي ، ورئيس الوزراء السابق الآخر والمفوض الأوروبي الحالي للاقتصاد، باولو جنتيلوني، وجياني ليتا، وهو مستشار سابق لبرلسكوني. إذا ترشح دراجي، فقد يظل منافساً حتى الجولة الثانية أو الثالثة من الانتخابات. قال بيكولي: "حتى بالنسبة لشخص مثل دراجي، ليس من المسلم به أنه سينتخب من الجولة الأولى، ولذلك فهو لا يريد تقويض مكانته من خلال طرح نفسه لهذا المنصب في وقت مبكر جداً" ويقول نوريل روبيني, الرئيس التنفيذي لمؤسسة «روبيني ماكرو أسوسييتس»: " تُعَد إيطاليا الحلقة الأضعف في منطقة اليورو، وهذا يعني أن عملية صنع السياسات الإيطالية، وصناع القرار الذين يقفون من ورائها، ستكون أساسية لبقاء الاتحاد الأوروبي وازدهاره في السنوات المقبلة. إذا عادت الأحزاب الشعبوية إلى السلطة في ظل مستويات الدين والعجز المرتفعة بشدة بالفعل في إيطاليا, فقد يصبح استمرار إيطاليا في عضوية منطقة اليورو موضع شك، مما ينذر بجميع أشكال الارتباك والانقطاع في الأسواق…لن نجد من العبارات ما يكفي للتأكيد على مدى أهمية التصويت الرئاسي المقبل في إيطاليا, الذي يبعد كل البعد علي أن يكون إجراء شكلياً". ففي حالة نجاح أي من الأطراف اليمينة المتطرفة في الانتخابات, أو المدعومة من اليمين المتطرف مثل برلسكوني, سيكون الاتحاد الأوربي علي موعد مع أكبر تحدٍ داخلي يتصدى له منذ تأسيسه, ففي ظل الحكومة اليمينية في بولندا التي قامت بإجراءات تشريعية عطلت فيها الصلات القانونية مع الاتحاد الأوروبي, بالإضافة للمد اليميني المتطرف السائد علي الانتخابات الرئاسية الفرنسية, حيث يدعو مرشحو اليمين إلى التخلي عن منظومة اليورو, يكون وصول اليمين الإيطالي المتطرف إلى رئاسة البلاد أحد أهم الأحداث المؤثرة علي بقاء الاتحاد الأوروبي, علي ضوء هذه الطروف يتم تصوير دراجي باعتباره المرشح الأنسب والضامن لاستقرار إيطاليا والمنطقة..