انتباه حكومة "عَكس عِكاس" *منصور عبدالغني لكل دولة معايير خاصة يمكن من خلالها معرفة التوجه العام لسياساتها الداخلية والخارجية وغالبًا ما تكون تلك المعايير ناتجة عن ماهية نظام الحكم في تلك الدولة. وفي مصر غالبًا ما تكون خطابات رئيس الجمهورية وتصريحاته الصحفية في المناسبات المختلفة ومداخلاته وجولاته هي المعيار الأهم لمعرفة التوجه العام للدولة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا, والمُتابع لخطابات الرئيس عبدالفتاح السيسي ومداخلاته وانفعالاته في المناسبات والفعاليات المختلفة وتعاطيه مع الموضوعات ذات الطابع الإنساني والاجتماعي يمكن أن يكتشف بسهولة الفارق الكبير بين ما يسعي إليه الرئيس من توسع في الإنتاج الزراعي "أفقيا ورأسيا" وتطوير الإنتاج الصناعي بتشغيل المصانع الحالية وإنشاء مصانع جديدة وتبني مشروعات إصلاحية تعليمية ودينية وأخلاقية ومحاربة الفساد والتصدي للمفسدين وبين ما تنتهجه الحكومة من سياسات وينفذه الوزراء علي أرض الواقع. الحكومة لديها برنامج لإصلاح وتطوير التعليم بدأت في تنفيذه منذ سنوات وهذا البرنامج لا يمكن أن ينجح ويستمر ويحقق أهدافه دون موافقة مجتمعية ورضاء جماهيري عام، وفي الوقت الذي فقد فيه المشروع ثقة المواطنين ويتعرض لهجوم كبير من أولياء الأمور نجد أن الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم يتهرب من الحضور أمام نواب الشعب في البرلمان لشرح المشروع وإقناع ممثلي الشعب به، وهو ما يوضح عدم اعتناء الحكومة بالموافقة المجتمعية لما تنفذه في القضايا المختلفة. الأجهزة الرقابية تعمل في جميع مؤسسات الدولة لمنع ومحاربة الفساد، وتقوم بإعلان ذلك من خلال القضايا التي يتم ضبطها دون النظر إلى من يكون الفاسد, بينما هناك قضية فساد في وزارة الصحة يتم التعامل معها بصمت وتجاهل وتعتيم من قبل الحكومة, الأمر الذي فتح المجال للقيل والقال في مجال يتعلق بحياة المواطنين وفي توقيت جائحة كورونا ولم تقدم الحكومة تفسيرا حتي الآن حول ترك وزارة الصحة بدون وزير. الرئيس يفتتح طريق الكباش، ويشارك في موكب المومياوات، ويتم تصدير صورة للعالم تليق بعظمة مصر وتاريخها، وينعكس ذلك علي حجم الإقبال السياحي ومؤشرات الحجز التي تبحث عن مصر خاصة المناطق التاريخية والأثرية إلا أن الحكومة تقوم بالتحقيق مع مواطنة أوكرانية والتعدي علي حياتها الخاصة داخل مسكنها بسبب متطفل اعتاد علي مراقبة الناس داخل بيوتهم، وتكتمل الصورة بما تقوم وزارة الداخلية يوميًّا بإعلانه عن ضبط أطنان من الغذاء الفاسد واللحوم منتهية الصلاحية ورؤوس الحمير المقطوعة الأمر الذي يعطي انطباعًا سيئًا لزوار البلد من الأجانب حول جودة الغذاء به، وهو ما يهدد موسمًا سياحيًّا كبيرًا يتخطي فيه عدد زوار البلاد حاجر ال15 مليون سائح. لا يخلو حديث لرئيس الجمهورية عن تطوير شركات قطاع الأعمال وتشغيلها وتحديثها والحفاظ علي العمالة الماهرة والخبرات التي يسعى خلفها رأس المال الخاص داخليًّا وخارجيًّا ولكن الحكومة أطلقت يد وزير قطاع الأعمال هشام توفيق لتعبث في كل شركة أو قلعة صناعية أو مؤسسة أوقعها حظها العثر في موقع مميز، وتمتلك مساحات أراضٍ تصلح لبناء منتجعات سكنية مثل "الحديد والصلب" و"سماد طلخا" و"القومية للأسمنت"، وحاليًا "الدلتا للصلب" وكلمة السر الموقع المميز علي نهر النيل وطمع أثرياء الاقتصاد الريعي في مساحات الأراضي التي تمتلكها تلك الشركات. الحكومة قامت بتغيير قانون الطفل وفرض عقوبات على ولي الأمر الذي يمتنع عن إرسال أطفاله إلى المدارس أو تسجيلهم في مكاتب الصحة، بينما تم إلغاء دور المدرسة والاعتراف بمراكز الدروس الخصوصية وفرض ضرائب عليها بما يشبه تقنين أوضاعها، وكذلك زيادة رسوم تسجيل المواليد في مكاتب الصحة واستخراج شهادات الميلاد، وتقوم الحكومة بإجبار الموظفين على التطعيم ضد كورونا، وتسمح لهم بالحصول علي الشهادات دون الحصول على المصل لمجرد أن يقول المواطن إنه كان مصابًا بفيروس كورونا. الدولة تسعى لتمكين الشباب وفتح المجال العام أمامهم والحكومة تحتفظ برؤساء شركات في قطاعي الكهرباء والبترول منذ فترة حكم الإخوان لدرجة ان هناك من يصل عمره إلى 75 عاما ومازالوا رؤساء لشركات حتي الآن. ثورة 30 يونيو قامت ضد الإخوان ومن يدور في فلكهم، ورئيس الدولة لطالما يتحدث عن تطوير وتنقية الخطاب الديني إلا أن الحكومة لا تزال تحتفظ بمسئولين إخوان وسلفيين يعملون في قطاعات حيوية، ولدينا أمثلة برسائل التهديد التي كانت موجودة في كابينة القيادة لطائرة "مصر للطيران" والتي لا يدخلها غير أطقم الطائرة ولا تزال القيادات السلفية تصعد المنابر في المساجد وما زال الخطاب الديني يبحث عن تنقية وينتظر من يعمل علي تطويره فعلا, دولة متناقضات وحكومة عَكس عِكاس. رحم الله الشهداء وتحيا مصر