موسكو تعترض على خريطة أوكرانيا تتضمن القرم.. والاتحاد الأوروبى لكرة القدم يقول إنها تتوافق مع القرارات الدولية د. نبيل رشوان يبدو أن النزاع السياسى والعرقى بين أوكرانياوروسيا حول شبه جزيرة القرم ومنطقة جنوب شرق أوكرانيا (الدنباس) لن يقتصر على الجوانب السياسية والعسكرية، بل سيمتد إلى ميادين أخرى وعلى رأسها فى الوقت الحالى ميدان الرياضة، كما امتد من قبل أثناء مسابقة "يوروفيجن" الخاصة بالغناء والموسيقى وغيرها من المجالات. الآن وقد قامت أوكرانيا بتقديم الزى الرسمى للمنتخب الأوكرانى الذى سيظهر به فريقها أثناء بطولة أمم أوروبا 2020، والتى ستقام فى إحدى عشرة دولة أوروبية لأول مرة، احتفالا بذكرى انطلاق بطولة الأمم الأوروبية الستين، ربما لهذا السبب اعتقد المسئولون الأوكران أن اتحاد القارة العجوز سيتغاضى عن الشعارات القومية التى وضعها الأوكران على قميص المنتخب، وأرادت أوكرانيا استغلال الفرصة للإعلان عن قضايا تؤرقها وخاصة قضية استعادة روسيا للقرم، التى تعتبرها أوكرانيا أرضها منذ عام 1954 فقط. فقد قاد رئيس الاتحاد الأوكرانى أندريه بافيلكو والمدير الفنى للمنتخب أندريه شيفشينكو بتقديم الزى الرسمى للمنتخب الأوكرانى الذى جاء يحمل شعارات سياسية متطرفة وفق مسئولين روس، ففى قلب قميص اللاعبين يأتى شعار الدولة محاطاً بخارطة أوكرانيا بما فيها شبه جزيرة القرم، وهو ما أثار حفيظة الأجهزة الروسية التى تعتبر القرم جزءا لا يتجزأ من روسيا، ويعتقد المسئولون الأوكران أن وجود الخريطة سيعطى دفعة معنوية كبيرة للاعبين، بالإضافة إلى خارطة أوكرانيا كتب على القميص المجد "لأوكرانيا" و"للأبطال المجد"، وهو ما اعتبرته روسيا شعارات تحمل طابعا قوميا أوكرانيا، مشيرين إلى أن مدينة سان بطرسبورج إحدى المدن التى ستقام فيها مباريات البطولة، محذرين من صدامات قد تحدث بين المشجعين بسبب تلك الشعارات إذا ما قدر للمنتخبين أو حتى المنتخب الأوكرانى فقط، فى الأدوار قبل النهائية، اللعب فى سان بطرسبورج مما يهدد بفشل البطولة. شكل القميص الأوكرانى أثار حفيظة عدد من نواب البرلمان الروسى، فقد اتخذ النائب دميترى سفيشوف موقفا صارما من التصرف الأوكرانى قائلاً "الجميع يعلم أن القرم أرض روسية وعلى الاتحاد الأوروبى أن يرد على الإدعاءات الأوكرانية واصفاً التصرف الأوكرانى بأنه استفزاز سياسى". أما النائب نيكولاى فالويف بطل العالم السابق فى المصارعة فقد قال إنه بلا شك محاولة لتسييس الرياضة وهذا شيء غير جيد". هذا فيما يتعلق بوجود القرم فى خريطة على قميص المنتخب، وهو ما تغاضى عنه الاتحاد الأوروبى لكرة القدم، لكن القضية فى الشعارات والتى تمثل حساسية خاصة لروسيا، ويجب أن تمثل حساسية كذلك للأوروبيين الذين حاربوا ضد الفاشية على مدار الحرب العالمية الثانية 1939 1945، فعلى سبيل المثال شعار "المجد لأوكرانيا للأبطال المجد" يحمل فى طياته أغراضا سياسية تدركها روسيا وربما لا يعرفها الأوروبيون. فحسب المؤرخين الأوكران أن هذين الشعارين استخدما خلال فترة ما كان يعرف بالثورة الأوكرانية 1917 1921، لكن الشعار تجذر فى الثلاثينيات من القرن الماضى فى منظمة القوميين الأوكران بقيادة ستيبان بنديرا، الذى خاضت روسيا (الاتحاد السوفيتى حينها) حرباً ضد منظمته لما بعد الحرب العالمية الثانية بسنوات، وكان يحارب الجيش السوفيتى إلى جانب القوات الألمانية، وكأن المسئولين الأوكران ينكأون جراح الماضى ويذكرون بعداوات قديمة وحديثة حتى، مع أن الرياضة هى دعوة للسلام وليس لتصفية الحسابات. قواعد الاتحاد الدولى لكرة القدم تمنع منعاً باتاً أى شعارات سياسية تحت أى ظرف من الظروف، وكلنا شاهد ما فعله الاتحاد الدولى مع لاعب كرواتيا الذى أطلق شعارا يتعلق بتأييد أوكرانيا، فتم التحقيق معه وأعرب عن أسفه، خاصة وأن بطولة كأس العالم الماضى 2016 كانت مقامة فى روسيا، ولم يمض على أحداث القرم والدنباس فترة طويلة إذ جرت عام 2014. على أى حال تقدمت روسيا بشكوى للاتحاد الأوروبى لكرة القدم، الذى قرر أن تقوم أوكرانيا بحذف عبارة "للأبطال المجد" لأنه شعار فاشى قومى تعود جذوره للحرب التى كانت دائرة بين الاتحاد السوفيتى والقوميين الأوكران، ثم اندلعت من جديد بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تحالف القوميون الأوكران مع ألمانيا النازية ضد الجيش الأحمر وكان على هذا الأخير الاستمرار فى الحرب ضد القوميين الأوكران بعد الحرب العالمية بفترة طويلة. الاتحاد الأوروبى لكرة قرر كما ذكرت لم يتخذ قرارا بحذف شعار للأبطال المجد، واعتبر الخريطة، تعبيرا عن الواقع وتمثل وحدة الأراضى الأوكرانية المنصوص عليها فى الأممالمتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولى الخاصة بالقرم والدنباس. ومازال الاتحاد الأوكرانى يناقش الاتحاد الاوروبى للإبقاء على زى المنتخب الوطنى الأوكرانى كما هو. رغم إصرار روسيا على الطلب من الاتحاد الأوروبى لكرة القدم حذف شعار "للأبطال المجد" الذى تعتبره شعارا غير طيب بالنسبة لها يذكر بالقوميين الأوكران البغضاء الذين حاربوا الدولة السوفيتية لفترة ليست قليلة ولم يستقر غرب أوكرانيا إلا بعد انتهاء الحرب العالمية بعدة أعوام والذين الذين طردوا الرئيس الموالى لروسيا فى انقلاب عام 2014، ربما ذلك رغبة من روسيا فى عدم نكأ جراح الماضى، غير أنها، فى نفس الوقت، ودون قصد، أعادت قضية محورية بالنسبة لأوكرانيا إلى واجهة الأحداث عندما أشار بيان الاتحاد الأوروبى لكرة القدم إلى وحدة وسلامة الأراضى الأوكرانية، مدعماً أقواله بالقرارات الدولية ذات الشأن، على أى حال مازال هناك جدل حول عبارة "للأبطال المجد" حيث قال رئيس الاتحاد الأوكرانى لكرة القدم إن ملابس الفريق الأوكرانى قدمت للاتحاد ووافق عليها، وقال إن منتخب بلاده لن يلعب إلا مرتدياً هذا القميص وبنفس الشعارات. الآن المعضلة تكمن فى "ما العمل إذا شاءت ظروف المباريات ونتائجها أن يلتقى المنتخبان الروسى والأوكرانى فى مدينة ستن برطرسبورج، كثير من المراقبين يتوقعون إلغاء مثل هذه المباراة، غير أننى أثق فى شعب بطرسبورج الذى اعرفه جيداً بترفعه أمام مثل هذه الشعارات، على أى حال دورة الألعاب الأوليمبية طوكيو ليس ببعيدة، وهناك الاحتكاك بين اللاعبين أكثر وفى لعبات متعددة، وفرص اللقاءات وجها لوجه كبيرة وكثيرة، ما العمل، قولا واحداً أقول وهو أن السياسة دخلت فى الرياضة فى فضاء الاتحاد السوفيتى السابق، وأصبح من الصعب السيطرة على التعصب القومى، فهل يدرك السياسيون فى البلدين أن شعبين شقيقين تزداد المسافة الفاصلة بينهما. ويكفى أن نعرف بأن الجماهير الأوكرانية وكنوع من المكايدة لأشقائهم الروس قد توعدوا بأن يشربوا الجعة احتفالاً بكل هدف يدخل مرمى روسيا، ربما فعل الشعب الروسى نفس الشيء أثناء مباراة أوكرانيا مع هولندا. أسوأ عداء هو العداء بين الأشقاء فى ما لا يعرف حدود.