لم تكد الأزمة بين روسيا والغرب بصفة عامة تهدأ بسبب أزمة المدون الروسى اليكسى نافالنى ومطالبة الغرب بالإفراج الفورى عنه واتهام السلطات الروسية بتسميمه، حتى بدأت أزمة جديدة، عندما قامت السلطات البيلاروسية بإجبار طائرة تابعة لشركة "ريانير" الإيرلندية وعلى متنها معارض بيلاروسى يدعى رومان براتسيفيتش وصديقته روسية الجنسية صوفيا سباجين على الهبوط فى مطار العاصمة البيلاروسية مينسك. وأمام الصدمة ورد الفعل الأوروبى والغربى للقبض على براتسيفيتش وصديقته والمطالبة بالإفراج الفورى عنهما، ارتبكت السلطات البيلاروسية فادعت أنها تلقت خطاب بأن طائرة ريانير ملغومة ومن قام بذلك هى حركة حماس وكانت تطالب بالوقف الفورى للعدوان الإسرائيلى وتغيير الموقف الأوروبى من الحرب الدائرة فى غزة، لكن تبين أن الخطاب غير صحيح والإعلان عنه جاء بعد نصف ساعة من إجبار الطائرة القادمة من أثينا والمتجهة إلى فيلنوس عاصمة ليتوانيا على الهبوط فى مطار مينسك ببيلاروسيا، كما نفت حركة حماس أى علاقة لها بالخطاب، حيث تم القبض على رومان براتسيفيتش وصديقته وتم اقتيادهما إلى السجن. براتسيفيتش.. المعارض من المعروف أن براتسيفيتش هو رئيس تحرير موقع اليكترونى يسمى "نختا" ولعب دورا كبيرا فى الاحتجاجات الواسعة التى شهدتها بيلاروسيا عقب الانتخابات الرئاسية البيلاروسية العام الماضى، كما أن البالغ من 26 عاماً معروف بمواقفه المتطرفة من نظام الحكم فى بلده، حيث أن قناته كانت تقريباً الوحيدة التى تقوم ببث المظاهرات من كافة مدن بيلاروسيا، رغم قطع النت عن معظم الأنحاء، ويذكر أنه دعا المتظاهرين بالذهاب إلى القصر الرئاسى واقتحامه ودعا إلى قتل رجال الأمن، كما أنه تطوع للحرب فى منطقة الدنباس الأوكرانية كما يقول لمساعدة الإخوة الأوكران ضد روسيا وكان يرتدى كما أظهرت بعض الصور تحمل علامات ألمانيا النازية. هذه الأزمة جاءت عشية القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكى بايدن والروسى فلاديمير بوتين بعد فترة انقطاع وتراكم أزمات وتراشق بالكلمات المهينة بين الرئيس الأمريكى الجديد والرئيس الروسى، إضافة إلى تصديق البرلمان الروسى على إلغاء اتفاقية "السموات المفتوحة" ورفض الولاياتالمتحدة العودة لها، وهو ما أعربت الخارجية الروسية على لسان نائب الوزير لافروف عن أسف بلاده للموقف الأمريكى. تدهورت العلاقات تدهورت العلاقات بين واشنطنوموسكو لدرجة أنه لا يوجد سفراء للبلدين لدى بعضهما البعض، مما جعل نائب وزير الخارجية الروسى ريابكوف يصرح بأنه إذا اتفق الرئيسان على عودة السفراء سيعتبر إنجازا لهذه القمة، والكرملين نفسه أعلن أنه لا ينتظر الكثير من القمة، وأن موسكو لن تطلب إلغاء العقوبات المفروضة عليها من واشنطن. فى هذه الأجواء الملبدة بالغيوم، وفى الوقت الذى بدأ فيه الغرب يستسلم لمسألة أن نافالنى سوف يقضى محكوميته وبدأ الغرب يعتبر حبس نافالنى أمرا واقعا، إذ بالرئيس البيلاروسى لوكاشينكو يتسبب فى أزمة جديدة بين الاتحاد الأوروبى وروسيا ومن ثم بين الولاياتالمتحدة حليفة بروكسلوروسيا. واشنطن طالبت بالإفراج الفورى عن براتسيفستش، وبالطبع هاجمت ما اعتبرته عملية قرصنة هددت حياة الركاب المدنيين للخطر، وهو الأمر الذى ردت عليه روسيا بأمثلة كثيرة قامت بها الولاياتالمتحدة منها على إجبار طائرة الرئيس البوليفى إيفو موراليس على الهبوط، وعزمها على أجبار الطائرة التى تقل عميل المخابرات الأمريكية المنشق سنودين على الهبوط فى الولاياتالمتحدة وغيرها كثير من الأمثلة. حصار خانق الاتحاد الأوروبى الذى تتبع الطائرة التى أجبرت على الهبوط لإحدى الدول وهى إيرلندا، فرض عقوبات جوية على بيلاروسيا بمنع الطائرات البيلاروسية من التحليق فى دول الاتحاد، مما فرض حصارا خانقا على حركة الطيران من وإلى بيلاروسيا، ولم يبق أمامها سوى المطارات الروسية وخسرت مينسك أكثر من مليار ونصف المليار دولار كانت تحصل عليها نتيجة موقعها الفريد فى وسط أوروبا عن عبور الطائرات الأوروبية عبر أجوائها، هذا بالطبع بالإضافة إلى عقوبات أخرى على بعض المسئولين والشركات البيلاروسية، وبناء على ذلك هرع الرئيس لوكاشينكو إلى روسيا للقاء الرئيس بوتين ليشرح له ظروف إجبار الطائرة الإيرلندية على الهبوط، ومن ثم القبض على المعارض البيلاروسى. فى تقدير الخبراء أن روسيا قدمت قروضا كثيرة، وكانت ومازالت تمنح مينسك المحروقات بأسعار استثنائية، باختصار بيلاروسيا مرتبطة بحبل سرى مع روسيا إذا انقطع هذا الحبل فإن الاقتصاد البيلاروسى سينهار على الفور، وقد حاولت روسيا منذ فترة أن تقيم وحدة اندماجية مع بيلاروسيا، لكن هذه الأخيرة تراوح مكانها دون أن تقدم على خطوة فى هذا الاتجاه، بل يقوم الرئيس لوكاشينكو بتقديم إغراءات للغرب على غرار مثلاً أنه لم يعترف بالقرم كجزء من روسيا مجاملة للاتحاد الأوروبى والولاياتالمتحدة، بل أن بلاده ترفض شراء أى سلع مصنوعة فى القرم تطبيقاً للعقوبات التى تفرضها واشنطن على روسيا. فى نفس الوقت يهدد الغرب بأنه فى حال الضغط عليه سيسعى لاستضافة الصواريخ الروسية النووية والتكتيكية فى بلاده لتصبح فى قلب أوروبا، ويقول لروسيا أنه لو سقط نظام حكمه سيأتى الناتو على الفور وأن تهديد روسيا سوف تزاداد وتيرته وأنه حامى روسيا من جهة الغرب، ولو جاء نظام أخر ستسقط هذه النظرية الأمنية. تهدئة الأوضاع روسيا عشية القمة مع الولاياتالمتحدة تحاول تهدئة الأوضاع، وتحاول التقليل من التصعيد الأوروبى عندما أعلن الكرملين أن الأمر لا يستحق كل هذا التصعيد، وأن الأمر عادى ويحدث وحدث من قبل لكن الغرب يشعر بالإهانة من أعمال هو قام بها، رئيس الوزراء الروسى ميشوستين دعا لعدم تسييس الحادث، وفى نفس الوقت حاولت موسكو أن توحى للغرب بأنها من الممكن أن تصعد وتتخذ نفس الموقف الذى اتخذه الغرب مع بيلاروسيا عندما منعت طائرة تابعة للخطوط الفرنسية من الهبوط بأحد مطارات موسكو، بل ومنعت طائرة نمساوية، ما يعنى أن موسكو تؤكد على تحالفها مع بيلاروسيا وتظهر تشددا فى مواقفها قبيل القمة، أو أنها تريد المزيد من التنازلات من واشنطن خاصة وأن الأخيرة رفعت العقوبات عن بناء خط أنابيب الغاز السيل الشمالى 2، تحت دعوى أنها تريد مد جسور الثقة مع حلفائها الأوروبيين وخاصة المانيا، وهى من أكثر الدول غضباً بسبب تصرف الرئيس البيلاروسى. هل تضغط روسيا للإفراج عن رومان براتسيفيتش مقابل غلق ملف نافالنى الذى يئس الغرب من المطالبة بالإفراج عنه، واكتفت روسيا بأن أعلنت أن ظروف حبسه ممتازة وأن تعافى بعد أن فك الإضراب، أو على الأقل لكف الرئيس بايدن عن الحديث عن نافالنى. بالمناسبة والقمة هى مثار حديث العالم، حدثت اشتباكات بين أذربيجان وأرمينيا أسفرت عن إصابة جندى أذرى، وقامت أذربيجان بأسر 6 جنود أرمن قرب الحدود، وأى كانت أسباب الحوادث إلا أنها تظهر روسيا أمام العالم بأنها غير مسيطرة فى جنوب القوقاز وفى وسط آسيا، خاصة أن هناك حديثا عن إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية فى أوزبيكستان بعد الانسحاب من أفغانستان.