اتحاد كرة اليد يعلن برنامج مباريات الفراعنة الودية استعدادا لأولمبياد باريس    المشدد 5 سنوات لعامل هدد فتاة وابتزها بنشر صور مخلة لها في شبرا الخيمة    مراسل القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تواصل قصف مدينة رفح ومخيم النصيرات    معيط: نستهدف بناء اقتصاد أقوى يعتمد على الإنتاج المحلي والتصدير    تعاطف دولى مع فلسطين رغم فداحة الثمن    هالاند يقود هجوم منتخب النرويج فى مواجهة الدنمارك وديا    «المصريين»: العلاقات بين مصر وأذربيجان شهدت طفرة بعهد الرئيس السيسي    تقارير: باريس سان جيرمان يتفاوض لضم أوسيمين    تقارير: حارس درجة ثانية ينضم لمران منتخب ألمانيا    على فرج يتأهل إلى نهائى بريطانيا المفتوحة للاسكواش    معلومات حول أضخم مشروع للتنمية الزراعية بشمال ووسط سيناء.. تعرف عليها    حُكم لصالح الدولة ب12 مليون جنيه من شركة دمرت الشعاب المرجانية بالغردقة    رئيس الشؤون الدينية بالحرمين: نستهدف توزيع مليون مصحف مترجم خلال موسم الحج    كلية الزراعة بجامعة القاهرة تحصل على شهادة الأيزو    اعتزال شيرين رضا .. حملة إعلانية    انطلاق فعاليات حفل توقيع ومناقشة «أنا وعمي والإيموبيليا» للروائي ناصر عراق    وزيرة الثقافة تُشارك في حلقة نقاشية بالمجلس القومي لحقوق الإنسان حول    دعاء النبي في العشر الأوائل من ذي الحجة.. أدعية مستجابة لمحو جميع الذنوب (الكوامل الجوامع)    الصحة: استحداث خدمات طبية جديدة بمستشفى العلمين النموذجي خلال 2024    دروس من سيرة ملك القلوب    10 أسماء.. قائمة الراحلين عن الأهلي بنهاية الموسم    كيف تحصل على تعويض من التأمينات حال إنهاء الخدمة قبل سداد الاشتراك؟    يوسف أيوب يكتب: الحكومة الجديدة أمام مهمة صعبة    وزير العمل يشدد على التدخل العاجل لحماية حقوق العمال ضحايا الإحتلال في فلسطين    مصر تدين بأشد العبارات الاعتداءات الإسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    #الامارات_تقتل_السودانيين يتصدر "لتواصل" بعد مجزرة "ود النورة"    المعاهد النموذجية تحصد المراكز الأولى في الابتدائية الأزهرية بالإسماعيلية    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية الأزهرية بشمال سيناء    آخر تحديث لإيرادات فيلم السرب بالسينمات المصرية    سناء منصور تحتفي بنجيب الريحاني في ذكرى وفاته: «كوميديان نمبر وان»    قائمة أفلام عيد الأضحى 2024.. 4 أعمال تنافس في شباك التذاكر    محافظ الشرقية يشارك في اجتماع المعهد التكنولوجي بالعاشر    «الإفتاء» توضح حكم صيام عرفة للحاج    ما حكم طواف الإفاضة قبل رمي جمرة العقبة؟.. «الإفتاء» تجيب    وزير التعليم يتسلم نتيجة مسابقة شغل 11 ألفا و114 وظيفة معلم مساعد فصل    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية دمشاو هاشم لمدة يومين    لماذا يحتاج الجسم لبكتريا البروبيوتيك؟، اعرف التفاصيل    أنباء عن هجوم بمسيرة أوكرانية في عمق جمهورية روسية    العثور على 5 جثث في منطقة جبلية بأسوان    في خدمتك | تعرف على الطريقة الصحيحة لتوزيع الأضحية حسب الشريعة    فتاة بدلا من التورتة.. تفاصيل احتفال سفاح التجمع بعيد ميلاده الأخير    المشدد 5 سنوات لمتهم في قضية حرق «كنيسة كفر حكيم»    انطلاق مهرجان نجوم الجامعات    وزير الأوقاف: لا خوف على الدين ومصر حارسة له بعلمائها وأزهرها    وليد الركراكي يُعلق على غضب حكيم زياش ويوسف النصيري أمام زامبيا    هيئة الدواء في شهر: ضبط 21 مؤسسة غير مرخصة ومضبوطات بأكثر من 30 مليون جنيه    وزيرة التخطيط تبحث سبل التعاون مع وزير التنمية الاقتصادية الروسي    أخبار الأهلي : مفاجأة ..ميسي قد يرافق الأهلي في كأس العالم للأندية 2025    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    راديو جيش الاحتلال: تنفيذ غارات شمال رفح الفلسطينية مع التركيز على محور فيلادلفيا    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص على زراعى البحيرة    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    النائب علي مهران: ثورة 30 يونيو بمثابة فجر جديد    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نواصل نشر رواية الأديبة الكبيرة الدكتورة/ جمال حسان
نشر في الأهالي يوم 24 - 03 - 2021


بورفؤاد 1973
———————————
الفصل الثالث
بورسعيد مرة ثانية….حرب الإستنزاف
بعد إنتهاء معسكر التدريب بإنشاص عادت الكتيبة إلى قطاع بورسعيد فى يناير 1969 . هذه المرة إحتلت موقعها على شاطئ قناة السويس جنوب بورسعيد فى المنطقة الممتدة من علامة كم 7 وحتى كم 22 ترقيم قناة السويس.
فى نفس الشهر تم إرسال يسرى وعدد من الزملاء إلى القاهرة للحصول على فرقة فى معهد دراسات الحرب الجوية بألماظة. عاد لفصيلته فى موقعها أمام النقطة الثالثة للعدو على خط بارليف من الشمال وذلك عند علامة كم 18.800 .
فى تلك الفترة عاد يزور الحاجة وأسرة راضى وكثيرا ماجاء معه بهدايا حملتها إياه والدته فى كل إجازة من الجبهة بعدما حدثها عن كرم ذلك البيت مع سريته.
ثم تغير الموقف على الجبهة بعد ذلك تماما وبالتحديد من صباح 8 مارس 1969 فيما تعرفه الوثائق والخبراء العسكريون بالمرحلة الثالثة من مراحل حرب الإستنزاف. إمتدت تلك الفترة حتى أغسطس من نفس العام.
ومن واقع السجل التاريخى والأحداث الموضوعية لفترة السنوات الست السابقة على حرب أكتوبر نقرأ 4 مراحل:
مرحلة الصمود: من يونيو 67 إلى أغسطس 68
مرحلة الدفاع النشط: من سبتمبر 68 إلى فبراير 69
مرحلة الإستنزاف: من مارس 69 إلى أغسطس 70
مرحلة إيقاف النيران من أغسطس 70 إلى أكتوبر 73
فى يوم الثامن من مارس 1969 إنطلقت مدافع 24 كتيبة مدفعية مصرية من مختلف الأعيرة ومئات من مدافع الدبابات تدك حصون القوات الإسرائيلية وتمركزاتها الحصينة على طول خط بارليف لمدة 5 ساعات متواصلة.
وقد بدأ العدو بإنشاء هذا الخط المنيع بعد حرب 1967 مباشرة وإستمر فى تدعيمه وتحسينه طوال 1968. إستغلت إسرائيل فى إقامة الجدار الأمامى للخط الدفاعى ماهو موجود على الضفة الشرقية للقناة من ساتر ترابى ناتج عن عمليات التطهيربإرتفاع حوالى 6 أمتار. ثم أضافت له حتى صار بإرتفاع يتراوح بين 15-25 متر ويلامس حافة القناة بزاوية ميل حادة تزيد عن 45 درجة. مما جعله حائطا قائما يصعب إرتقائه كما تراوح عمقه إلى الشرق أكثر من 20 مترا مترمما يصعب من عملية إنشاء فتحات فيه فيتعذر إجتيازه.
ثم أقامت إسرائيل فى باطن الساتر الترابى الهائل حصونا هندسية كأنها قلاعا معقدة. يتكون كل حصن من عدة نقاط قوية مشيدة وغائرة فى باطن الأرض وفوقها طبقات متعددة من الأحجار المعبأة فى سلال من الأسلاك محملة على كمرات سميكة من الحديد تغطيها طبقات كثيفة من الأتربة. مع ترك فتحات محدودة للتهوية ومزاغل للأسلحة على المحيط الدائرى للنقطة. كما زودت بأبواب حديدية لإغلاق النقط القوية على المدافعين وقت الإشتباكات.
كل حصن يحيط به نطاقات من الأسلاك الشائكة تفصل بينها حقول ألغام كثيفة. وتحتوى كل نقطة على أماكن للمبيت ومخازن وغرف عمليات محمية من كافة أنواع النيران الثقيلة وبها جميع وسائل الإقامة والترفيه والإعاشة المريحة لمدة شهر من الحصار. زودت الحصون بأجهزة إنذار وأشراك خداعية لكشف أى تسلل أو محاولة للإقتراب. كما أن بعض النقط القوية قد زودت بمواسير متصلة بخزانات النابالم لإحالة صفحة القناة إلى جحيم مستعر إذا مافكر المصريون فى العبور.
كان الخط الأول الممتد على طول الضفة الشرقية لقناة السويس يضم 22 حصنا بها 31 نقطة قوية ويحتوى على مرابض دبابات وعدد من أبراج المراقبة على قمة الساتر.
لكن التجهيز الهندسى لخط بارليف كان يمتد شرقا ليكون الخط الثانى على مسافة 6-8 كم من القناة على أجناب الطرق الرئيسية وهو مجهز بحصون قوية تحتله مراكز القيادة التكتيكية. ثم خط ثالث على مسافة 10-12 كم يشمل مرابض المدفعية ثم خط رابع على مسافة 25-30 كم شرق القناة لتمركز الإحتياطيات التعبوية.
أحدث قصف مدفعيتنا خسائر كبيرة فى صفوف العدو منها إسكات 20 بطارية مدفعية كانت تتصيد جنودنا على مدار الفترة السابقة.
فى صباح 9 مارس 1969 توجه الفريق أول عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة ليتفقد الجبهة بعد موقعة اليوم السابق التى أبلت فيها المدفعية المصرية بلاءا حسنا. لكنه أصيب بإحدى قذائف المدفعية الإسرائيلية وسقط شهيدا فى ذلك اليوم الحزين.
أحدث إستشهاده ردود فعل حزينة غاضبة فى كل ربوع مصر وشهدت جنازته تأججا فى المشاعر الوطنية التى صهرت الكل فى بوتقة واحدة تغلى بنداء الحرب والثأر لجميع شهداء الوطن.
أصبح يوم 9 مارس من كل عام مناسبة وطنية فى مصر تحتفل فيه بيوم الشهيد لتمجيد بطولات الفداء فى جميع حروب مصر الحديثة وتكريم أسرهم.
داخل الخنادق كان الألم عنيفا والأنفاس ثقيلة والتصميم مضاعفا على الثأر لدم هذا القائد العظيم وكل الأبطال الذين سبقوه و قهر العدو مهما كانت التضحيات.
فى تلك الليلة لم يتمالك أحد جنود الفصيلة نفسه فانفجر فى النشيج. ذهب إلى يسرى فى خندقه – إحنا ساكتين إزاى؟ ليه مانفتحش النار على الأوباش دول؟
– لأن ماصدرتش لنا أى أوامر.
قال الجندى فى تأثر – دى كبيرة قوى…يعنى عاركبير… يقتلوا رئيس الأركان ونسكت.
لم يطل الإنتظار.
عادت مدفعيتنا تدك مواقع العدو وأحدثت بها خسائر فادحة مما أجبر قيادة الجبهة الإسرائيلية إلى تغيير القوات المدافعة عن القناة وإحلال قوات من المظليين بدلا منها. أثناء تغيير القوات شنت المدفعية المصرية هجوما كثيفا على أحد أرتال الذخيرة مكون من 13 عربة لورى فأصابتها إصابة مباشرة وظلت العربات تنفجر ليوم كامل.
فى لحظات التحدى يولد أناس جدد من كل خلية بشرية فى أرض مصرأقدم مجتمع حضارى مستقر. حيث التاريخ يمدنا بوثائق ونصوص عن الجيش المصرى إبان عصر الدولة القديمة(3200 ق.م.) فيها كانت الخدمة فى الجيش شرف والتجنيد يشمل جميع أبناء البلاد دون تمييز.
لاشئ أثمن من تراب الوطن.
لاشئ أشرف من الإنتماء لجيش البلاد.
لاشئ يعلو فوق التحدى وقت الخطر.
فى يوم 13 مارس 1969 صعدت القوات المصرية من عملياتها حيث قامت إحدى وحدات الصاعقة بالإغارة على نقطة قوية للعدو جنوب منطقة البحيرات فقتلت عددا كبيرا من قواته وخطفت اسيرا وإستولت على كمية من الأسلحة والألغام.
فى نفس الليلة حاولت القوات الإسرائيلية القيام بعملية ممائلة شمال السويس فقوبلت محاولة العبور بنيران كثيفة من قواتنا وأغرقت أفرادها.
حولت القوات الإسرائيلية نيرانها تجاه الأهداف المدنية فى مدن القناة فقصفت قطار سكة حديد عند منطقة الشلوفة شمال مدينة السويس.
تصاعدت الإشتباكات بجميع أنواع الأسلحة (المدفعية \الرشاشات) على طول نقط المواجهة مع المحتل الغادر الذى بدأ فى إقحام قواته الجوية (القوة الضاربة الرئيسية له) فى المعركة.
إكتشفت القوات المصرية أن العدو بعد دك حصون خط بارليف راح يحصن دفاعاته ثانية على إمتداد القناة. قامت دفاعات الجيش الثانى الميدانى بضرب مزاغل التحصينات الإسرائيلية بالدبابات الثقيلة.
دوى المدافع لايهدأ.
طائرات العدو تهرب وطائراتنا تمرق وراءها ثم تحوم عائدة.
الدخان يتصاعد على الضفة الشرقية للقناة.
فى إحدى القرى القريبة من خط النار صاح صبى من أولاد الفلاحين فرحا – تعال شوف يابا وإملا عينيك…أهى النار والعة عند الملاعين الصهاينة.
بعد قليل أعلن الراديو عن إشتباك قرب القنطرة. والجالسون فى الخنادق يتكومون حول جهاز الترانسستور يرهفون السمع.
إرتدى يسرى معطفه الصوفى وأحكم إغلاق أزراره حتى الرقبة ليحمى بدنه من برودة مفاجأة من إتجاه قناة السويس. منذ أيام أصيب بشظية فى ساقه وأدخل لمستشفى بورسعيد العسكرى. عاد مباشرة بعد تعافيه للفصيلة ولم يخبر أحدا من أسرته.
سأله الطبيب – مارأيك فى 3 أيام أجازة تزور أسرتك وترتاح.
دون تردد قال – لأ.هنا أفضل.
قال هذا وكور جسده المكدود تحت البطانية مع صور أشلاء وبقع دماء لم تجف فى الخنادق حوله.
كيف لقلب أمه الضعيف أن يتحمل.
يكفيه أنها لم ترفض له طلبا واحدا فى حياته.
عندما حصل على الثانوية العامة عام 1964 وعمره 17 سنة أصر على التقدم للكلية الحربية ولم تعترض. أيضا تقدم لمكتب تنسيق القبول بالجامعة.
فى فترة إستعداده لإختبارات القبول كانت بنفسها تعد برنامجا غذائيا له وتحفظ عن ظهر قلب خطة التدريب الرياضى يوما بيوم.
عندما عاوده الحنين لذلك الأمل الذى لم يتحقق فى أول مرة وتقدم للمرة الثانية فى دفعة أكتوبر 1965 لم تعترض. وإن سقط قلبها بين ضلوعها فهو وحيدها الذى تحبه بجنون.
لم يكن أمامها سوى أن ينجح فى تلك المرة وينال أمنيته. على باب غرفته يلصق ورقة بها خطة تفصيلية لمواعيد إستيقاظه وخطة تدريب كل يوم ويترك لها إختيار قائمة طعامة فهى تعرف جيدا ذوقه لأطايب الطعام.
يتأملها زوجها ويغمغم مداعبا – يعنى إزاى تتوقعى إنه يتحمل الحياة العسكرية مع كل الدلع ده؟
ترد بصوتها الرقيق – هنا عندى شئ وهناك شئ آخر.
على الجبهة تدور رحى الحرب يوميا؛ عشرات الطائرات ومئات الغارات والآف القنابل تنفجر هنا وهناك.
العدو يركز ضرباته الصاروخية على مواقعنا غرب بورسعيد وفى يوم 18\4\69 قام بقصف عربات شركة النيل العامة للنقل فى بورسعيد.
فى اليوم التالى إبتداء من السابعة صباحا ردت قواتنا ودمرت له مركبات ودبابات كثيرة على طول المواجهة.
فى تلك الأونة بدأت الدولة فى تهجير سكان مدينتى بورسعيد وبورفؤاد. توقف التواصل بين يسرى وأسرة أحمد راضى.
فى كل ليلة تعبر وحدة من قواتنا الخاصة تدمر معدات العدو وتقتل وتأسر جنوده ثمن تراب الأرض الطاهرة وتجدد القسم لتحريرها.
فى ليالى العبور تبقى جميع الوحدات والأسلحة على أتم إستعداد حتى الصباح وحتى تنتهى قواتنا الخاصة من تنفيذ مهمتها.
يسرى ورجال كتيبته لايبعدون سوى 150 مترفقط عن الضفة الشرقية.
فى يوم الأحد20\4\69 عبرت داورية قوامها ملازم و13 فرد وقاموا بعمل كمين لدبابتين للعدو. دمرت أحدهما بلغم والثانية بنيران ربى جى وعادت الداورية سالمة.
فى اليوم التالى عبرت داورية أخرى من ملازم و12 فرد وعملوا كمين لإحدى داوريات العدو فقتلوا له 5 أفراد وعادت الداورية سالمة.
فى صباح الثلاثاء 22\4\69 إستشهد رقيب أثناء وجوده بالموقع بنيران رشاش نصف بوصة للعدو. قامت قوة الموقع بالرد الفورى والقضاء على فرد الرشاش . توقفت داوريات العبور لزيادة نشاط داوريات العدو وتكثيف المراقبة على طول شاطئ القناة.
خيم صمت مشحون بالقلق على الجبهة حتى ظهر الأربعاء 23\4\69 ثم إندلعت إشتباكات عنيفة بجميع أنواع المدفعية والأسلحة الثقيلة وإستمرت حتى المساء. تأجل عبور الداورية وجاءت أوامر ليسرى بتسلم موقع قيادة السرية فى كم 8 من زميل سيقوم بأجازته باكر.
لم تحدث إشتباكات يوم 24\4\69 وقامت داورية بالعبور لكن إحدى داوريات العدو المتحركة على الشاطئ الشرقى رصدتها فى الواحدة صباحا وأطلقوا نيرانا كثيفة من الرشاشات على القارب فأغرقوه وأصابوا ملازم وعدد من الجنود وإستشهد إثنان من رجال الداورية. عاد الباقون سباحة بعد أن سترتهم قواتنا بالنيران. حتى الفجر إستمروا يبحثون عن جثث الشهداء دون جدوى.
فى يوم الجمعة 25\4\69 دوت أصوات إشتباكات بالمدفعية الثقيلة جنوبا فى منطقة الحرش والقنطرة وفى الليل قامت داورية لنا بالإبرار البحرى فى رمانة شرق بورفؤاد ونصبت كمينا وكبدت العدو خسائر فادحة.
فى 27\4\69 إستشهد جنديان من أطقم المدفعية المعاونة فى موقع يسرى وفى تلك الليلة لم ينم .
فى الليلة التالية أيضا لم يغمض له جفن وسماعة التليفون الميدانى لاتفارق أذنه ثانية. حيث كان نائبا لقائده الذى نزل أجازة والسرية فى حالة إستعداد قصوى لتأمين قول من العربات الإدارية لإمداد منطقة التينة كم 25 جنوب بورسعيد. نجحت المهمة فى تأمين إمداد منطقة التينة بحوالى 14 عربة تحمل مؤن وذخائر وجاءت بعض التجهيزات للسرية من المؤخرة فى المساء.
فى يوم 29\4\69 قامت القوات الإسرائيلية بإغارة على محطة محولات نجع حمادى وأسقطت عبوات زمنية قرب مدينة إدفو أصابت عددا من المدنيين. كان إنتقاما خسيسا ومحاولة من إسرائيل لإيقاف أعمال التدمير التى تمارسها القوات المصرية ضد خط بارليف وقوات العدو شرق القناة. حتى تلك اللحظة كانت قواتنا تكبد العدو خسائر كبيرة وتدمر فى تحصينات الخط المنيع بما يقدر من 60% من حجمه.
فى أجازته القصيرة حرص يسرى أن يزور ويتواصل مع كل مايمكنه من أقارب وأصدقاء فإحتمال الإستشهاد وارد وقائم طول الوقت.
الإصابة تحدث كثيرا … والأسر أيضا.
كما حرص ألا يتحدث مطلقا مع أسرته عن ظروف الجبهة .
فى أول يوم إستراح لساعات طويلة ثم جاءه على العشاء أحد زملاء الدفعة وإستمعوا مع الأسرة إلى خطاب الرئيس عبد الناصر فى أول مايو 69.
بدأ يوم الأجازة الثانى بزيارة لمستشفى كوبرى القبة العسكرى للإطمئنان على الجرحى من كتيبته. تناول الغذاء فى بيت جده ثم سافر لزيارة خاله فى إحدى مدن الدلتا ثم قضى الليل فى بيت جدته بالقرية القريبة ثم زار أحد زملائه بالحربية فى الصباح قبل أن يمر على بنها لزيارة عدد من الأصدقاء. جهز حقيبته للسفر عائدا إلى بورسعيد وفيها فطيرة لزملائه صنعتها أخته بمناسبة عيد ميلاده الثانى والعشرين.
ضحكت بعينيها الزرقايين – عقبال 100 سنة من حقك تأكلها لوحدك ياأبيه.
– ماأقدرش وماينفعش كمان.
– يبقى تشيل معاك طبق كنافة.
– ممكن.
– الزيارة الجاية لك عندى مفاجأة برضه من صنع إيديه.
سرت فى جسده قشعريرة وإبتسم رغما عنه – ممكن تغششينى النهارده؟
– وتبقى مفاجأة إزاى؟
قبل ساعة إختلى بنفسه فى غرفته.
تأمل لوحة متوسطة الحجم بألوان الزيت على الحائط للنهر والنخيل وألوان الغروب. وأخرى من القطيفة السوداء مطرز عليها بالخرز المذهب وخرج النجف (إن ينصركم الله فلاغالب لكم) من أشغال إخوته البنات فى دروس التربية الفنية بالمدرسة.
فوق مكتبه دفترين: أحدهما مدون به أسماء وعناوين وتليفونات الأقارب والأصدقاء والزملاء. والثانى به قائمة طويلة بأسماء أغانى أم كلثوم والتفاصيل الخاصة بكل أغنية من كلماتها ومؤلفها وملحنها وتاريخ تغنى الست لها أول مرة.
بسرعة رتب أدراج المكتب بما فيها من أوراق وكتب ومجلات و لم يغلق الأدراج بالمفتاح كما تعود. هذه المرة سيترك كل شئ متاحا حتى لو عبثت به أيدى البنات فكل منهن "سوسة قراءة" كما يدعوهن.
أخته الثانية تستعد لإمتحانات الثانوية العامة والثالثة فى الإعدادية والرابعة فى الإبتدائى.
نادت عليه أمه تسأله عن الغيارات التى تضعها فى حقيبته. أبوه تشاغل بالجريدة يفردها ويطويها لكن نظرات القلق فى عينيه خطفت قلبه.
جاءت أمه بحقيبة ثانية أصغر – شوف ياحبيبى …كل الأكل هنا. الحمام لوحده والفراخ لوحدها والمحشى لوحده. والكنافة مع الكيك لوحدهم.
– كتير قوى ياماما شايل مطبخ معايا فى الأتوبيس.
– ياحبيبى ماإنتم كتير هناك وتلاقيكم كلكم ضعاف من قلة الأكل.
لم يكن فى حاجة إلى الكثير من الذكاء ليرى أنها تبذل جهدا خارقا للتحكم فى مشاعرها. لمحها تبكى بمفردها أكثر من مرة.
بعد ساعات إستقل أتوبيس الساعة الخامسة مع عم شوقى السائق الذى كان يمر على موقعه بمنطقة الجميل قبل ذلك.
عند وصوله إلى بورسعيد علم أن أحد زملائه قد أصيب أثناء فترة أجازته فقام بزيارته بمستشفى بورسعيد العسكرى وعاد لموقعه عند منتصف الليل.
فى اليوم التالى الإثنين 5\5\69 حاول العدو الساعة 12 ظهرا ولأول مرة أن يقصف وابور المياه ببورسعيد ومنطقة الرسوة جنوب المدينة مباشرة وفناطيس البترول.
ردت مدفعيتنا بعنف وإستطاعت إسكاته وإفشال محاولته وإستمرت الإشتباكات متقطعة بقية النهار وحتى وقت متاخر من الليل.
تكررت محاولات العدو فى اليوم التالى لقصف نفس الأهداف مرة أخرى بل وقصف مدينة بورسعيد نفسها وردت مدفعيتنا عليهم وأسكتت نيران مدافعهم وإستمر التراشق بالمدفعية طوال الليل.
فى يوم الأربعاء7\5\69 بدأت إشتباكات المدفعية من 11 صباحا وحاول العدو قصف نفس الأهداف وإمتد القصف مساء لشرق مدينة بورفؤاد. ردت مدفعيتنا الساحلية ببورفؤاد وأسكتت مدفعية العدو ثم عادت الإشتباكات حتى المساء.
عند منتصف الليل قصف العدو مواقعنا بمنطقة كم 10 بالمدفعية الثقيلة وعلى مدى اليوميين التاليين وأصيب عدد من جنود يسرى فأشرف على نقلهم لبورسعيد فى المساء.
عاد العدو من الخامسة مساء الجمعة 9\5\69 إلى قصف وابور المياه وخزانات البترول فى بورسعيد لشل المدينة ولم تحدث خسائر تذكر.
فى اليوم التالى نقل العدو القصف لمناطق شرق بورفؤاد ومواقعنا غرب القناة من جنوب بورسعيد وحتى القنطرة (45 كم جنوبا).
زاد القصف بمعاونة الطائرات المعادية لضرب خزانات بورسعيد دون جدوى.
لم ينم أحد فى الموقع حتى الفجر.
توقف القصف عند الثانية ظهرا وأمطرت السماء بصورة متقطعة صحبتها موجة رياح وغيوم كثيفة.
عند نهاية النهار قال يسرى لجنوده – الليلة هاناكل سمك.
فطن أحدهم للخطة فهتف – خطر ياأفندم.
فى الموقع وكل موقع الرجال صامدون فوق أرض ملتهبة و تحت سماء تلقى الموت فوق كل شبر بلاحساب. نسوا الحياة ونسوا الموت ونسوا أنفسهم. حتى من يذهب فى أجازة بين أهله لايصدق أنه سيراهم ثانية ولايعرف كيف يعيش كما الناس.
أخرج يسرى عدة لصيد السمك كانت معه وتخفى فى سروال قديم وجلباب بلدى.
توجه لمنطقة كم 7 جنوب بورسعيد على شاطئ القناة أمام السفينة مكة التى كنا قد أغرقناها بعرض قناة السويس بعد يونيو 67 وذلك لسداد المدخل الشمالى للقناة.
قبل آخر ضوء عاد لفصيلته فى كم 10 ومعه 3 سمكات دينيس.
بعد 3 أيام أى فى الأربعاء 14\5\69 حلقت طائرات العدو بكثافة فوق سماء بورسعيد مع قصف مركز بالمدفعية.
كما حاول العدو التسلل لغرب القناة ب 3 قوارب زودياك من المنطقة شمال الكاب كم 30 جنوب بورسعيد لكن قواتنا قصفت القوارب وأحبطت المحاولة وقتلت بعض أفراده.
إستمر الدمارحيث أسقطت طائرات العدو قنابل زنة 1000رطل على مواقعنا وأيضا على الطريق الأسفلتى بجوار القناة والذى عرف بطريق المرشدين.
أدى ذلك لتدمير الطريق تماما وكان يفصل بين القناة وترعة الإسماعيلية التى تحمل المياه العذبة لمدينة بورسعيد. وعليه تسربت مياه الترعة للقناه لأن منسوب المياه بالترعة كان أعلى من منسوبها بالقناة.
فى خلال أيام قليلة لم يتبق من مياه ترعة الإسماعيلية شئ سوى بعض البرك الصغيرة فى قاعها. إضطر الجنود لإستعمال الماء القليل فى الترعة بغمر فانلاتهم ثم عصرها فى أوانى للحصول على مياه الشرب.
فى فترة لاحقة أمدتهم الوحدات التى يتبعونها بحبوب معينة يضيفوها للأوانى لتطهير تلك المياه.
فى غضون أيام توقف إمداد محطة مياه بورسعيد بالمياه العذبة وإنقطعت المياه عن المدينة وتم للعدو ماأراد.
إستمر قصف العدو لمواقعنا بالقنابل من نفس العيار وزاد عليه طريق بورسعيد الإسماعيلية الزراعى والذى كان مستهدفا منذ بداية الحرب ومنعت كل تحركات الأفراد والعربات فوقه.
قامت وحداتنا بحفر خنادق للمقاتلين تحت السور المبطن للقناة من ناحيتنا كملجأ وطريق يتحركون خلاله بين القوات المرابطة على خط المواجهة.
قصفت طيران العدو كوبرى الجميل غرب المدينة وهو الذى يصل بين بورسعيد والطريق المؤدى لدمياط وكان ذلك هو المنفذ لعمليات الإمداد والإخلاء والإجازات. بالطبع كان الهدف هو إحكام الحصار على مدينتى بورسعيد وبورفؤاد من جهة الجنوب والغرب بكل الوسائل.
باتت المدينة شبه محاصرة.
إستشعرت قيادة قطاع بورسعيد بالخطر من محاولات العدو عمل إنزال بحرى لإحتلال المدينة أو أى عمليات تخريب أخرى.
بدأت المدينة فى الإعتماد على مخزونها من الإحتياطيات المختلفة. وأصبح من الضرورى تقييد الإستهلاك فى كل شئ وإيقاف التحركات عدا الضرورى جدا منها وعلى أن تتم ليلا وبدون أنوار.
تم تأجيل نزول الأجازات إلا فى أضيق الحدود.
وكانت فترة معاناة شديدة.
سقط شهداء كثيرون يواورن التراب بجوار زملائهم فى المواقع لتعذر إخلاؤهم لمقابر الشهداء ببورسعيد. الجرحى يعالجون فى المواقع والحالات الخطيرة فقط يتم إخلاؤها ليلا لبورسعيد وبصعوبة بالغة سيرا على الأقدام. حتى تلك الوسيلة فهى غيرمأمونة لأن العدو يستخدم أجهزة رؤية ليلية ومواقعه ونقاطه القوية مرتفعة عنا فكل تحركات رجالنا مرصودة من جانبه ويتعامل معها فورا.
الهجمات الجوية الإسرائيلية على الأهداف المدنية مستمرة وبعنف ووسائل الدفاع الجوى تحاول التصدى بشتى الطرق.
الحرائق والدخان فى كل مكان.
فى المساء يقوم الطيران المعادى بإلقاء المشاعل المضيئة بمنطقة الجميل لإكتشاف أى تحركات أو إمدادات فى تلك المنطقة ويقوم بقصفها فورا.
وعليه راحت وحداتنا تستخدم اللنشات فى بحيرة المنزلة من جنوب بورسعيد وحتى دمياط لإخلاء الحالات الحرجة من الجرحى والحصول على الضرورى من الذخائر والمياه.
فى نفس الوقت يقوم سلاح المهندسين بإنشاء كوبرى عائم يصل بين بورسعيد وطريق دمياط بدلا من كوبرى الجميل. كل ليلة يتم إقامة الكوبرى وتركيبه بعد آخر ضوء ثم يتم فكه وتمويه أجزائه فى المنطقة المحيطة ببحيرة المنزلة قبل أول ضوء حتى لاتكتشفها طائرات العدو فى الصباح وتدمرها. كان ذلك العمل العبقرى لسلاح المهندسين هو السبيل الوحيد لدخول العربات والمركبات والإمدادات والمعدات الثقيلة التى لايمكن إستخدام اللنشات لنقلها ببحيرة المنزلة.
إستمر قصف طائرات العدو لمواقعنا فى مناطق كم 10 شرق بورفؤاد\التينة\القنطرة\البلاح بلا توقف.
فى يوم 19\5\69 قامت قواتنا بإنتشال جثة ضابط إسرائيلى فى منطقة الكاب وكان ضمن مجموعة القوارب الى حاولت التسلل منذ 5 أيام. وفى اليوم التالى أسقطنا للعدو طائرة ميراج فى الغردقة.
فى شهر يوليو 69 صعدت القوات الإسرئيلية عملياتها فى كل المناطق فى محاولة لتشتيت الجهود المصرية وتخفيف العبئ عن قواتها فى الإتجاه الرئيسى للجبهة.
توقفت أفواج طلبة الجامعات المتطوعين لخدمة الجبهة فيذهبون مشحونين بالكلام والحماس لرفع الروح المعنوية للمقاتلين.
خطر الموت ماثل كل ثانية على كل نقاط المواجهة.
فى ليلة 7\8 يوليو قامت قواتنا الخاصة بالإغارة على نقطة لسان التمساح التى أصابت الفريق عبد المنعم رياض. وفى الليلة التالية أغارت مجموعة آخرى من رجال الصاعقة على نقطة لسان بورتوفيق شرق السويس. أسفرت الإغارتين عن قتل وإصابة أعدادا كبيرة من قوات العدو وتدمير عددا من الدبابات والنقاط الحصينة.
فى يوم 19 يوليو 69 هاجمت قوات العدو منطقة الجزيرة الخضراء على المدخل الجنوبى لقناة السويس بالطائرات وقوات المشاه لكن قواتنا كانت بالمرصاد وأجبرتها على الإنسحاب.
فى الأسابيع التالية تفاخر رئيس الأركان الإسرائيلى حاييم بارليف بأن الطيران الإسرائيلى نفذ 1000 إغارة فى الفترة من 20 يوليو -7 سبتمبر لإجبار مصر على نشر قواتها وتخفيف الحشد فى منطقة القناة.
وبرغم ماأحدثته هذه الغارات من خسائر لم تتوقف قواتنا فى أعمال القصف بالمدفعية وبالعمليات الخاصة. كان أبرزها فى تلك الفترة الهجوم على النقط القوية شرق الدفرزوار والفردان جنوب وشمال الإسماعيلية ونسفها تماما.
جاء رد القوات الإسرائيلية بتركيز عملياتها فى العمق المصرى وفى قطاع البحر الأحمر. فقامت بالإغارة على معسكر منقباد بأسيوط ليلة 27\28 أغسطس 69 ثم أعقبتها بعملية أخرى فى البحر الأحمرحيث أبرت سرية دبابات شمال منطقة الزعفرانة وأخذت تحت ستر طلعات جوية مكثفة تدمر جميع الأهداف المدنية فى المنطقة.
القصف والحرائق فى كل مكان.
والمقاتلون فى كل موقع أكثر إصرارا على البقاء والدفاع عن الأرض. القذيفة تلو القذيفة تسقط ومعها شهداء.
لاوقت للحزن أو البكاء.
فى ظهر 11 سبتمبر69 قامت قواتنا الجوية بالإغارة بستين طائرة على أهداف عدة فى عمق سيناء. كما قامت بالإغارة على موقع إسرائيلى فى منطقة مصفق على الساحل الشمالى لسيناء. وأيضا بعض العمليات الخاصة فى منطقة رأس ملعب ورأس مطارمة على الساحل الشرقى لخليج السويس.
فى ليلة 20 أكتوبر69 عبرت قوة قوامها أكثر من 100 جندى تحت قيادة أحد الضباط تحت جنح الظلام محملين بالعبوات الناسفة والألغام والأسلحة الخفيفة فى مهمة إستطلاعية خلف خطوط العدو. أثناء عودتهم أصيب إثنين من جنودنا من قوات كمين العدو.
فى نهاية أكتوبر69 تقرر نقل كتيبة يسرى إلى مدينة بورسعيد بعد 10 شهور على شاطئ القناة وإحلال كتيبة صاعقة آخرى بدلا منها.
فى الموقع الجديد تمركزت الكتيبة فى منطقة مطار الجميل غرب مدينة بورسعيد فى وضع دفاعى على طول الساحل فى منطقة الجبانات ومحطة المجارى والمشتل والمطار. التدريب مستمر وإعادة تأهيل المقاتلين نفسيا ورفع روحهم المعنوية جزء أساسى فى كسب المعركة.
كان على يسرى بفصيلته أن يقف على أهبة الإستعداد على مدار 24 ساعة للتحرك ونجدة أى موقع على طول الساحل بمواجهة حوالى 20 كم.
يغفو المقاتل وسلاحه على كتفه. ينام وهو يحتضنه كقطعة غالية من جسده أو حبيبة لن يفترق عنها. لاأحد يعرف ماتخبئه الأيام له فى اللحظة التالية.
لكن من المؤكد أن ماتناقلته وكالات الأنباء وصحف العالم بخبر عملية إيلات فى 15\16 نوفمبر69 والتى أدت إلى غرق السفينتين الإسرائيليين "داليا وهيدروما" كان له فعل السحر فى النفوس.
كانت واحدة من أنجح عمليات الإغارة وأكثرها جرأة فى سجلات تلك الأيام المعطرة بآيات الفداء والتضحية التى لاتكفى سجلات وسجلات عن حصرها.
قام الشهيد العقيد أ.ح. إبراهيم الرفاعى ومجموعة من الضفادع البشرية وآخرى من رجال الصاعقة (المجموعة 39 قتال) بالإغارة على ميناء إيلات وإغراق السفينتين وأربك حسابات القيادة الإسرائيلية.
كانت تلك بداية حيث تكررت إغارة الضفادع البشرية المصرية وقوات الصاعقة على ميناء إيلات مرات ومرات وكان أكثرها نجاحا تلك التى قامت بها قوة من البحرية المصرية بتفجير سفينة إنزال "بات يام" وإغراقها وإصابة سفينة إنزال آخرى "بيت شيفع".
صدرت الأوامر للقوات الإسرائيلية – نتيجة لنجاحات العمليات المصرية اللليلية – بإيقاف التحركات ليلا إلا للضرورة تجنبا للكمائن والإغارات المصرية.
ومن ثم زاد نشاط القوات المصرية إلى العمليات النهارية.
من أكثر هذه الإغارات نجاحا تلك التى قامت بها كتيبة مشاة على نقطتين قوييتين شمال وجنوب جزيرة البلاح يوم 6 ديسمبر. إستطاعت الكتيبة تدمير النقطتين والإستيلاء على الكثير من المعدات ورفع العلم المصرى على الضفة الشرقية.
أما فى يوم 14 ديسمبر فقد تمكن كمين نهارى من تدمير عربة جيب فى منطقة سرابيوم وقتل من فيها وأسر نقيب إسرائيلى.
تناقل الرجال فى الموقع خبر إسقاط طائراتنا المقاتلة طائرة فانتوم للعدو يوم الإثنين 15 ديسمبر69. بعد قليل جاء صوت المذيع يؤكد الخبر.
فى صباح اليوم التالى رأوا بأعينهم عددا من طائرات العدو فى تشكيلات عدة وفى ثوان قذفت حمولتها من المتفجرات. إهتزت الأرض وتناثرت الشظايا وكتل الطين فوق الجميع. عادت الطائرات وفتح جنود المدفعية النيران الكثيفة حتى إسودت صفحة السماء.
فى موقع قريب دمرت طائرات العدو سرية المدفعية المضادة للطائرات ماعدا مدفع واحد. خمس مدافع بأفرادها دفنوا وتحول الموقع إلى حفرة عميقة. بقى قائد الطاقم بعد أن بتر ذراعه الأيمن وأصيب كتفه الأيسر بشظية فأحدثت جرحا عميقا. رقد على ظهره وثبت أطراف المدفع بقدميه. حومت الطائرة من جديد تتأكد من تدمير الموقع وأثناء إندفاعها لتدمر موقعا مجاورا لحقت بها طلقات متلاحقة من مدفع وحيد بين الركام. رأى جنود الموقع المجاور شريطا من الدخان يخرج من أحد أجنحة طائرة الفانتوم قبل أن تسقط على أرض سيناء.
وصل طاقم الإسعاف يبحث عن المقاتل الجريح بعد أن عاد سرب من الطائرات ليصب مزيدا من القذائف فى نفس المكان. بصعوبة بالغة وجدوا جثته وقد إختلطت أشلاؤه مع حطام مدفعة.
أهالوا عليه التراب وغرسوا خوذته وبعض أعواد النخيل فوقه.
جاء رد العدوبعملية إبرار ليلة 23\24 ديسمبر69 فى منطقة الزعفرانة وهاجمت نقطة إنذار منعزلة وقتلت أفرادها.
مع دخول شهر يناير 70 تمادى غرور قوات العدو.
فى فجر 7يناير حلقت بعض الطائرات الإسرائيلية فى سماء القاهرة بإختراقها حاجز الصوت.
تكررت إغارات الطيران الإسرائيلى على الأهداف المدنية والعسكرية فى عمق مصر وتركزت على مناطق حلوان وأبى زعبل والتى إستشهد فيها حوالى 70 مدنيا من العاملين بالمنطقة.
كما ربط الله على قلب أم موسى فقد ربط على قلوب أمهات شباب مصر فى تلك الأيام الصعاب.
جرت البنت ذات الثلاث عشر سنة تنادى أمها – ماما…ماما تعالى إسمعى بسرعة.
– خير يارب.
– المجرمون حاولوا يدخلوا جزيرة شدوان وأكلوا علقة جامدة قوى من رجالاتنا.
– ربنا كبير…كبير قوى فوق كل غدار جبان.
تابعت البنت فى فورة حماس – الظريف قوى ياست ماما إن القوة االإسرائيلية وهى بتنسحب سرقت معاها شوية معدات من عندنا وفيهم عربة ألغام إنفجرت على طول أول مانزلوها فى ميناء إيلات وراح منهم 47 قتلى وجرحى…إيه رأيك؟
– باأقول لك ربنا كبير يخلصنا من الهم ده على خير…ويرجع لى الغالى.
كان ذلك فى ليلة 21\22 يناير 1970 حين قامت القوات الخاصة الإسرائيلية تساندها الطائرات بالإبرار البحرى على جزيرة شدوان.
هل حدثها قلبها بأمر خطر محيق؟ رغم أنها لاتدرى شيئا عن خروج إبنها فى أى داوريات ضد قوات العدو؟
فى أوائل شهر مارس 70 قرر قائد قطاع بورسعيد دفع داورية من منطقة رأس العش لشرق القناة لعمل كمين لداورية من العدو(دبابات\عربات مدرعة) تتحرك على الطريق الموازى للقناة خلف الساتر الترابى من الجنوب متجهة للشمال حتى كم 10 أول نقاط خط بارليف جنوب بورسعيد.
إختار قائد الكتيبة يسرى لتلك المهمة ومعه 13 فردا من فصيلته. تم وضع برنامج تدريبى مركز وأضيف 3 أفراد من الضفادع البشرية من قاعدة بورسعيد البحرية.
كانت النقطة المحددة للعبور تقع عند علامة كم 16,400 (ترقيم قناة السويس جنوب بورسعيد) وتقع فى منتصف المسافة تقريبا بين نقطتين قويتين للعدو على خط بارليف.
عند منتصف الليل عبر أفراد الضفادع البشرية تحت مياه القناة ومعهم حبل عبور قاموا بتثبيته على الشاطئ الشرقى للقناة بالقرب من سطح المياه.
أنزل الرجال قارب مطاط وسحبوه بالحبل على طول إمتداده حتى وصلوا للناحية الآخرى. لم يكن ممكنا إستخدام المجاديف أو أى وسيلة آخرى حتى لاتثير ضجة.
عادة مايكون الإتصال بين الداورية وقيادتها غرب القناة عن طريق الأجهزة اللاسلكية قصيرة المدى وهى وسيلة قابلة للتصنت عليها.
فى تلك العملية قام ضابط الإشارة بالكتيبة بتجهيز سلك تليفونى طوله حوالى 200 متر وجهاز تليفون ميدانى وقامت الداورية بسحب السلك معها فى القارب وأوصلوه بجهاز تليفون آخر عندما وصلوا لشرق القناة. كانت تلك أول مرة لقواتنا فى داوريات العبور تستخدم فيها الإتصال الخطى بين داورية فى الشرق وقيادتها فى الغرب.
جهزت الداورية موقع الكمين بالمتفجرات على الساتر الترابى إستعدادا لوصول داورية العدو فى تحركها من أى إتجاه.
فجأة ظهرت داورية العدو بعرباتها المدرعة قبل الثالثة بقليل. حاصرها رجالنا بالرشاشات والقنابل وأكملت الألغام على ماتبقى منهم.
أسلاك التليفون الميدانى لاتكف تحصى الخسائر أولا بأول. العدو طلب النجدة وطائرات الميراج وصلت تصب جحيما من النيران على أفراد الداورية.
المفاجأة كانت حين عادت الداورية بكاملها سالمة.
لكن الطائرات اللعينة حلقت فوق موقع الكتيبة لتسقط قذائفها ويسقط شهيدين.
العدو المجنون لايهدأ.
والله يسمع ويرى ماحدث من قصف الطائرات الإسرائيلية على مدرسة بحر البقر الإبتدائية فى محافظة الشرقية فى 8 إبريل حين إستشهد حوالى 30 تلميذا وأصيب عدد كبيرا من زملائهم.
هل يفيد أن تدين معظم دول العالم تلك الغارات الوحشية على صغار لاحول لهم ولاقوة؟
وهل يكفى أن يخرج موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى يعتذر عنها لمصر والعالم فى أداء مسرحى غير مقنع مبررا أن الطيار قد إرتكب خطئا لعدم قدرته على التمييز؟ بالطبع لم ينس أن يلقى باللوم على الحكومة المصرية لعدم تحييد الأهداف المدنية ووضعها بعيدا عن الأهداف العسكرية.
خلال شهر إبريل 70 قامت مصر بتنفيذ خطة إنتشار وتوزيع للوحدات التعليمية وبعض الوحدات العسكرية على مناطق بعيدة ومسافات شاسعة خارج نطاق عمل الطائرات الإسرائيلية للحد من الخسائر المحتملة لتلك الغارات.
وعليه تم نقل الكلية الحربية لمنطقة جبل الأولياء بالقرب من الخرطوم بالسودان. والكلية البحرية إلى طبرق فى ليبيا والكلية الجوية لمطار عبد الناصر فى ليبيا أيضا (مطار العظم سابقا). كما تم نقل كلية الضباط الإحتياط إلى إسنا بمحافظة قنا بدلا من مدينة فايد بجوار القناة.
كان معروفا لدى القيادة المصرية أن الغارات الإسرائيلية على إمتداد الجبهة تتركز بضراوة وبكثافة ضد عملية بناء قواعد الصواريخ التى بدأت فى أوائل عام 1970.
وسجلات تلك الأيام تشهد أن القوات المسلحة (سلاح المهندسين) ومصر كلها (متمثلة فى جميع شركات المقاولات المصرية) تعاونا فى طاقة لاتحد وجهود جبارة بطولية خلال شهرى مايو ويونيو 70 لبناء دشم للصواريخ الجديدة ومعدات الدفاع الجوى والرادار( التى جاءت حديثا من الإتحاد السوفييتى).
كان حجم الأعمال التى نفذت خلال هذه الفترة مهولا بكل المقاييس ويتم تحت أصعب الظروف من القصف المستمر لطائرات العدو. بمجرد إنتهاء الغارات يستأنف العمال والمهندسون بناء دشم وقواعد جديدة وإصلاح ماتهدم فى القصف.
ملحمة تحد جسور لاتعرف المستحيل مهما كانت الخسائر البشرية من المدنيين والمعدات فى وقت لم تتوقف فيه ملحمة بناء أخرى فى أقصى الجنوب فى السد العالى.
فى زمن قياسى تم تغطية الجبهة على إمتداد قناة السويس بكتائب الصواريخ والرادار ولم تعد صواريخ سام2 صواريخا دفاعية فقط.
خلال أيام 30\6 و 2\7 و 3\7 70 اسقط دفاعنا الجوى 8 طائرات من طراز فانتوم وسكاى هوك وإرتفع العدد فى نهاية يوليو ليصبح 21 طائرة.
فى أول شهريوليو70 تمت ترقية يسرى إلى ملازم أول.
خلال الفترة السابقة زاد عدد المهاجرين من بورسعيد وبورفؤاد وأصبح المتواجد من الأهالى قاصرا على من يقوم بالأعمال الضرورية (عمال الإسعاف\ المطافئ\ شبكات المرافق العامة\ بعض المحلات الضرورية ) وباقى العناصر اللازمة لضمان الحياة بالمدينة خاصة مع إستمرارالقصف وإستهداف السكان.
كما قدرت القيادة توفير كل الإمكانيات المتاحة لإحتياجيات القوات المسلحة فى المستشفيات التى لاتتحمل أعباءا إضافية من الجرحى المدنيين. علاوة على تقليل الخسائرقدر الإمكان بين كبار السن والأطفال وكل من ليس له مهمة ضرورية يؤديها لصالح المعركة.
كان السكان يتركون منازلهم وشققهم مغلقة بما فيها ويغادرون. يعلمون جيدا أن بيوتهم فى حراسة حراس الوطن وأنهم لها عائدون.
فى 19\6\70 تقدمت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بمبادرة روجرز لإيقاف إطلاق النار بين الجانبين على جبهة قناة السويس لمدة 90 يوما على أن يسرى ذلك إعتبارا من صباح 8\8\70
وافقت كل من مصر وإسرائيل على قبول هذه المبادرة وكانت تنص على أنه لايحق لأى من الأطراف تغيير الوضع العسكرى فى داخل المنطقة الممتدة 50 كم شرق وغرب القناة وكذا لايحق لهما إدخال أو إنشاء أى مواقع عسكرية فى هذه المناطق.
وعليه كان حتما على القوات المصرية أن تسابق الزمن خلال الفترة المتبقية حتى 8 أغسطس لإستكمال تجهيز المواقع الضرورية لشبكة صواريخ الدفاع الجوى فى صورتها النهائية قبل سريان القرار.
بمجرد ترقيته، نقل يسرى من كتيبته إلى كتيبة 153 صاعقة وعين قائدا لإحدى سراياها لكنه إنضم بسريته على كتيبة مشاه حيث تمركزت فى جنوب بورسعيد فى كم 10 أمام نقطة العدو القوية الأولى من الشمال فى خط بارليف مرة أخرى.
شد قائد الكتيبة على يده.
يالها من مصادفة مبهجة.
كيف ينسى هذا الرجل.
كان أحد الضباط المسيحيين المعلمين من أيام الكلية ومثار الإحترام والإعجاب بين الطلاب لوسامته وأناقته الشديدة علاوة على طابع حسن عميق بذقنه فكان يشبه الممثل جون ترافولتا إلى حد كبير.
كان يسرى وقتها طالبا فى السنة النهائية بالكلية عندما حدثت وقائع النكسة.
قامت الكلية بنقل الطلبة مؤقتا إلى أماكن بعيدة كما تم تعيين طلبة التيرم النهائى ليقوم كل منهم بدور ضباط صف معلمين فى ألوية مجندين جدد. وفى ليلة تنحى الرئيس عبد الناصر إنفجر الطلبة وضباط الإحتياط والجنود فى تجمعاتهم باكين طوال الليل.
كانت التحركات محدودة للغاية لكن قائده المنوط بشئون طلاب التيرم النهائى كلفه وآخرين فى الإسبوع الثانى من يونيو ببعض المهام الدفاعية المؤقتة حول مطار القاهرة الدولى ومطار ألماظه وعدد من المنشئات الحيوية فى تلك الأيام الحرجة.
ضحك كلاهما وهتف يسرى – أيام لاتنسى ياأفندم ورائع جدا أن نلتقى مرة ثانية.
منذ توقف حرب الإستنزاف تم إصلاح كوبرى الجميل وعادت الأمور إلى طبيعتها على هذا الطريق الحيوى للمدينة.
فى 1\5\71 تحركت الكتيبة لتأخذ مواقعها فى منطقة الغاسولة غرب بورسعيد بحوالى 15 كم لتأمين منطقة الساحل طريق بورسعيد دمياط حتى عزبة البرج وهى مسافة تبلغ حوالى 45 كم تقريبا.
تقع مدينة عزبة البرج جنوب شرق فرع نيل دمياط فى مواجهة رأس البر. ويفصل بينهما فرع نيل دمياط عند إلتقاؤه بساحل البحر المتوسط ومعظم سكانها يعملون بصيد الأسماك ومايصاحبها من مهن معاونة.
تمركز يسرى بسريته فى عزبة البرج ومعه 6 عربات مدرعة.
مهمة السرية أن تقوم بعمل داوريات ليلية على الطريق من عزبة البرج وفى إتجاه الشرق حتى منتصف المسافة للغاسولة حيث تتمركز باقى الكتيبة. بالإضافة لتأمين ونجدة راداربحرى على لسان رأس البر يعمل عليه ضابط بحرى برتبة نقيب ومعه مجموعة أفراد من قواتنا البحرية. (وقد ورد هذا الردار مؤخرا)
وعلى الرغم من الهدوء الحذر الذى خيم على الجبهة فى إنتظار ماتسفر عنه مبادرة الرئيس السادات والتى قدم تفاصيلها فى خطاب عيد العمال أول مايو 71 إلا أن الخطر قائم بإحتمالات إنزال العدو لضفادع بشرية للقيام بأعمال تخريبية. بالفعل قامت القوات الإسرائيلية بعملية ممائلة فى الزعفرانة جنوب السويس فى 9\9\69 .
خصصت القوات المسلحة لنشا بحريا بسائقين جاهزا أمام موقع السرية بمرسى ثابت له على شاطئ النيل. حيث يكون جاهزا للتحرك بالفصيلة المخصصة لنجدة الرادار خلال 5 دقائق وطوال 24 ساعة بالتنسيق مع العناصر المختلفة من مسئولى الرادار وكتيبة السواحل المجاورة.
فى السرية، أوقف يسرى جميع الأجازات للجميع ضباطا وجنودا بالتنسيق مع قائده. إشترط لفتح باب الأجازات مرة آخرى أن تتقن كل فصيلة بقائدها ومن ينوب عنه المهام المحددة لهم بكل دقة لفترة إسبوعين من التدريب المتواصل على كل المواقف والسيناريوهات المحتملة وكيفية التصرف وقتها.
طوال فترة تمركزالسرية فى منطقة عزبة البرج كان يمر عليها يوميا الأتوبيس القادم من شرق الدلتا لبورسعيد. كان سائقه عم شوقى يقف أمام الموقع على الطريق لينزل الجنود العائدين من أجازات ويركب القائمين بها.
فى كثير من الأحوال كان يتعهد السائق الذى توطدت صلته بأفراد السرية وأهاليهم فى محطات سير الأتوبيس المتعددة أن يأتى للرجال بهدايا من الوجبات المنزلية ورسائل الأهل.
فى تلك الأثناء كانت مدينة رأس البرمكتظة عن آخرها بالسكان الأصليين –غير المصطافين- والمهجرين من مدينتى بورفؤاد وبورسعيد حيث معظم المهجرين لهم أقارب فيها.
شهدت المدينة نشاطا تجاريا كبيرا.
فى أوقات الراحة كان يسمح لبعض الجنود ومعهم أحد الضباط بالنزول للمدينة (بمثابة مكافأة للمجتهدين منهم) لساعات محدودة نهارا فى ملابس مدنية للترويح والفسحة وشراء مايحتاجونه من مستلزمات شخصية.
وكثيرا ماتوقفوا أمام محل دعدور للفطائر والناس أمامه فى طوابير حيث ثمن الفطيرة محلاة بالسكر والمكسرات والقشدة 10 قروش.
فى إحدى المرات خرج يسرى وجنديين يتجولون بزيهم المدنى فى المدينة حين قابل عددا من المعارف من أيام بورفؤاد فسألهم عن أسرة الحاج راضى. أخبروه أنهم يقيمون برأس البر منذ التهجير ويقيمون فى إحدى العشش. أعطوه العنوان.
ذهب إليهم فى الإسبوع التالى وكان لقاءا حميما بكل أفراد الأسرة بعد إنقطاع حوالى عامين. وكأنه وجد أسرته الثانية.
أصرت الحاجة بكرمها المعهود أن يأتى لتناول الطعام عندهم كلما أتيحت له فرصه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.