تعتمد حلقات فوازير رمضان على إعطاء المستمع و المشاهد قليلاً من المعلومات الملفوفة بالغموض، حول شخصية الحلقة المفترض البحث عنها، و على جمهور المستمعين والمشاهدين أن يقدحوا أذهانهم في تحليل بعض تفاصيل الشخصية، وتقدم الشخصيات من خلال عمل فني درامي من المفترض أن يكون شيقاً و ممتعاً، و عادة ما يكون عنوان الحلقة عاماً ومتسعاً للبحث والتفكير . إبن النيل حائز نوبل للسلام: في الغالب الأعم، سيتجه محرك البحث مع هذا العنوان نحو شخصية مصرية، إما أن تكون حصلت على جائزة نوبل للسلام فعلاً، أو كانت مرشحة لنيل الجائزة، أو سيتم ترشيحها من أبناء النيل. ولتبسيط الفزورة ستظهر على الشاشة، و مع حفظ الألقاب، صور نوبل مخترع البارود، والذي سميت الجائزة باسمه تخليداً لذكراه، و أنور السادات، و نجيب محفوظ، وأحمد زويل، و عدد آخر من الشخصيات سواء المعروفة أو غير المعروفة للجمهور. ابن النيل صاحب قرار الحرب: بكل تأكيد سيتجه التفكير نحو السادات، بسبب اقتران اسمه ببطل الحرب في أكتوبر 1973 و السلام فى نوفمبر 1977 ، و سيقول لنا بكل فخر ابننا تلميذ المرحلة الابتدائية لا تتعبوا أنفسكم إنه السادات، لأننا درسناه في مادة الدراسات الاجتماعية، يلى ذلك سعادة غامرة من والد التلميذ ووالدته لأن ابنهما قام بحل الفزورة. مشهد أوبرا عايدة الجديد: تدخل ابنة رئيس وزراء إثيوبيا الأسبق ميليس زيناوى ابنة التيجراي سمهال مقيدة بالسلاسل، و وجهها شاحب اللون، وعيناها تدمعان، ثم يلقي بها الحرس من ميليشيات الأمهرة على أرضية المسرح مع كومة من النساء و الرجال، من بينهم أخو أدناهوم تواضروس رئيس منظمة الصحة العالمية، الذي تم إعتقاله بواسطة جنود من القوات الفيدرالية الإثيوبية من الأورومو و الأمهرة. الغريب في الموضوع أن السياسي الأثيوبي المعارض البارز جوار محمد وزميله بيكيلي جربا، وزملاءهم من قبيلة الأورومو المضربين عن الطعام بالسجن، و المصابين بالضعف و الهزال، أتى بهم الحراس من السجن جرَّاً على خشبة المسرح و هم يكادون أن يموتوا من العطش. حرب السمسم و شبل نوبل: تتسارع أحداث الحلقة، و تتكاثر و يتغير المشهد، و تدخل ميليشيات مدعومة بقوات ترتدي الزي العسكري الإثيوبي على حلبة المسرح، و مواطنون من السودان مدعومين بقواتهم المسلحة، يحاولون الحفاظ على چوالات من السمسم والصمغ العربي، من انتاج أراضيهم، و يصرخون و يزعقون: يا زول يا زول، أهذا جزاء من يحتمي به، ومن يأوون اللاجئين والنازحين منكم؟ والفارين من الحرب الأهلية الممتدة عندكم، والتي شنها و يشنها شبل نوبل للسلام؟ ومن تقتل قواته مزارعينا الأبرياء؟ و جنودنا وضباطنا ممن يحمون حدودنا المغتصبة؟ شبل نوبل المعجزة: يدخل على خشبة المسرح مجموعة من الأشخاص من منطقة شرق أفريقيا، يلبس كل واحد منهم الزي الرسمي للقبيلة التي هو منها، من التيجراي و الأورومو و الأمهرة و بنى شنقول، و من أرتيريا و من الصومال، و من كينيا و من السودان و من جنوب السودان، و من غيرها من القبائل الأفريقية، و معهم أحد الأشخاص يلبس بزة عسكرية، و يلبس على وجهه قناعاً لصورة شبل أسد، و يقول: أنا شبل نوبل، أنا قائدكم الأعلى، لم لا تفهمون؟ و إذا كان الملك مينا نارمر قد وحد القطرين فى مصر، و أقام جسراً على الشاطئ الغربي للنيل، فأنا الملك موحد الأقطار فى شرق إفريقيا، و أنا شبل نوبل الذي زرع بذرة السلام مع إريتريا، الذي نجني ثماره في إقليم التيجراي، ألم تروا معجزاتي؟ ألم تشاهدوا فرحة شعبي و سعادته؟ أنا من شردت مئات الآلاف من المارقين من شعبي و جعلتهم نازحين ولاجئين، و جوَّعت الملايين، و رفضت حتى توصيل المساعدات الانسانية لهم، و اذا أردت مستقبلاً لأغرقت السودان، و حققت كل ما أريده من شر وضر بالنسبة لمصر، ولم لا؟ ألست قائدكم الأعلى؟ ولم لا تفهمون ما أريد؟ أنا أريد كل مياه النيل لأزرع الكثير من بذور السلام الأخرى التي هي في حاجة ماسة لمياه النيل. ثم يستطرد الشبل المدلَّل قائلاً: إذا كان التيجراي قد بدأوا تشييد سد النهضة لتوليد الكهرباء، فأنا ابن الأورومو و الأمهرة، من سيجعل من هذا السد و مياهه قاعدة لرخائنا نحن، ونشر الضرر و الدمار لكل أعدائنا بشمال إفريقيا. شبل نوبل ومحكمة العدل: في المشهد التالي مباشرة، تظهر نفس مجموعة الأشخاص الإثيوبيين والأفارقة، وهم يرتدون ملابس وأزياء قبائلهم، يسيرون فى أحد شوارع مدينة لاهاي الهولندية، المؤدي إلى مقر مبنى محكمة العدل الدولية، ليدلوا بشهاداتهم عن جرائم الحرب التي شنها شبل نوبل و قواته والميليشيات الداعمة لها، ضد مواطنيه و جيرانه، حيث سبق المحاكمة لشبل نوبل أن غامر بعد دخوله في سلسلة معارك بين القبائل، وسلسلة معارك على الحدود، وسلسلة معارك على مياه أنهار النيل و أومو و شبيلي مع جيرانه، وهزم فيها بجدارة، بسبب مزاعمه أن بذور السلام التي زرعها في حاجة لكل مياه النيل، و لكن بعد ثورة شعبه عليه بسبب هزيمته في كل الحروب التي فجرها، تمت إزاحته من الحكم، و تم أسره و تسليمه للعدالة. قبل إسدال الستار: قبل إسدال ستار النهاية ظهر على المسرح حكيم إفريقيا يحمل غصناً من أغصان الزيتون وهو يقول: بذور السلام يا شبل نوبل المدلل، ليست في حاجة لكل هذه الحروب والصراعات وأنهار الدماء، وليست في حاجة للسيطرة على مياه النيل وحجبها عن دول حوض النيل ودول المصب، وإنما بحاجة لثقافة النيل و حضارة النيل الإنسانية الممتدة لآلاف السنين، في ممفيس والاسكندرية وبوتو و طيبة و الأقصر و أسوان في مصر، وفي مروى بالسودان. نداء النهاية: يا شبل نوبل، حين تريد أن تهيمن على المياه، فاحذر من غضبة العطاشى، وحين تريد السيطرة عليها فاحذر من الغرق فيها، وحين تريد بيعها، فاحذر من بيعها في حارة السقايين، واعلم أن كثيراً من الألاعيب يمكن أن ترتد إلى أصحابها. *د. عبد الفتاح مطاوع رئيس قطاع مياه النيل الأسبق