في السادس من نوفمبر الجاري (2020)، تكون 14 سنة قد مرت على رحيل العالم الدكتور اسماعيل صبري عبد الله ( 1925 – 2006)، المفكر وأستاذ الاقتصاد السياسي، ورائد التخطيط في مصر والعالم العربي، ونائب رئيس حزب التجمع. شارك الدكتور اسماعيل صبري عبد الله مع خالد محيي الدين وكوكبة من المفكرين الاشتراكيين، والقادة الوطنيين التقدميين من الكوادر والمناضلين والقادة النقابيين من العمال والفلاحين والمهنيين والشباب والنساء، في تأسيس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي عام 1976. وكان للدكتور إسماعيل صبري عبد الله مع رفيقه الدكتور فؤاد مرسي وكوكبة من قادة الحزب المؤسسين باع طويل مؤثر في صياغة خطه السياسي ومرتكزاته الفكرية والنضالية،الوطنية والاقتصادية والاجتماعية، وظلت بصمة الدكتور اسماعيل الفكرية بارزة في أوراق الحزب وبرامجه العامة. التكوين الفكري والمبادئ: نشأ الدكتور إسماعيل صبري عبد الله في عائلة من أعيان الصعيد، تعيش في زمام مركز ملوي بالمنيا عام 1925، وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة فؤاد الأول (القاهرة) عام 1946، وانطلق في بعثة دراسية من القاهرة إلى فرنسا حيث حصل على درجة الدكتوراه من جامعة باريس عام 1951، وفي باريس، ومع دراسة الاقتصاد السياسي والقانون، واقترابه من كوادر وطلاب وشباب الحزب الشيوعي الفرنسي، تبلور فكره الاشتراكي، وتعمق في أصوله الماركسية، وعاد من باريس محملاً بدراسته العلمية، الاقتصاد السياسي ومنهجه في التفكير العلمي، ومحملاً بأحلام التحرر الوطني والعدل الاجتماعي. عاد الدكتور إسماعيل إلى مصر عام 1951، وأصبح أستاذاً للإقتصاد بجامعة الإسكندرية، ثم أستاذاً في جامعة القاهرة عام 1954، ونظراً لقدراته وسمعته العلمية، تم اختياره مبكراً وهو في ريعان الشباب مستشاراً للشئون الاقتصادية والمالية بمكتب رئيس الوزراء جمال عبد الناصر في الفترة من 1954 إلى 1955، ثم مديراً للإدارة الاقتصادية بالمؤسسة الاقتصادية لدى إنشائها عام 1957. وقف اسماعيل صبري عبد الله في خندق الدفاع الموضوعي عن الثورة وقائدها، برؤية الناقد المحب وليس الناقم الكاره .. وصك في ذلك تقييماً سياسياً يقول: «لا نستطيع أن نقول إن حكم عبد الناصر كان حكماً ديمقراطياً، وفي نفس الوقت لا نستطيع أن نقول إنه كان حكماً استبدادياً شمولياً». ويذكر الدكتور حازم الببلاوي، وكان أحد تلاميذه بجامعة القاهرة، أن الكاتب الصحفى اليسارى محمد سيد أحمد ذكر له بعض قصص التعذيب أثناء اعتقالهم، وأن إسماعيل صبري كان يتحمل ذلك فى صمت وكبرياء، وأنه سأله مرة: ماذا سنفعل مع عبدالناصر بعد الخروج من المعتقل ورأينا ما رأيناه؟ فكانت إجابته قاطعة محددة: «سنؤيده بالقطع، لأنه يأخذ مواقف وطنية صلبة في مواجهة قوى الاستعمار الخارجية»، ويعلق الببلاوي قائلاً: «هذا هو إسماعيل إمام المبادئ والقضايا الكبرى، فالوطن وهمومه أكبر من أي مكافأة أو عقوبة ينالها فرد». وبينما اختاره السادات وزيراً للتخطيط عام 1974 حتى 1977، فقد أصبح من أكبر معارضيه، وأسس مع خالد محيى الدين حزب التجمع عام 1976، وفى سنواته الأخيرة عكف على مشروع مستقبلي رائد من خلال «منتدى العالم الثالث» عن «استشراف مستقبل مصر فى عام 2020». مواقع وأفكار: وتقلد الدكتور إسماعيل صبري عبد الله عدة مواقع مهمة، فكان وزيراً للدولة للتخطيط، فوزيراً للتخطيط في وزارة الدكتور عزيز صدقي التي أعدت مصر لحرب أكتوبر 1973، وقبل ذلك كان قد تقلد في ديسمبر 1965 رئاسة شركة تابعة للقطاع العام، كما كان عضواً في مجلس الأمة (البرلمان المصري) في يناير 1969، ثم عين رئيسا للبنك الصناعي في فبراير 1971، وعضواً في مجلس إدارة البنك المركزي في سبتمبر 1971، ثم أصبح أستاذاً غير متفرغ في جامعة الإسكندرية في ديسمبر 1974. كما توالت كتاباته في مجلة الطليعة، ودراساته العلمية في النقود والبنوك والعلاقات الاقتصادية الدولية، والتنمية الاقتصادية والتخطيط في مجالات المالية والتجارة الخارجية، وكتب عن التنمية المستقلة المعتمدة على الذات، وعن مجتمع المشاركة الشعبية ، وعن مصر التي نريدها، وعن الكوكبية. وكان قد أصبح رئيساً لتحرير دار المعارف (1965 – 1969 )، ثم مديراً لمعهد التخطيط القومي (1969 – 1977)، ثم وزيراً للتخطيط (1974 – 1977)، ثم نائباً لرئيس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، وكان قد ساهم في تأسيسه عام 1976 مع الأستاذ خالد محيي الدين وكوكبة من المناضلين. وكان الدكتور إسماعيل رئيساً لمنتدى العالم الثالث التابع للأمم المتحدةبالقاهرة ، ومن خلاله تبني في عام 1997 فكرة مشروع مصر 2020، وهو في الواحدة والسبعين من عمره، فكان ينظر إلي المستقبل ويستشرف آفاقه. وكانت أبرز منجزات منتدى العالم الثالث تحت رئاسته، مشروع المستقبليات العربية البديلة، وصدر عنه في السنوات 1981 – 1986 خمسة عشر كتاباً أهمها قياس التبعية في الوطن العربي، كما كان مشروع مصر 2020 من أبرز منجزات المنتدى في السنوات 1997 2006 ، حيث بلغت إصداراته 24 كتاباً في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتكنولوجية والتعليمية والصحية، فضلا عن عدد من الأوراق والكتيبات المهمة، وقد حشد للمشروع خبرات أكثر من ثلاثمائة باحث مصري وعربي من مختلف الأجيال، بالإضافة إلى مشاركة ما يزيد عن أكثر من سبعمائة باحث ومفكر وناشط سياسي وصحفي في ندواته. تميز الدكتور إسماعيل بثنائية النبوغ في الفكر والحركة، الأمر الذي وضعه في موقع الإعجاب من معارضيه ومؤيديه في آن واحد، حيث اشتهر بموسوعيته المعرفية في مجالات الاقتصاد والسياسة والأدب والعلوم، فمزج بين فصاحة ونبوغ العالم المفكر، وتمرد الإنسان المناضل، الذي رأى في الماركسية والاشتراكية الخلاص من القهر والعبودية للشعوب، فقرر الانتماء إليها حركة وفكراً منذ شبابه المبكر. كما جمع بين المعرفة الأكاديمية، والموسوعية، الاقتصادية والسياسية والثقافية والإبداعية، وبين النضال السياسي، في رحلة عطاء نادرة المثال، حافلة بالتضحيات والموضوعية والإبداع.