حين يتحدث المبدع عن عمله:لماذا فعلت هذا..؟ ماجدة موريس هل يمكن ان ينسي احد منا أفلام مثل «سواق الاوتوبيس»او «ضربة شمس»،او«الطريق الي إيلات »أو«البرئ»او «العار»و«المجهول»وغيرها من الافلام الروائية المهمة في تاريخنا السينمائي؟وهل يمكن لعشاق السينما التسجيلية نسيان أفلام مثل «أبطال من مصر»او«وصية رجل حكيم في شئون القرية والتعليم» أنها أفلام بتوقيع سعيد شيمي فنان الصورة ومدير التصوير السينمائي الكبير،وايضا الباحث السينمائي الذي صور 75فيلما تسجيليا مع ثلاثة وثلاثين مخرجا للفيلم التسجيلي والقصير،وزاد العدد الي 108أفلام روائية طويلة مع أربعين مخرجا لهذه الافلام،لكل من ال73مخرجا فكرته،وطريقته الإبداعية،ورؤيته النهائية لفيلمه لكن ماهو دوره هو كمدير للتصوير؟ هذا ما يقدمه لنا من خلال آخر كتبه،او اعترافاته ،حول تفاصيل وكواليس الفريق الأساسي للعمل السينمائي وإذا كان هدف كتابه هذا«الإدراك والمتعة في صورتي السينمائية» هو تقديم ملخص واف لأسلوب عمل المصور السينمائي من خلال تجربته المهمة والطويلة مع 73مخرجا ،و183 فيلما قام بتصويرها،وقدم فيها كل ما في جعبته من علم تلقاه فى المعهد العالي للسينما الذي تخرج فيه عام1971 ،ومن تجارب فنية وحياتية مدهشة تعرض لها أثناء عمله وأضافت إليه الكثير من الخبرات التي ربما لم يحصل عليها غيره، ومنها انه كان اول من صور افلاما سينمائية تحت سطح البحر وقدم صورة مختلفة في افلام مثل «الطريق الي إيلات »و«جحيم تحت الماء» فإن الهدف الاهم للكتاب هو تسليم الجيل الجديد من محبي السينما والتصوير السينمائي تحديدا،كل المعارف والخبرات التي جمعها سعيد شيمي طوال حياته مع فن التصوير وهو ما يفعله سعيد شيمي بجدية ودأب شديد منذ أنهي عمله منذ سنوات ،ليبدأ العمل في تعليم ودعم الاجيال الجديدة من خلال الكتابة عن فن التصوير،والصورة السينمائية،27كتابا قدمها للمكتبة،منها ثلاثة كتب تحكي عن صداقته الفريدة بمبدع كبير آخر هو المخرج محمد خان،وهي صداقة عمر كبرت ونمت عبر محبة كليهما للفن السينمائي ،واختيار كل منهما لاحد فروعه،ثم تعاونهما معا في صناعة الافلام الطويلة بداية من«ضربة شمس»ثم«الحريف»و«طائرعلي الطريق»وغيرها من افلام خان المهمة،وايضا سجل سعيد شيمي تجربته المهمة مع مخرج كبير آخر في كتاب صدر العام الماضي«أفلامي مع عاطف الطيب» الذي قدم معه أفلاما كبيرة مثل البرئ،وكتيبة الإعدام ،والحب فوق هضبة الهرم وغيرها وفِي خلال هذه السنوات المليئة بالجهد التوثيقي لم يتوان سعيد شيمي عن تعليم فن التصوير السينمائي من خلال ورش عديدة أقامتها وتقيمها المهرجانات السينمائية والمؤسسات الثقافية في مصر،ولا يتوقف عن هذه الفضيلة،التي يراها متعة، حين يدرك مدي شغف الاجيال الجديدة في مصر ،في كل مكان من القاهرةالاسكندرية لأقصي مدن الصعيد،بتعلم فن التصوير ، من فنان كبير مثله إلي شباب بلادي إلي شباب بلادي الذين طلبوا مني المزيد في التصوير السينمائي ،لكم ما تريدون هكذا كتب شيمي أهداءه في الصفحة الاولي من الكتاب موضحا هدفه وجمهوره الاساسي وبعده يتطرق الي تعريف الدور الذي يقوم به مدير التصوير كما يراه علي النحو التالي « أن الدور الحقيقي لأي مدير تصوير سينمائي واع هو اضفاء اللمسة الدرامية بصريا،بحيث تكون ذات تأثير مساعد وصاعد بالدراما، متعاون مع جميع فنيي الفيلم،وبالذات المخرج،» ويمضي موجها كلماته للشباب قائلا :وهذا الكتاب الذي بين أيديكم يشرح ذلك من خلال أعمالي الفنية الفيلمية وبعدها يقدم مهمة مدير التصوير السينمائي كما حددتها معاجم السينما« المصور الاول المسئول عن توزيع الاضاءة واختيار زوايا التصوير وحركة الكاميراالخ ،» لكنه يضيف مفهومه الخاص للمهمة والمهنة،لان تعريف المعجم في رأيه مبسط للغاية «لذا من واجبي ان اوضح بشئ من التفصيل وظيفة مديرالتصوير السينمائي الذي ينشط في مجالات ثلاثة هي :العمل التنظيمي،والحرفة، والابداع الفني»ويمضي سعيد شيمي الي تفاصيل ما يقوم به مدير التصوير في مهنة شاقة في رأيه،لانها مهنة المخاطر الكبيرة والمغامرة،وكثيرا ما تعرض مصورون سينمائيون لحوادث خطرة وإصابات وموت احيانا«وفِي الكتاب أمثلة عديدة لبعض ما تعرض له في تصوير بعض افلامه».ويعترف فنان الصورة ان ما دفعه لتقديم هذا الكتاب هو سؤال من صحفية شابة حول أسباب عدم وجود معارض له تضم صور مهمة من أفلامه،واكتشافه ضرورة وجود تحليل لافلامه عبر الصورة الفوتوغرافية المتأصلة فيها،«لأن الصورة الفوتوغرافية هي المنبع والأصل،والسينماتوغراف،اي الصور السينمائية المتحركة،هي صور فوتوغرافية متتالية متحركة ولكنها ثابتة في حقيقتها العلمية، وتعرض داخل الات العرض بوسيلة ميكانيكية ،او إلكترونية،فنستشعر منها حركة الحياة والطبيعة والكون »ويمضي الكاتب الي جذور رحلة الصورة السينمائية التي بدأت بصور الفن التشكيلي علي يد الرسامين ،قبل ان تدخل الآلة ،وبعدها الحركة ،لتخرج لنا ثورة فنية جديدة هي الحكي بالصور المتحركة،ومع الموهبة التي أعطاها الله له،والتي كانت السند الأساسي،يحدد عنصران شكلا تفكيره وأسلوبه في تصوير أفلامه،أولهما الإدراك الجيد للأدوات المهنية التي يستخدمها في عمله،كالضوء، والعدسات،والتكوين والألوان ، اما العنصر الثاني. فهو الشعور بالمتعة أثناء ممارسة العمل، وتنفيذ ما يتخيله من صور وفقا للأتفاق بينه وبين المخرج ،مؤكدا ان أهم علاقة فنية في بناء الفيلم بصريا تكون بين المخرج ومدير التصوير«،لانها المسئولة عن كيفية ظهور الفيلم علي الشاشة في النهاية،وتقبل الجمهور له» ثم يبدأ في تقديم بعض مهام التصوير الكبيرة في الافلام ،مؤكدا انه كمدير تصوير يملك المسئولية الكاملة عن شكل الصورة في افلامه ومحددا أن ميوله التكنيكية ستبدو واضحة للقارئ من خلال شرح مافعله في صور الفيلم المنشورة بالكتاب- تعبيرا عن الحالة البصرية الملائمة لموضوع الدراما كما رأها من وجهة نظره،ولنقرأ تعبير مثل «الضوء الدرامي» وتعبيرات اخري عديدة يطلعنا عليها في رحلته لشرح معالم المهنة والتي تبدأ من البداية الاولي لعلاقته بالفيلم، وصولا لعلاقة المصور بالجغرافيا،والارصاد،والفرق بين التصوير في الشمس او تحت تهديد السحب ،والفرق بين النهار والليل،والأماكن المفتوحة،وتلك المغلقة وإضافات الفيلم التسجيلي للمصور،ومخاطر الضوء الطبيعي،والصناعي،ثم حيلة«الازرق العظيم»التي يتم التصوير فيها نهارا علي ان تبدو بعد ذلك علي الشاشة ليلا ،وبعدها يأخذنا الي التصوير في الشوارع ومشاكله والكاميرا الحرة،واهميتها في صنع صورة صادقة واخيرا ينهي سعيد شيمي كتابه مؤكدا:امضيت ستة واربعين عاما محترفا،حتي قبل ان ادخل معهد السينما،كنت هاويا،ومازلت هاويا،وقررت حين يمنحني الله العمر ،وأصل الي سن السبعين،ان ارتاح ولا اقف خلف الكاميرا،ويكفيني مشاهدة الافلام ونقل خبرتي الي الاجيال من بعدي ،كنت محظوظا لأني عملت مع كتاب ومفكرين. ومخرجين وفنانين يعشقون العمل والسينما،ومع عمالة فنية وقفت بجانبي ومنحتني كل خبراتها وحبها،وبالرغم من علمي الدائم بالتقدم في صناعة الافلام بالخارج،الا انني لم أحبط قط بأمكانيات بلدي،رغم عدم مسايرتها هذا التقدم لظروف خارجة عن ارادتها،لانها كانت دائما في صراع مع العدو،وما زالت حتي الان للاسف،نحن نملك في بلادنا قاعدة فنية سينمائية عظيمة لها تاريخ،وبصمة خاصة بمصريتنا،أرجو ان نحافظ عليها في المستقبل،فمصر ام الحضارة،وان كانت تكافح الان للتقدم،ويظهرأن هذا قدرها المكتوب.