ضرورة إعادة النظر في عودة الدورة الزراعية الاهتمام بالبحث العلمى استنباط سلالات أقطان عالية الإنتاجية عودة الدعم خاصة للمنتجين الزراعيين ذوى الحيازات المحدودة الزراعة التعاقدية أنسب الحلول لحل مشكلة تسويق القطن *بقلم د. شريف فياض تستهدف الدولة النهوض بزراعة القطن وتتجه الآن إلى تطوير صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، ويعتبر القطن أحد مستلزمات الإنتاج الرئيسية للنهوض بتلك الصناعة الاستراتيجية المهمة. ولا يخفى على أحد أن هناك صعوبات شديدة تواجهه زراعة القطن، الأمر الذى أدى إلى انخفاض الصادرات من القطن المصرى بنحو لا يتجاوز150 مليون دولار، أي حوالى 1.4 مليون قنطار، بعدما كنا نصدر من 7 إلى 8 ملايين قنطار سنويا في الماضى. كذلك انخفاض إنتاج الأقطان المصرية نتيجة لانخفاض الإنتاجية، والتي بلغت نحو 5.5 قنطار / للفدان بعدما كانت تتراوح ما بين 7 إلى8 قناطير/ للفدان، ونتيجة لانخفاض المساحة من قرابة 2.5 مليون فدان إلى أقل من نصف مليون الآن في السنوات الأخيرة. وهذا الأمر أدى إلى عدم كفاية الإنتاج المصرى باحتياجات مصانع الغزل والنسيج بشكل كبير، وبالتالي أتجهنا إلى استيراد الكثير من الأقطان من الخارج للوفاء باحتياجات الصناعة المحلية ،التي تعانى الكثير من المشاكل. وفي الأشهر الأخيرة تتحدث الحكومة عن تطوير صناعات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، ولكن في كثير من الأحيان تغفل القطن وكيفية النهوض بزراعات القطن والتوسع بها، علما بأن النهوض بزراعة القطن هو أساس النهوض بصناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة. وبالتالي سوف نتناول في هذا المقال كيفية النهوض بزراعة القطن، حيث لا يخفى الأزمة ولكن كيفية طرح حلول عملية وبآليات قابلة للتنفيذ. وسوف نتعرف عند البحث عن حلول إلى مجموعة من الإجراءات والخطوات التي تتعلق بثلاثة محاور أساسية: أولا المحور الفني: وهذا المحور يتضمن الدورة الزراعية، زيادة الإنتاجية لمحصول القطن، خاصة بعد انخفاض إنتاجية هذا المحصور بشكل كبير. فلابد من العمل على إعادة الدورة الزراعية مرة أخرى، حيث يتخلى الدولة المصرية منذ تسعينات القرن المنصرم على فرض الدورة الزراعية وأدى هذا إلى انخفاض مساحات القطن بشكل كبير، حيث لم يجبر المزارع على زراعة القطن، وأنه لم يعد محصولا مجديا للمذراعين، وتوجهه المزارعين في زراعة الخضراوات والفاكهة والذرة الرفيعة أو الشامية كمحصول علفى، خاصة أن الخضراوات محاصيل قليلة المكث في التربة ويمكن تسويقها بسهولة ومحاصيل مربحة بالمقارنة بالقطن. وعلى ذلك لابد من إعادة النظر مرة أخرى في عودة الدورة الزراعية على أن تكون المحاصيل الاستراتيجية هي أساس تلك الدورة الزراعية، فالدورة الزراعية تعمل على الخفاظ على مورد الأرض، ويمكن من خلال الدورة الزراعية أن تستخدم الميكنة الزراعية وعمليات التجميع الزراعى وتكون الممارسات الزراعية كلها واحدة، الأمر الذى يقلل تكلفة إنتاج الوحدة وتكون الممارسات الزراعية بشكل أفضل، وبالتالي حدوث كفاءة في العملية الإنتاجية سواء من البعد المالى (إنخفاض التكاليف) أو الفيزيقى (زيادة الإنتاجية للوحدة). ثانيا: العمل على زيادة إنتاجية للأقطان المصرية: وأدى تخلى الدولة على الإنفاق على البحث العلمى التكنولوجيا خاصة منذ تطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادى تقلص الإنفاق على البحث العلمى والتكنولوجيا إلى نحو 0.1% من إجمالي الناتج المحلى، الأمر الذى أدى إلى عدم الاكتراث بشكل كبير على استنباط سلالات أقطان في السنوات الأخيرة عالية الإنتاجية، فتقلصت إنتاجية فدان القطن من نحو 7 قناطير للفدان في الماضى إلى نحو 5.5 قنطار للفدان في السنوات الحالية، ومع تقلص المساحات من نحو 2إلى3 ملايين فدان إلى أقل من نصف مليون فدان، هذا أدى إلى انخفاض الإنتاج المحلى بشكل كبير، الأمر الذى أدى إلى اعتماد صناعات الغزل والنسيج المصرية على توفير أقطان من الخارج بالأسعار العالمية، وبالتالي انخفاض الربحية في بعض الأحيان، خاصة إذا ارتفعت الأسعار العالمية للأقطان، وأيضا إلى فقدان مصر لسمعتها الدولية في المنسوجات والملابس الجاهزة حيث كانت تصنع من الاقطان المصرية طويلة التيلة والآن تصنع من أقطان مستوردة قصيرة او متوسطة التيلة. ثانيا: المحور الإنتاجى: وفى هذا المحور يهتم بنقطتين أولهما: الدعم حيث يتميز القطن وغيرة من المحاصيل الاستراتيجية الأخرى، أن فقراء الفلاحين أو المنتجين الزراعيين هم المزارعين الرئيسيين لأغلب المساحات من تلك المحاصيل. وهؤلاء ليس لديهم القدرة المالية أو التمويلية اللازمة للإنفاق على الزراعة، خاصة في ظل التضخم الكبير الذى حدث في تكاليف الإنتاج الزراعى خاصة في السنوات الأخيرة. وعلى هذا لابد من التفكير في عودة الدعم مرة أخرى خاصة للمنتجين الزراعيين ذوى الحيازات المحدودة والذين يقومون بزراعة المحاصيل الاستراتيجية على الأخص القطن، ولكى تضمن أن يصل هذا الدعم إلى هؤلاء بشكل حقيقى لابد من العمل على تفعيل كارت الفلاح وإتمام تلك العملية بشكل كبير، حتى تكون هناك قاعدة معلوماتية حول الحيازات وحول الحائزين لتلك الحيازات وأنواع المحاصيل التي يتم زراعتها في تلك الحيازات. السعر التحفيزى: وهو السعر الذى يعطى للفلاح أو سعر الشراء من المنتج الزراعى، ولابد أن يكون هذا السعر مقاربا للأسعار العالمية، هذا من جانب ومن جانب أخر، لابد أن يراعى تكاليف الإنتاج الحقيقية ومعدلات التضخم في الريف المصرى حتى يكون سعرا مشجعا للاستمرار في العملية الإنتاجية للقطن. خاصة وانه في السنوات الأخيرة يعزف الكثير من المنتجين الزراعيين في الريف المصرى على زراعات القطن نظرا لأنهم يخسرون بشكل كبير خاصة وان سعر الشراء للأقطان المصرية اما أنها لا يعلن عنها في الأوقات المناسبة (قبل العمل على تمهيد الأرض لزراعة الأقطان خلال شهر مارس) بالإضافة إلى أن أسعار التوريد للأقطان منخفضة للغاية. حيث بلغ سعر التوريد للأقطان نحو 2100 جنيه للقنطار في الوجه القبلى ومصر الوسطى بينما كانت 2200 جنيه لأقطان الوجه البحرى، بينما التكاليف الإجمالية بلغت نحو 15000 جنيه /للفدان أي ان إجمالي الإيرادات بلغت (5.5 قنطار / للفدان)، الامر الذى يشير أن إجمالي الإيرادات للفدان بلغ قرابة 14000 جنيه الامر الذى يشير إلى خسارة المزارع وبالتالي عزوفه على إنتاج القطن في الاعوام التالية. ثالثا: المحور التسويقى: وفى هذا المحور يتم التركيز على الزراعة التعاقدية للأقطان وعلى احتكار تجارة القطن من قبل القطاع الخاص: الزراعة التعاقدية: لا شك أن طبيعة القطن كمحصول، فالمحصول إذا لم يتوافر له تسويق مناسب وجيد لن يستطيع المزارع أن يقوم بأى شئ أخر فهو يختلف عن القمح او الأرز او الذرة حيث يمكن للمزارع ان يقوم ببيعه مباشرة في الأسواق او يقوم بتخزينه لإطعام ماشيته او أسرته. فلابد من ضمان تسويق القطن وبالتالي الزراعة التعاقدية هي أنسب الحلول التي يمكن ان تحل بشكل كبير مشكلة تسويق القطن. ولا يمكن أن تكون تلك الالية فعالة وناجحة بدون وجود التنظيمات الفلاحية مثل التعاونيات او الروابط او الاتحادات الفلاحية التي لابد أن يكون لها دور في عمليات التعاقد التي يقوم بها الفلاح وتكون هي المتحدثة باسم الفلاح المصرى خلال عمليات التعاقد سواء من المصنع او المحلج او وزارة الزراعة او حتى التجار. ولكن ونظرا لان التنظيمات الفلاحية هشة وضعيفة ولا تقوم بدورها بالإضافة إلى القيود المفروضة على تلك التنظيمات فإن الزراعة التعاقدية التى هي أحد الحلول الرئيسية لتسويق القطن ليست فعالة على حد كبير. احتكار تجارة القطن من بعض شركات القطاع الخاص: منذ أن طبقت مصر ما يسمى ببرامج الإصلاح الاقتصادي والتثبيت الهيكلى منذ أواخر الثمانينات من القرن المنصرم، وتم دخول القطاع الخاص بشكل كبير في تجارة مستلزمات الإنتاج الزراعى (الأسمدة والمبيدات والاعلاف وغيرها) وكذلك في شراء المنتجات النهائية وعلى راسها القطن. فنشأت مجموعة من الاحتكارات لعدد قليل من الشركات التي تعمل في تجارة الأقطان المصرية وقد عملت تلك الشركات في سنوات ماضية على شراء الاقطان من المزارعين بأسعار منخفضة خاصة وانها تعلم ان القطن كطبيعة سلعة تختلف عن القمح والذرة والأرز، وهذا أدى إلى خلق احتكارات من بعض شركات تجارة الأقطان المصرية وبالتالي أدى إلى انهيار تجارة الأقطان المصرية ودخول المنتج الصغير تحت رحمة تلك الشركات الاحتكارية وبالتالي عزوف الكثير من المنتجين عن زراعة القطن الامر الذ أدى إلى ان تقوم تلك الشركات باستيراد الأقطان العالمية سواء من سوريا (قبل الحرب السورية) واليونان وقبرص وغيرها. وعلى هذا إذا أرادت الدولة أن تنهض بزراعة القطن المصرى الذى هو أساس صناعات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة أن تنظر إلى المسالة بشكل عام وبنظرة أكثر شمولية متحيزة لصالح المنتج الزراعى منتجى الأقطان لانهم هم الأساس بصناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، وهذه السياسات هي سياسات لازمة وأساسية للنهوض بزراعة القطن وهى اهم من قوانين تغليظ العقوبة على تجارة الأقطان المصرية.