تعطيل العمل وتأجيل الامتحانات.. جامعة جنوب الوادي: لا خسائر جراء العاصفة التي ضربت قنا    بعد التوقف والمنع.. افتتاح موسم الصيد ببحيرة البردويل في شمال سيناء    تنفيذ 15 قرار إزالة تعديات على أملاك الدولة بمساحة 2858 مترا بكفر الشيخ    «هوريزاون الإماراتية» تتنافس على تطوير 180 فدانا بالساحل الشمالى    سؤال برلماني عن أسباب عدم إنهاء الحكومة خطة تخفيف الأحمال    آلاف المتظاهرين يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بعدم تقديم استقالته    استهداف إسرائيلي لمحيط مستشفى ميس الجبل بجنوب لبنان    رئيس فلسطين يصل الرياض    رجال يد الأهلي يحقق برونزية كأس الكؤوس الإفريقية    طارق يحيى مازحا: سيد عبد الحفيظ كان بيخبي الكور    المصريون يسيطرون على جوائز بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية للرجال والسيدات 2024 PSA    أمطار رعدية ونشاط للرياح.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس الأحد    قرار بحبس متهمين في واقعة "حرق فتاة الفيوم" داخل محل الدواجن    الاثنين والثلاثاء.. ياسمين عبد العزيز تحتفل بشم النسيم مع صاحبة السعادة    أحمد كريمة: شم النسيم مذكور في القرآن الكريم.. والاحتفال به ليس حرامًا    بالفيديو .. بسبب حلقة العرافة.. انهيار ميار البيبلاوي بسبب داعية إسلامي شهير اتهمها بالزنا "تفاصيل"    مجلة رولنج ستون الأمريكية تختار «تملي معاك» لعمرو دياب كأفضل أغنية عربية في القرن ال 21    خبيرة أبراج تحذر أصحاب برج الأسد خلال الفترة الحالية    رامي جمال يتخطى 600 ألف مشاهد ويتصدر المركز الثاني في قائمة تريند "يوتيوب" بأغنية "بيكلموني"    رئيس الوزراء الفرنسي: أقلية نشطة وراء حصار معهد العلوم السياسية في باريس    غدا انطلاق معرض وتريكس للبنية التحتية ومعالجة المياه بمشاركة 400 شركة بالتجمع    وزير الرياضة يشهد مراسم قرعة نهائيات دوري مراكز الشباب | النسخة العاشرة    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    التحالف الوطني للعمل الأهلي.. جهود كبيرة لن ينساها التاريخ من أجل تدفق المساعدات إلى غزة    "اكسترا نيوز" تعرض نصائح للأسرة حول استخدام ابنائهم للانترنت    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    خطة لحوكمة منظومة التصالح على مخالفات البناء لمنع التلاعب    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    حكم واجبية الحج للمسلمين القادرين ومسألة الحج للمتوفين    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    بالصور| "خليه يعفن".. غلق سوق أسماك بورفؤاد ببورسعيد بنسبة 100%    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    الصحة: فرق الحوكمة نفذت 346 مرور على مراكز الرعاية الأولية لمتابعة صرف الألبان وتفعيل الملف العائلي    سياحة أسوان: استقرار الملاحة النيلية وبرامج الزيارات بعد العاصفة الحمراء | خاص    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية ويجري حوارًا مع الطلبة (صور)    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    متصلة تشكو من زوجها بسبب الكتب الخارجية.. وداعية يرد    بعد فتح التصدير.. «بصل سوهاج» يغزو الأسواق العربية والأوروبية    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    هل يوجد تعارض بين تناول التطعيم وارتفاع حرارة الجسم للأطفال؟ هيئة الدواء تجيب    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أشرف بيدس يكتب : سعاد مكاوي..تلقائية البنت الشعبية
نشر في الأهالي يوم 13 - 01 - 2020

في كل حارة وكل شارع، في المدن الريفية والساحلية، في البندر والمدينة، هناك فتاة تشبها في ملامحها وخفة ظلها ونباهتها التي لا تخطئها العين، حدقة وجدعة تتمتع بعلاقات طيبة مع الجميع، تناكف الصغير، وتبجل الكبير، سريعة البديهة، حاضرة الخاطر، لهلوبة في قضاء حاجياتها، ترتدي بالنهار الجلباب وتعصب رأسها بمنديل بأوية، تعجن وتخبز وتطبخ وتمسح وتكنس، وأحيانا تأكل الفراخ، وفي المساء ترتدي السواريه وتتزين وربما تنسجم مع الموسيقي فتغني وهي تتمايل باعتدال في نصف متر فقط، تملك وجها مبتسما، فرحا وبشوشا لا يخفي الحنين والشجن المسكونان في خلجاته، لكنهما لا يخرجان إلا عندما يضيق بهما الشوق.. تجيد التعبير بعيونها ورموشها دون بذخ وفي توقيتات مناسبة تجعل الآخر يشعر معها بالألفة والرضا، دلالها شعبي مباح ومشروع لأنه به قدر من البراءة والعفوية، بنت بلد حتي النخاع لا يستطيع أحد أن يتجاوز معها وتعي جيدا مفردات التوبيخ والتأنيب لكنها لا تحتمي بهما.
تملك صوتا دافئا تنسجم معه وتغوص داخله فتخرج الكلمات معجونة بالحنية والحميمة وكأن هناك علاقة بينهما من عشرات السنين، اضافة إلي شخصيتها المرحة، محققة معادلة صعبة ومستحيلة عندما تصحب البهجة دلالات الشجن. هي ايضا توزع الفرح علي كل المحيطين بها وتنسي في غمرة ذلك أن تأخذ نصيبا لها، تكتفي بأن تري السعادة علي شفاه الآخرين.. انها سعاد مكاوي (19 نوفمبر 1928- 20 يناير 2008) سيدة المونولوج في الشرق، ورائدة من رواده. عندما يذكر اشهر من قدمت المونولوج علي الساحة الفنية علي الفور يتبادر بالذهن اسمها، وتسترجع الجماهير هذا التراث العظيم التي قامت بأدائه من خلال الافلام السينمائية.
بغيابها هي وجيل من عمالقة الزمن الجميل يسحب فن المونولوج ظلاله الشحيحة المتناثرة من كل الأروقة والاماكن القديمة التي صال وجال فيها، وبعدما كان فقرة رئيسية وأساسية في جميع ملاهي ومسارح مصر يقبل عليها الناس، أصبحت الكلمة يكسوها التغريب، حتي أن اجيال متلاحقة لم تعد تعي معناها، وبالمناسبة المونولوج مصطلح يطلق علي نوع من الاداء المسرحي، ومصدر الكلمة يوناني ف “مونو” تعني أحادي و”لوجوس” تعني خطاب، والمقصود بالشخص المنفرد الذي يقف على خشبة المسرح يؤدي فقرة غنائية.
ورغم محاولات منفردة هنا وهناك من البعض حاولت أن تمهل من انقراض هذا الفن ورحيله، لكن للاسف لم يظهر أحد يعوض أو يملأ مكانة هؤلاء الرواد، فليس في الامكان ابدع مما كان، واصبح هذا الفن الجميل الذي امتع الملايين من البشر مهدد الاختفاء، فلم يعد هناك فنانين ولم يعد هناك جماهير.
مثل المونولوج البوابة الشرعية لكثير من الفنانين لدخول السينما ( اسماعيل يس وشكوكو وحسن فايق وثريا حلمي، وجاء في الجيل الذي لحقهم لبلبة وسيد الملاح وحمادة سلطان) وكانت سعاد مكاوي واحدة ممن مهد لهم المونولوج الدخول إلي السينما لتقدم أكثر من 30 فيلما تمثيلا وغناْءا، «غازية من سنباط 1967، اسماعيل يس للبيع 1957، نهارك سعيد 1955، تار بايت 1955، عروسة المولد 1954، قلوب الناس 1954، الارض الطيبة 1954، مجلس الإدارة 1953، لسانك حصانك 1953، انا ذنبي ايه 1953، المقدر والمكتوب 1953، بلد المحبوب 1951، خبر أبيض 1951، المعلم بلبل 1951، جزيرة الأحلام 1951، خد الجميل 1951، عينى بترف 1950، مكتب الغرام 1950، أسمر وجميل 1950، المليونير 1950، كلام الناس 1949، ست البيت 1949، حدوة الحصان، 1949، منديل الحلو1949، أوعى المحفظة، 1949، شمشون الجبار1948، نحو المجد 1948، ابن عنتر1947، بنت المعلم 1947، صاحب بالين، 1946، الخمسه جنيه 1946، الكنز المفقود 1939». استطاعت أن تمثل البهجة في كل أعمالها وأن تسهم بارتقاء هذا الفن من خلال الاغنيات التي قدمتها وشاركت فيها إسماعيل يس وشكوكو وعزيز عثمان، ومثلت الارث الحقيقي لهذا الفن، نظرا لعدم تسجيل البدايات الاولي.
ولدت سعاد مكاوي ﺑﻣدﯾﻧﺔ ﻛﻔر اﻟزﯾﺎت وسط أسرة فنية، والدها هو الملحن محمد مكاوي، والذي ورثت عنه الصوت الجميل وقام بتدريبها علي الغناء، وقام بتثقيفها موسيقيا، انتقلت الأسرة إلي حي باب الخلق وظﻠت طﯾﻠﺔ ﺣﯾﺎﺗﮭﺎ ﺗﻘطن ﻓﻰ هذا اﻟﺣﻰ، وجاء انتقالها ليفتح لها الأبواب للاحتراف، بدأت بالعمل ﻋﻣﻠت ﻓﻰ صالة فتحية ﻣﺣﻣود وزاملت فيها أشهر المغنيين في ذاك الوقت، -يقال إنها بدأت في كازينو بديعة مصابني – ثم انتقلت للعديد من الملاهي والمسارح، واستطاعت أن تثبت أقدامها وتحصد الشهرة ويذاع صيتها ويدرك الجميع بأن هناك صوت واعد ومبشر. جاءتها الفرصة الاولي بمشاركة الفنانة ليلي مراد الغناء في أغنية “سلم عليّ” وكان ذلك في سن مبكرة من خلال فيلم ” ليلى بنت الاغنياء” بأداء الكوبليه الافتتاحي في بداية الأغنية .
تزوجت سعاد مكاوي ثلاث مرات، من الملحن محمد الموجي، بعد قصة حب نشأت بينهما نتيجة وقوفها معه في محنة تعرض لها, وبتشجيع من الفنانة زينات علوي وافقت علي الزواج منه الذي تم في 3 يوليو عام 1958، في شقة العروسين بعمارة النهضة وبحضور شاهدي العقد المؤلف مرسي جميل عزيز ومساعد الإنتاج سيد إسماعيل. ثم تزوجت كان من المخرج عباس كامل والتي تعرفت عليه عندما استدعاها أخوه المخرج حسين فوزي لتجسد دور في فيلم “زهرة” بطولة بهيجة حافظ” عام 1945، وكان عباس كامل يعمل مساعد مخرج، واثناء التصوير حدث بينهم خلاف كبير ومشادة وصلت للتراشق، ولكن تم اكمال الفيلم، وبعد عدة ايام انسحب الاخوين (عباس وحسين) واسند للمونتير كمال ابو العلا اكماله، بعد تلك الواقعة بشهور قليلة، وتحديدا في 1946 اسند فيلم “صاحب بالين” للمخرج عباس كامل ليقوم باخراجه ورغم الخلاف الذي وقع بينه وبين سعاد مكاوي إلا أن ذلك لم يمنعه من اللجوء إليها لتلعب أحد الادوار في فيلمه الذي ينوي اخراجه، لم تتقبل سعاد الدعوة بصدر رحب في البداية، ولكنها اضطرت للموافقة بعد جلسة تصافي جمعت بينها وبين عباس كامل، وكتب لها مونولوج “حمودة فايت يا بنت الجيران” والتي قامت بغنائه مع شكوكو وقام بتلحينه محمود الشريف، ومن المفارقات الغريبة أن هذا الفيلم تم عرضه بالسينما قبل فيلم “زهرة” واستمر التعاون الفني بينهما، ثم تكرر التعاون بينهما بعد ذلك في عدة افلام، والحق انه اعطاها فرصا سينمائية كثيرة، ويندر أن نري فيلم له دون مشاركتها في دور مميز يظهر امكاناتها الفنية والغنائية، وقد ساعدت هذه الاعمال علي انتشارها واثقلت تجاربها السينمائية، وعندما انفصلا عام 1957 انطفأ الاثنان معا. وجاء زواجها الاخير من الدكتور محمد إسماعيل الموسيقار المعروف والذي توفي في حادث اليم، ولم ترزق بأولاد من ثلاث زيجات.
في فيلم “المليونير” شاركت اسماعيل يس الغناء في إحدي مونولوجات الفيلم، وكانت تقول له: في شفايفك رطلين قوطة – والشعر بتنجان رومي – آه ياني لو تلبس فوطة – واخبيك جوه هدومي”، في فيلم “عروسة المولد” عندما تتمايل تحية كاريوكا علي أغنية “حلوين قوي” يخرج غناء سعاد مكاوي حزينا بائسا رغم أن المناسبة تحرض علي الضحك، لكن الكلمات تلمس وتر داخلها، وهي تقول :” يا شوق طويل فوق الخدين – يا ليل جميل تحت الحاجبين – كشفنا رمل فتحنا حجاب- كتبنا بالشوق الف كتاب – علي الود بينا وبين احباب”.
اشتهرت سعاد مكاوي باسم “بلية” والذي صاحبها في أكثر من عمل، فهي عضو اصيل في عائلة كبير الرحيمية التي كونها “عباس كامل” في سلسلة أفلام، الأب “محمد التابعي – كبير الرحيمية”، والابن “عبد الموجود -السيد بدير”، والابن الاصغر “الدندراوي – عمر الجيزاوي”، والابنو الصغري “بلية – سعاد مكاوي”، وظهرت بهذا الاسم في عدة أفلام منها: “بنت المعلم”، وأيضا “ابن ذوات” وفيلم “يا خبر ابيض” الذي كانت تدور قصته حول يانصيب يفوز بسيارة، وهي مسابقة كانت تقيمها بالفعل مجلة “الاثنين” في اوائل الخمسينيات، حيث كانت تعطي رقم لكل غلاف من اغلفة المجلة، وتحدد الرقم السعيد الذي سيفوز بالجائزة، وفكرة الفيلم تشبه لحد كبير الطريقة التي تزوجت بها من عباس كامل الذي كان يملك سيارة ولا يجيد القيادة، بينما هي تجيد القيادة ولا تملك سيارة، فجاء الارتباط بينهما، ثم ظهرت بشخصية “بلية” في فيلم “خد الجميل” وكان أول بطولة لعبد العزيز محمود، وفي هذا الفيلم غنت أغنية يبدأ لحنها بمارش عسكري وتقول كلماتها “علي ايه الطرحة ولبس الطرحة مادام القلب حبيبه بعيد – وقدوولي الشمع قدوه وطفاه الدمع طفاه في ليلة العمر ويوم العيد “. ولم يقتصر اطلاق اسم “بلية” علي الافلام التي أخرجها عباس كامل، بل أفلام أخري كانت من اخراج الآخرين.
اما أغنيتها الشهيرة “لما رمتنا العين” والتي لحنها لها الموسيقار محمود الشريف وكان ذلك من خلال فيلم “قلوب الناس” 1954 للمخرج حسن الامام، وهو اللقاء الوحيد الذي جمع بين فاتن حمامة وانور وجدي، قام بأداء هذه الأغنية وهي تتوسط الراقصتين لولا عبده ونادية جمال، وقد نالت هذه الاغنية شهرة واسعة، وظلت الاغنية المفضلة لدي الجماهير، وهي من اكثر الاغاني التي غنتها سعاد مكاوي لكثرة الطلب علي سماعها تقول كلماتها :”لما رمتنا العين شوف انت فين وانا فين – واللى شافونا ليه يحسدونا ويفرقوا القلبين – سهم العوازل طالع ونازل – يحسد حبايب فرحوا بهواهم – يصيب ويطرح فى كل مطرح – ويدور يخبى ع الناس دواهم – ولما احنا – لومهم جرحنا راحوا وروحنا- وكنا اغلى اتنين شوف انت فين وانا فين”.
سعاد مكاوي
وعن بداية علاقتها بمحمد عبد الوهاب تقول في حديث اذاعي مع الاذاعية نعيمة حسن من خلال برنامج “نجوم الغناء” ان عبد الوهاب حضر إلي الاستوديو اثناء تصوير أحد افلامها ليشاهدها وهي تمثل، وكان ينوي ساعتها أن يقدمها في فيلم من انتاجه “بلد المحبوب” أمام سعد عبد الوهاب واسماعيل يس، اقتنع عبد الوهاب بقدراتها التمثيلية واسند لها بطولة الفيلم، وقام بتلحين واحدة من أهم أغنياتها “قالوا السمار احلي ولا البياض أحلي” وهي من كلمات ابو السعود الابياري، وهي الاغنية التي اعتزت بها خلال مشوارها الغنائي بكامله، وتقول كلماتها ” قالوا البياض احلي ولا السمار احلي- قلت اللي شاريني جوه العيون يحلي – لما رماني الهوا يا اسمر وحبيتك لاقيتك انت الدوا وفي قلبي خبيتك”، كما انه اطلق عليها لقب “الهانم” حيث كان يري أن صوتها من أفضل الأصوات التي دخلت عالم الأغنية وكان يطلق عليها صاحبة الصوت الدافئ.
ﻛﺎن ﺻوﺗﮭﺎ وﻏﻧﺎﺋﮭﺎ ﯾﺻل ﺑﺳرعة وﯾدﺧل اﻟوﺟدان اتسمت اغنياتها بالدلع والخفة وشاركت معظم مطربي جيلها في الغناء، ومن اشهر أغانيها دويتو “ﻋﺎوز أروح” أمام إسماعيل يس، وشاركت كارم محمود أغنية “ﻋﯾﻧﻰ ﺑﺗرف”، وايضا شكوكو في “انت يا انت”، وعبد العزيز محمود في “هجرت ليه”، ومنير مراد في “صح النوم”، وعزيز عثمان في “انتي اللي عليكي العين”، ومع محمد سلمان في “ياريتها اتقطعت ايدي”، وأخيرا ديتو “حظرة ناري – امان امان” مع اسماعيل يس. كما كانت لها اسهامات كبيرة في الاوبريتات الاذاعية، ومنها “ﻋواد ﺑﺎع أرﺿﮫ – اﻟﺻﺎﺑرﯾن ﻋﻠﻰ ﺧﯾر- ﺟﮭﺎز اﻟﻌروسة – اﻟﺑﻧﺎﺋﯾن – ﺧﯾرات رﻣﺿﺎن – رﺣﻠﺔ ﺷﺑﺎب – رﻣﺎن اﻟﺟﻧﺎﯾن -ﻋش اﻻﺣﻼم” ، وقام بالتلحين لها: محمود الشريف وحلمي بكر وأحمد صدقي ورياض السنباطي ومحمد فوزي ومحمد الموجي وكتب لها أكبر المؤلفين، وتمثل كلمات فتحي قورة وابو السعود الابياري نقلة متميزة ومتقدمة في أغنياتها..
اشتهرت بتقديم أدوار الخادمة خفيفة الظل ونافست في ذلك اثنتين من كبريات الفنانات اللائي تصدين لهذه الادوار (زينات صدقي- وداد حمدي) لكنها تميزت بأن غناءها كان يضفي علي اداءها بالحيوية، كانت واحدة من نجوم الصف الثاني في الاربعينيات، وكانت طلتها من خلال الأفلام التي عملت بها مبعث للفكاهة والمتعة، وكان المخرجين يسندون إليها تلك الادوار لتضفي علي العمل جو من البهجة والمتعة. جاء ظهورها في الاربعينيات حيث كانت السينما الاستعراضية والملاهي تزدحم بالعديد من نجوم الغناء والرقص، كما شهدت في تلك الفترة ازدهار فن المنولوج، لكن ظهورها وسط هذه الكوكبة المتألقة والتي لم يجود الزمان بمثلهم، ساعدها لابراز امكاناتها الغنائية ولم يحدد من انطلاقاتها.
اﻧﻘطﻌت ﻋن العمل الفني بسبب التهابات اصابت عينيها استحالت معها التعرض للضوء الشديد المستخدم في البلاتوهات، وهذا ما جعلها لم تظهر في عمل فني في تلك الفترة، حتي اعادها السيد زيادة بعد إلحاح شديد عام 1967 لتشارك في فيلم غازية من سنباط” أمام شريفة فاضل وعبد اللطيف التلباني، وللاسف الفيلم لم يحقق النجاح المنتظر منه، فاعتزلت السينما نهائيا، ثم تختفي مرة أخري وتعود ﻓﻲ اﻟﺗﺳﻌﯾنيات، وكانت العودة مقتصرة علي ﺑﻌض اﻟﺣﻔﻼت القليلة، لتفاجئ بأن أذواق الجماهير تغيرت، فآثرت الابتعاد حيث ﻟم ﺗﺟد اﻹﻗﺑﺎل اﻟذي ﯾﺷﺟﻌﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺗﻣرار ، وكان اﻻﻧﺳﺣﺎب الأخير ﻣن اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ.
احتفظت سعاد مكاوي بعلاقات طيبة مع زملاؤها، ولم تطال منها الالسن ولم تشب سيرتها شائبة، كما كانت لها علاقات جيدة مع جيرانها والذين اكدوا أنها كانت شديدة الحرص خلال الفترة الأخيرة على أداء الصلوات والاستماع للقران الكريم كما كانت تعشق الاستماع للشيخ محمد رفعت ومحمد صديق المنشاوي.
بعد الاضواء والشهرة، يخفت النور قليلا، ربما إلي حد تستحيل معه الرؤية، ويتحول المشهد الفكاهي الساخر، إلي نهاية تراجيدية مفعمة بالآلم، وتفقد الالوان زهوتها وتوهجها عندما تتحول إلي اشياء رمادية تبعث علي الكآبة، ويحل الصمت الشديد والمخيف بعد الضوضاء والضجيج، وتقل حركة الناس حتي تنعدم ويبدو المكان فراغ موحش وقابض، ويدور العمر من خلال الذاكرة الهرمة التعبة وكأنه شريط سينمائي يؤنس الوحدة، ويطحن الامل في استعادتها، تتخذ سعاد مكاوي مقعدا قريبا من مدفئة وتسرح بعيدا بعيدا لعلها كانت تتذكر زمانها الجميل التي ملأته بهجة وسعادة، وكحال الكثيرون ممن زرعوا داخلنا التفاؤل والابتسام تأتي نهاياتهم حزينة ومنكسرة تغلفها الاحزان من كل جانب، فباستثناء زميلها محمود عزمي الذي كان يعمل معها بالاذاعة لم يسأل عنها أحد، ربما هذا ما ضاعف من آلامها، وعندما استبد بها اليأس والحاجة حاولت العودة مرة اخري للعمل في الاذاعة رغم آلام الشيخوخة التي لازمتها في سنواتها الأخيرة لتنفق علي نفسها , ليأتي المشهد الاخير بهبوط في الدورية الدموية لتلقي ربها، بعد حياة حافلة بالنجاح والانكسار، صدرت النجاح لجماهيرها، واحتفظت هي بالانكسار والآلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.