بقلم عبد الستار حتيتة رغم كل الخدمات التي قدمها نظام الحكم الإخواني في تركيا، برئاسة رجب طيب أردوغان، للدول الغربية (حلف الناتو)، وإسرائيل، طيلة السنوات الماضية، إلا أنه اكتشف أنه لم يحقق المكاسب التي يطمح إليها. كان هدف أردوغان الحصول على عضوية تركيا في الاتحاد الأوربي. لكن الأوربيين لم يطمئنوا أبدا للخطاب الأردوغاني، المتعالي والمتطرف. لهذا بدأ لعبة خطرة بالوقوف، صراحة، وراء تيار الإرهابيين في المنطقة العربية خاصة منذ بدء الألفية الجديدة. وفي السياق نفسه كانت دويلة قطر قد بدأت منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي في نحت طريق خاصة لكي تقدم نفسها للعالم باعتبار أنها المتحكم في توجهات الجماعات المتطرفة حول العالم، من حركة طالبان في أفغانستان، إلى تنظيم الإخوان والقاعدة. في عام 2010 تحديدا التقط النظام الأردوغاني الخيط، وبدأ في التعاون مع قطر لهدم الأنظمة العربية الوطنية، وإحلال حكم المتطرفين، بحيث تضع كل من الدوحةوأنقرة أيديهما على الركائز الاستراتيجية في المنطقة، من مضيق باب المندب إلى قناة السويس، وسواحل البحر المتوسط خاصة في شمال أفريقيا. ولتنفيذ هذه الخطة شارك النظام القطري والنظام التركي في إغراء العالم بالوقوف وراء حكم الإخوان في مصر وليبيا وسوريا، بزعم تطبيق الديمقراطية. واستخدم نظام الدوحة ونظام أنقرة كل الإمكانيات لهذا الغرض، من حلف الناتو، إلى كل طوائف الإرهاب، ما ترتب عليه موجة عاتية من الفوضى. ومع ذلك تمكن الشعب المصري من لفظ هذا المخطط، وإسقاطه في 2013. وسقطت معه مشاريع الأتراك والقطريين التي كان يجري الترتيب لها، ومنها تقاسم العمل بينهما في محور قناة السويس، أحد أكبر المشروعات في المنطقة. وفي 2014 رد الليبيون بقسوة على المخطط نفسه، وانتخبوا نوابا يرفضون التغلغل التركي القطري في بلادهم، وبدأوا رحلة جديدة لمقاومة المؤامرة التركية القطرية. يستند النظام الإخواني التركي الحاكم في ابتزاز العرب والعالم، على دويلة قطر وعلى إمكاناتها المالية المهولة، ويعتمد كذلك على النهم القطري لمشروعات الغاز، من الخليج إلى البحر المتوسط، مرورا بسوريا. لكن النظام التركي وجد نفسه في نهاية المطاف يخسر بشكل درامي وسريع. يخسر داخليا، بعد ترك عدد من القادة للعمل مع حزب أروغان الإرهابي. ويخسر إقليميا بعد أن رأى أن مصر أصبح لها الكلمة العليا في قضية تصدير الغاز من البحر المتوسط إلى أوربا، بالتعاون مع دول مثل اليونان وقبرص وإيطاليا وفرنسا وغيرها. ويخسر دوليا، بانحيازه – أي النظام الأردوغاني – إلى روسيا على حساب حلف الناتو الذي هو عضو فيه. سياسة الابتزاز من نظام أنقرة أصبحت تدور في دوائر ضيقة.. تصغر وتصغر، وتجعل خطابات أردوغان أكثر رعونة، وأكثر إثارة لاستفزاز الدول وشركات الطاقة الكبرى، مثل توتال وإيني. من آخر الأوراق التي يحاول النظام التركي التشبث بها، الورقة الليبية. وهو يسعى عن طريق هذا الملف إلى تطبيق مسلك طفولي معروف “إما أن ألعب معكم، أو أفسد عليكم اللعبة برمتها”. لهذا قام أردوغان بعقد مذكرة تفاهم مع المجلس الرئاسي الليبي – منزوع الصلاحية – من أجل الحصول على موطئ قدم في ليبيا. والوقوف بقوة مع هذا المجلس الذي أصبحت تسيطر عليه عصابات إرهابية وميليشيات مجرمة. في اليومين الماضيين شوهد رئيس المجلس الرئاسي الليبي، فايز السراج، في أحضان القادة الأتراك على مسرح الدوحة. وكان مع السراج وزير داخليته ووزير دافعه، فتحي باشاغا. ومن العاصمة القطرية جرى اتخاذ خطوات التصعيد.. مزيدا من الهجوم على الدول التي تقف مع الليبيين لبسط الاستقرار والأمن في بلادهم، وعلى رأسها مصر. ومن أدوات هذا الهجوم إرسال قوات عسكرية تركية ومزيدا من المعدات القتالية من أنقرة، إلى ميليشيات وعصابات المجلس الرئاسي في ليبيا. في يوم الاثنين الماضي، حطت طائرة قادمة من الدوحة في قاعدة مدينة مصراتة الجوية (200 كلم شرق طرابلس)، وكان على متنها مسئول في المخابرات القطرية، وعاد معه باشاغا أيضا. وكانت الخطة التركية جاهزة في اجتماع عقد لهذا الغرض، ما أثار استفزاز شريحة من الوطنيين في مدينة مصراتة. تقرر في اجتماع الاثنين مزيدا من الحرب ومزيدا من الاقتتال بين الليبيين، ما يترتب عليه مضاعفة التهديد لأمن دول الجوار الليبي، خاصة مصر. وأيد المندوب القطري وقادة وزارة الدفاع الأردوغانية هذه الخطة. على كل حال.. لقد فشلت سياسة الابتزاز الأردوغانية في سوريا، وفشلت مع الاتحاد الأوربي، وفشلت مع حلف الناتو.. ورغم كل الألاعيب الجديدة التي يقوم بها نظام أردوغان، بمساعدة قطر، فمن غير المتوقع أن تنجح سياسة الابتزاز هذه في لي ذراع القوات المسلحة العربية الليبية بقيادة المشير خليفة حفتر، ولا الدول المجاورة لليبيا.