يعد الإنفاق على التعليم بشكل عام من ضمن أهم أوجه إنفاق الأسر فى مصر، حيث تنفق الأسر نحو 9.2% من دخلها سنويا على التعليم بكل مشتملاته، وهو ما توضحه تفاصيل بحث الدخل والإنفاق الأخير لعام 2017/2018 الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وهو بحث يتم إجراؤه كل عامين يظهر من خلاله خط الفقر وطبيعة دخل وإنفاق الأسر، ويعد من أهم البحوث الإحصائية. وقد كشف الجهاز فى تقريره الاخير من خلال نتائج بحث عن حجم الإنفاق على التعليم، إن نسبة الإنفاق السنوي على التعليم، للأسر التي لديها أفراد ملتحقون بالتعليم، بلغت 9.2% من إجمالى الإنفاق السنوى للأسرة بمتوسط 5184.3 جنيه لاجمالى الجمهورية، ويقترب هذا المتوسط فى الحضر من الضعف فى الريف بنسبة 11.5% للحضر و 7% بالريف. ارقام ومؤشرات ناقشتها "الأهالى" مع المعنيين بالمنظومة التعليمية وخبراء تربويين للوقوف على الاسباب والنتائج ومدى انعكاسها على ارض الواقع. فأكد "عبد الحفيظ طايل" مدير مركز الحق فى التعليم، الانفاق المجتمعى على التعليم يزيد زيادة مطردة كل سنة، نتيجة لانسحاب الدولة من كفالة الحق فى التعليم، بمعنى ان تكلفة فرصة التعليم، والمقصود بها التحاق الطالب بمدرسة وتحصيله وامتحانه ونجاحه، وتكلفة تلك الفرصة التى حصل عليها الطالب، اما يحصل عليها من الحكومة او من الاسرة، موضحا انه كلما قلت ميزانية التعليم فى مصر تحملت الاسر مبالغ واعباء اكثر. واوضح" طايل"، ان الارقام التى اشار اليها تقرير "الاحصاء" مؤخرا فيما يخص الانفاق على التعليم، قابلة للزيادة اذا استمرت الحكومة فى انها لا تفى بالاستحقاقات الدستورية الخاصة بالانفاق على التعليم قبل الجامعى والمقدرة ب 4 % من الناتج القومى الاجمالى للتعليم قبل الجامعى، مؤكدا ان هذه النسبة حتى الآن 2،2%، وبالنظر الى تأثيرات اخرى مثل تعويم الجنيه، نكتشف ان الانفاق الحقيقى من الدولة على التعليم يقل ولا يزيد، وبالتالى تحاول الاسر تعويض ذلك بالانفاق من دخلها على تعليم اولادها فى كل الصور بداية من المصروفات المدرسية مرورا بالدروس الخصوصية والكتب الخارجية المواصلات والوجبات والزى المدرسى ومصاريف المدارس الخاصة ثم الجامعات الخاصة، وبالتالى حجم الانفاق المجتمعى على التعليم مبلغ ضخم جدا..وفيما يخص نسبة الانفاق على المصروفات والرسوم الدراسية فى الريف والمقدرة ب 45،6 % والتى تخطت النسبة فى الحضر والمقدرة ب 40،9 %، يقول " طايل"، ان هناك اسبابا عكست هذه النسبة، منها ان الريف يتكلف مواصلات للوصول الى المدارس، بالاضافة الى ان عدد القرى ومساحتها فى الريف اكبر من عدد المدن فى الحضر، علاوة على انه كلما زادت نسبة الفقر فى مكان زاد ت اسعار الدروس الخصوصية مثلا، لاحتياج المدرسين لتحسين ظروفهم المعيشية ودخلهم المادى فى ظل غياب فرص العمل الثانى للمدرس على عكس توافر تلك الفرص فى الحضر، فمن الممكن ان يعمل المدرس عملا اضافيا ثانيا مع التدريس لتحسين دخله. سوق عمل واكد" طايل "ان هناك علاقة ملموسة بين وضع التعليم وارتفاع نسبة البطالة، مشيرا الى عدم وجود سوق عمل مناسب ومحترم فى مصر بسبب ان الاقتصاد غير الرسمى متغول على الاقتصاد الرسمى نتيجة غياب التخطيط، بالاضافة إلى انه من المفترض ان يحدث العكس بحيث يكون التعليم هو من يقود قاطرة التنمية ولا يتبعها، فالتعليم ليس العربة الثانية فى القطار وانما الاولى، وبالتالى لابد من وضع برامج تعليم تخاطب المستقبل، وتصريحات الوزارة فى هذا الشأن غير صحيحة، موضحا ان المقصود بأن تخاطب المستقبل هو ان تمنح الطلاب الحق فى التفكير والتخطيط والابداع، على ان لدينا منظومة كاملة للحريات العامة تتعامل مع الحق فى العمل هو الاخر على انه حق للشخص وليس بوصفه سلعة، خاصة ان العمل فى مصر مسلع مثل التعليم، مضيفا ان البطالة متركزة اكثر فى خريجى التعليم المتوسط "التعليم الفنى"، وهو تعليم مهمل لسبب بسيط انه تعليم ابناء الفقراء، ويعتبر ذلك واحدا من الاسباب الرئيسية التى تدفع الاسر الفقيرة الى الانفاق الأعلى من دخلها على التعليم هو معالجة مشاكل التمييز الواقعة على خريجى التعليم الفنى، مؤكدا ان التصريحات الرئيسية بشأن الاهتمام بهذا النوع من التعليم غير حقيقية ومجرد كلام على ورق. ثقافة شعبية من جانبه، يرى "مصطفى كمال الدين حسين"، عضو لجنة التعليم والبحث العلمي، بمجلس النواب، إن ظاهرة الدروس الخصوصية ثقافة شعبية من الصعب إزالتها من خلال قانون، لكن يمكن اتخاذ مجموعة من الإجراءات لتقليل نسبتها، معبرا عن استيائه من ارتفاع نسبة الإنفاق عليها، والتي وصلت إلى 37% من مصروفات الأسرة، وفقًا للإحصائيات الرسمية، مطالبا بضرورة القضاء على مراكز الدروس الخصوصية، كجزء من حل هذه الأزمة التي باتت تستنزف معظم موارد الأسرة، بالاضافة الى أهمية وجود منظومة تعليمية متكاملة، يمكن من خلالها القضاء على منظومة الدروس الخصوصية. واضاف" مصطفى" ان ظاهرة التهام الدروس الخصوصية والمجموعات الدراسية النصيب الأكبر من ميزانية التعليم للأسرة سنويًا، وفقًا لما تظهره نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2017- 2018 واستحواذها على النصيب الاكبر من فاتورة الانفاق وتفوق الريف على الحضر، كلها ارقام تشير الى وجود تفاوت كبير وواضح، ما يؤكد ان ملف التعليم بكل مشتملاته يعكس ثقافة مجتمع ومدى الاهتمام بفكرة التعليم فى حد ذاتها، مضيفا ان هناك ضرورة ملحة لتطوير التعليم وزيادة نسب الانفاق عليه، الامر الذى يتعارض وارض الواقع، فالموازنة الجديدة ل"التربية والتعليم"، والمقررة ب99 مليار جنيه، غير كافية بالمرة، خاصة أن الثلثين منها رواتب وأجور، وأن نصيب التطوير منها لا يتعدى 15 مليار جنيه، وأن العام الماضى كانت ميزانية التعليم 89 مليار جنيه، منها 10 فقط للتطوير. بينما اعتبر "عبدالناصر إسماعيل"، الخبير التربوى، أن ما تقوم به وزارة التربية والتعليم من مشروعات تطوير هو مشروع جامد ولا توجد أي ملامح به، مؤكدًا أن التعليم لا يزال ينحصر فى الدروس الخصوصية والسناتر، وأن المناهج لم يتم تطويرها، مؤكدا ان التطوير ضرورة ملحة، ولكن عند تطبيق نظام التطوير مع بيئة غير ملائمة ستأتى بنتيجة عكسية، مشيراً إلى التصريحات الرسمية بأن هذا النظام سيُحد من ظاهرة الدروس الخصوصية تعكس الخلل فى طريقة التفكير فى ما يتعلق بتطوير التعليم، فعندما توجد لدىّ رغبة فى التطوير لا أعالج أعراض المرض، لكن يجب أن أعالج المرض نفسه، وهو الدروس الخصوصية التى تعد مرضاً مزمناً تسبّب فى انخفاض جودة التعليم داخل المدارس، الوضع الذى ترتفع معه نسبة البطالة، لغياب التوافق بين مخرجات التعليم وسوق العمل.