منذ أقل من مائة عام ( 1922) وفى محاضرة ألقاها الفيلسوف الانجليزى "برتراند راسل" تنبأ بأن أمريكا لن تحكمها حكومة واشنطن بل البترول.. مؤكداً أن إمبراطورية المال الأمريكية التى تسيطر على العالم كله سيطرة تتسم بالقسوة وضيق الأفق، ستضعنا أمام كابوس مرعب فى المستقبل.. كما تنبأ بأن أسلوب فرض العقوبات وقطع الإمدادات هو الأسلوب الذى ستستخدمه أمريكا مع الدول التى لا تسير على هواها.. ومنذ إعلان الرئيس الأمريكى ترامب إلغاء الموافقة الأمريكية على الاتفاق النووى ( 5 + 1 ) منذ أكثر من عام.. تنفيذاً لرغبات مجرم الحرب العنصرى نتنياهو.. تسعى الولاياتالمتحدةالأمريكية لإثارة القلق.. ودق طبول الحرب.. وإطلاق نفير القتال.. وإثارة مخاوف دول المنطقة.. وذلك من خلال حشد مزيد من القوات والقطع البحرية الأمريكية بالإضافة إلى القواعد الأمريكية المتمركزة فى المنطقة، ومزيد من العقوبات وتشديد الحصار على إيران، بل ومعاقبة كل من يثبت تعامله مع إيران مخالفاً الأوامر الأمريكية، ومتمرداً على الإدارة الأمريكية، وتندفع بعض دول المنطقة ضمن هذا المخطط..لا متلاكها سلاحاً نووياً لم تمتلكه بعد، بدعوى إنها تمثل خطراً داهماً على دول المنطقة.. وإثارة الخطر النووى الإيرانى. وفى إطار ذلك نرى اصطفافاً لبعض الأطراف العربية مع الموقف الأمريكى الإسرائيلى بمخاوف أمنية. ولكن لا يمكن القبول أو التسليم بتلك المخاوف بديلاً للخطر الصهيونى المتحقق على أرض الواقع منذ أكثر من (70) عاماً.. وامتلاكه السلاح النووى. ومن مظاهر هذا الاصطفاف غير المتسق مع الجغرافيا والتاريخ.. وعلاقات القوى.. عقدت ثلاث قمم بدعوة من المملكة العربية السعودية بمكة لمواجهة الخطر الإيرانى وما سبق أن، ورد على لسان الإرهابى الصهيونى نتنياهو فى أكثر من مناسبة، هو وغيره من المسئولين الصهاينة الأمريكان بأن الخطر الذى تمثله إيران على إسرائيل هو ذات الخطر الذى تتعرض له الدول العربية السنية المعتدلة !! فى محاولة لتأجيج الخلاف والمخاوف.. لمزيد من الصراع المذهبى كى يكون بديلاً للصراع العربى الصهيونى.. المتفجر منذ المؤامرة الدولية على الأمة العربية بتقسيمها باتفاقية سايكس بيكو 1916، والوعد المشئوم فى 1917 الذى منح ما لا يملك لمن لا يستحق.. والذى وجد طريقه إلى التنفيذ بقرار التقسيم 181/1947 بعد تهيئة المسرح الاقليمى والدولى عبر الإدارة الاستعمارية البريطانية لتمكين العصابة الصهيونية من إعلان دولتهم على أنقاض فلسطين وأشلاء شعبها بين اللجوء والشتات. وكان من آخر المحاولات.. عقد مؤتمر وارسو.. تحت شعار مواجهة الخطر الإيرانى.. والإرهاب الإيرانى !! أن من يقبل بسياسات العقوبات الأمريكية على إيران.. انطلاقاً من الخلافات.. وتناقض المصالح معها.. يكون بذلك قد قبل بالهيمنة الأمريكية وبأن يكون القرن ال (21) قرناً أمريكياً كما أعلنه بوش الابن.. من قبل أثناء تهيئة الرأى العام لعدوانه على أفغانستان وما بعده العراق. إن من يقبل بسياسات العقوبات الأمريكية تجاه إيران.. يقبل بمعاقبة الشعوب عقاباً جماعياً.. كما تتعرض له فنزويلا فى أحدث الإجراءات الأمريكية الذى حذر منها برتراند راسل منذ أقل من مائة عام.. ومعناها يوافق على ما تعرض له العراق من عقوبات تصل إلى جريمة الإبادة الجماعية منذ أواخر 1990 وحتى وقوع العدوان الأمريكى والغزو والاحتلال للعراق (2003)، وما تتعرض له كوبا منذ أوائل الستينيات فى القرن الماضى، وما تعرضت له دول التحرر العربى وفى مقدمتها مصر من قبل أمريكا..، وما تعرضت له ليبيا من عدوان وغزو وحصار حتى سلمت وأعلنت عن تخليها عن طموحات و أفكار أو محاولات التسلح النووى، والتى أنهيت مؤخراً بالعدوان الأطلسى عليها وإسقاط الدولة الليبية فى براثن الإرهاب. والموقف الأصيل الذى يتسق مع القيم والمبادئ الإنسانية هو الرفض التام لسياسات العقوبات التى تلحق أضراراً فادحة بالشعب الإيرانى.. وينطبق عليها قطع الأرزاق أكثر من قطع الأعناق.. والدعوة إلى اتخاذ الموقف المبدئى بالدعوة لمنع الأسلحة النووية وإحلال الحوار والتفاوض محل التهديدات والعقوبات. والتذكير بمبادرة إخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووى والمتمثل فى امتلاك إسرائيل السلاح النووى منذ الخمسينيات.. بخطر متحقق فعلاً.. وليس خطراً محتملاً. ولا يكفى أن يقرر المجتمع الدولى حظر استخدام الأسلحة النووية، بل ينبغى أن يتخذ قراراً تاريخياً بحظر إنتاج هذه الأسلحة التى تهدد البشرية كلها بالفناء.