سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الكوميديا السوداء فى عالم السياسة.. آخر كذبة: حماة الإرهاب.. يعلنون انتصارهم على الإرهاب!.. لماذا قرر ترامب سحب قواته من سوريا؟.. توقع ظهور مشروعات تركية مشبوهة تحت ذريعة محاربة الأكراد
من نماذج الكوميديا السوداء فى عالم السياسة أن يَدعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولاياتالمتحدة سوف تسحب ال 2200 جندي أمريكي من سوريا بعد أن ألحقت الهزيمة بتنظيم داعش! ويبدو أن الطرائف التي تدعو إلى السخرية وتدخل فى إطار الهزل الركيك.. تلك التغريدة التي نشرها ترامب على موقع تويتر ليقول فيها «أن تركيا ستتولى مهمة القضاء على ما تبقى من تنظيم داعش فى سوريا»! ولابد أن نضيف إلى عالم الطرائف أن شبكة CNN نشرت أول أمس مقتطفات من مكالمة هاتفية بين ترامب والرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» يقول له فيها «لقد أنجزت الولاياتالمتحدة مهمتها فى سوريا.. وانتهينا.. والآن سوريا كلها لك «!!. فى البداية ولكي نضع كل النقاط على الحروف، فإن الولاياتالمتحدة لم ترسل جنودها وطائراتها إلى سوريا للقضاء على داعش، وإنما لحماية داعش ومنع سوريا من إحراز النصر النهائي على المنظمات الإرهابية وتحرير الأراضي السورية كافة من الإرهابيين. والأدلة على ذلك لا تحصى، وتكفى الإشارة إلى مجموعة الدراسات الاستراتيجية لوزارة الدفاع الأمريكية حول قيام فرق قوة العمليات الخاصة الأمريكية بتدريب قوات «المعارضة» الاسم المهذب للجماعات الإرهابية وتقديم غطاء جوي لها. وجاء فى وثيقة سرية لمخابرات البنتاجون أن هناك إمكانية لإقامة «إمارة سلفية» فى شرقي سوريا (الحسكة ودير الزور). ويوجد، حتى الآن، فى «أدلب» السورية مابين 40 و45 تنظيمًا إرهابيًّا أقواها هو تنظيم جبهة النصرة (القاعدة). ويشير تقرير للأمم المتحدة إلى أن هناك مابين 20 ألفًا و30 ألفًا من مقاتلي تنظيم داعش مازالوا فى كل من سوريا والعراق، وأن هناك 50 ألفًا من عناصر الجماعات الإرهابية فى محافظة أدلب السورية. ومع ذلك، فإنه عندما اتجهت سوريا بدعم روسي لتحرير إدلب من الإرهابيين، أعلنت واشنطن أن منع سوريا من تحرير المدينة من جماعات الإرهاب هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لها، كما أعلن أردوغان رفضه المطلق لأي خطوة سورية روسية فى هذا الاتجاه. واتفق أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني روحاني على منحه مهلة لإخراج الإرهابيين من إدلب بدون مواجهة عسكرية، ومع ذلك فإنه لم يفعل شيئا ومازالت المنظمات الإرهابية تنعم بالهدوء فى إدلب!. واهتمت الولاياتالمتحدة بوضع يدها على كل منابع البترول والغاز فى شرقي سوريا!. * * * كان ترامب قد خاض حملته فى الانتخابات الرئاسية عام 2016 تحت شعار «أمريكا أولاً» ودعا إلى إنهاء حروب أمريكا، التي لا تنتهي، فى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وكان هذا هو السبب فى فوز رجل المضاربات العقارية على منافسته هيلاري كلينتون المرشحة المفضلة من جانب «وول ستريت» حي المال والأعمال ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والتي كانت مواقفها ترتبط بحروب أمريكا السابقة وبالاستعدادات النشطة لتصعيد التدخل فى سوريا والمواجهة المباشرة مع روسيا. ويبدو أن قرار ترامب بتنفيذ ما تعهد به فى حملته الانتخابية (سحب قواته من سوريا وسحب سبعة آلاف جندي أمريكي من ال 14 ألفًا، الذين يوجدون فى أفغانستان ويحاربون هناك طوال أكثر من 17 سنة ).. جاء مع تفاقم الأزمة التي تحاصره بواسطة مجموعة من الفضائح والتحقيقات التي يتسع نطاقها ويتسارع إيقاعها مع احتدام الصراعات المريرة داخل الطبقة الحاكمة الأمريكية، وخاصة حول السياسة الخارجية. وإذا كان ترامب قد لعب بهذه الورقة، فإن السبب فى ذلك أنه يعلم أن إعادة القوات الأمريكية من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى سيلقى تأييدًا واسعاً داخل بلاده يفوق ذلك التأييد الذي حاول أن يحصل عليه من القاعدة اليمينية المتطرفة نتيجة لمواقفه المعادية للهجرة ومطالبته بإقامة سور على طول الحدود مع المكسيك. و كان ترامب قد أعلن حين انتخابه فى 20 يناير 2017 أنه يعتزم سحب القوات الأمريكية من سوريا. ولكن الحكومة الإسرائيلية والبنتاجون الأمريكي تدخلا لدفعه إلى التراجع عن موقفه. وفى شهر أبريل الماضي، أعلن ترامب أنه سوف ينسحب من سوريا. وعندها تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتوجه إلى واشنطن لإقناع الرئيس الأمريكي بالعدول عن موقفه، كما أعلنت إحدى الدول العربية استعدادها لتغطية نفقات القوات الأمريكية فى حالة بقائها فى سوريا! غير أن حالة الضيق فى المجتمع الأمريكي من حروب بلا نهاية تخوضها الولاياتالمتحدة منذ أكثر من ربع قرن وتكلف تريليونات الدولارات ظلت مستمرة، ثم أن الوجود الأمريكي فى سوريا لم يكن شرعيًا، ولم يصدر به قرار من الأممالمتحدة أو حتى من الكونجرس. ماذا كانت حصيلة تلك الحروب ؟. * * * بعد 17 سنة من القتال فى أفغانستان، تسيطر حركة طالبان على مساحات من الأراضي أكثر من تلك التي كانت تسيطر عليها منذ عام 2001، حتى أن الولاياتالمتحدة هي التي تسعى الآن لإشراك طالبان فى الحكم، واضطرت إلى الدخول فى محادثات مع ممثلي هذه الحركة فى الإمارات العربية المتحدة حول انسحاب الولاياتالمتحدة من الأراضي الأفغانية. وماذا كانت نتيجة الغزو الأمريكي للعراق فى 2003 ؟ لم يسبق أن قامت علاقات وثيقة بين بغداد وطهران، كما هو الحال الآن. أما ليبيا، التي قامت الولاياتالمتحدة وحلف الأطلنطي بالانقضاض عليها واغتيال معمر القذافي.. فقد تحولت إلى دويلات ويمزقها القتال المستمر بين الميليشيات المتنافسة، ولقى السفير الأمريكي مصرعه على أيدي بعض رجالها. وفى سوريا فشلت كل جهود الولاياتالمتحدة وحلفاؤها وأتباعها فى الإطاحة بنظام الحكم فى دمشق رغم إنفاق المليارات لتدريب وتمويل وتسليح الجماعات الإرهابية، ورغم أن تركيا التي يريد منها ترامب الآن أن تنجز وتستكمل القضاء على الإرهاب هي التي فتحت حدودها لجميع الإرهابيين والمرتزقة من نحو مائة دولة للدخول إلى سوريا لتغيير نظام الحكم وتقسيم الدولة السورية !. والنتيجة: مصرع مئات الآلاف وتشريد الملايين وتحول ملايين أخرى إلى لاجئين، وهزيمة المخطط الأمريكي الإرهابي. .. وحتى دونالد ترامب نفسه.. أعلن فى ولاية فلوريدا يوم 11 أغسطس 2016 أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما هو الذي قام بتأسيس «داعش» وأن هيلاري كلينتون هي شريكته فى هذا التأسيس. ورغم أن تركيا هي الراعي العظيم لكل التحركات الإرهابية على الأراضي السورية فإن ترامب، الذي يريد أن يفلت بجلده من سوريا، يعتبر أن سوريا كلها أصبحت من ممتلكات تركيا.. فالرجل (ترامب) يوزع الأراضي التي ورثها عن عائلته كما يتعامل مع العقارات ويقرر تقديم سوريا.. هدية إلى أردوغان !! ولكن هيهات !. وإذا كان الأكراد يعتبرون الآن أن أمريكا قد وجهت لهم «طعنة فى الظهر» بعد أن كانت تزعم أنها التي تحميهم من الاعتداءات التركية، فإن الحل الوحيد الصحيح هو تسليم المناطق كافة التي يسيطر عليها المسلحون الأكراد من حزب الاتحاد الديمقراطي إلى القوات السورية لقطع الطريق على أي عدوان تركي. * * * ومما يلفت النظر أن هناك فى العالم العربي من أعربوا عن الأسى بسبب قرار ترامب بالانسحاب من سوريا: وقد شاركتهم إسرائيل فى هذا الشعور، إذ اعتبرت خطوة ترامب بمثابة صفعة للكيان الإسرائيلي، وأنها «انقلاب» وساد جو من التذمر فى تل أبيب إزاء ما وصفته الدوائر الإسرائيلية بأنه «ضربة» أو «خيانة» من جانب الحليف القديم. ووصف «آلان ديرشوفيتش»، أستاذ القانون السابق بجامعة هارفارد (والذي اشتهر بدفاعه عن إسرائيل) قرار ترامب بأنه « يدعو للقلق البالغ ويخلق فراغًا تملؤه روسيا وإيران». وأضاف «ديرشوفيتش» أن «العلاقة بين ترامب ومعظم الجماعات الموالية لإسرائيل فى أمريكا قد تعقدت على خلفية قرار الانسحاب».( وساد جو من القلق فى أوساط الجماعات الأمريكية الموالية لإسرائيل). وصدرت بيانات رسمية من حكومات أوروبية فى برلين ولندن وباريس تندد بقرار الانسحاب، وتطالب بمواصلة التدخل العسكري فى سوريا. وتجاهل الجميع أو تناسوا أن الوجود العسكري الأمريكي فى سوريا لم يكن، فى المحل الأول، شرعيًّا فى الأساس. واحتشدت أصوات دعاة الحرب الباردة الجديدة وأنصار سباق التسلح والمحرضون على شن حرب عالمية ثالثة لاستنكار سحب ال 2000 جندي أمريكي من سوريا باعتبار أن ذلك يشكل «خطأ فادحًا» وأن هذا الانسحاب إعلان عن هزيمة الولاياتالمتحدة. وإذا كانت موسكو تعرب عن شكوكها فى جدية قرار الانسحاب الأمريكي، فإن الواضح من وجهة نظر كاتب هذه السطور أن ترامب سوف يسحب قواته للأسباب التي سبق ذكرها، ولكن الذي يثير الشكوك بالفعل هو الدور التركي فى سوريا فى ظل هذه التطورات، ذلك أنه إذا كان الوجود الأمريكي فى سوريا هو مجرد غزو واحتلال غير شرعي لأراضٍ سورية، فإن الوجود التركي على الأراضي السورية يشكل أيضًا غزوًا واحتلالًا، وهو ما ترفضه الحكومة الشرعية فى دمشق، ويتعارض مع القانون الدولي. وهناك دلائل تشير إلى وجود أطماع تركية فى الأراضي السورية رغم نفى المسئولين الأتراك لذلك، كما أن المخطط التركي لضرب الأكراد الذين تصدوا للجماعات الإرهابية وألحقوا بها هزائم نكراء.. يثير الشبهات فى هذا الدور التركي واحتمال أن تحافظ تركيا على بقاء وحماية جماعات إرهابية معينة تصفها بأنها «معتدلة» لاستخدامها فى أغراض لا علاقة لها بمصلحة الشعب السوري. ويبدو أن الحلم التركي يتركز، فى الوقت الحالي، على ممارسة الدور الذي كانت تلعبه الولاياتالمتحدة فى سوريا. ورغم ذلك كله.. فإن الحقيقة الساطعة هي أن الشعب السوري هزم خلال سبع سنوات أكبر منظمات إرهابية فى العالم مدعومة من أقوى دول العالم، كما أن هذه المنظمات لم يعد لها مستقبل فى سوريا، وخاصة أن التدخل الروسي الذي تم بناء على طلب الحكومة السورية نجح فى تغيير المعادلات وموازين القوى فى المنطقة.. وربما فى العالم.