كتب حسن عبد البر: منذ بداية الكون والآثار المصرية مطمع العالم أجمع، ولا يكاد يمر يوم إلا ونسمع خبر القبض على عصابة قامت بالتنقيب عن الآثار، المئات من العصابات تقع تحت طائلة القانون، بخلاف الآلاف الذين يستطيعون السرقة والإتجار فى آثار هذا الوطن المكلوم، فتجد آثار مصر موزعة على جميع بلاد العالم التي بلا حضارة والتي لها تاريخ، وعلى الرغم من التعديلات التي أُدخلت على قانون 117 لسنة 1983 برقم 3 لسنة 2011 لتغليظ عقوبة تهريب الآثار إلى خارج البلاد، لتصل للسجن المؤبد 25 عامًا وغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على 10 ملايين، إلا أن عمليات البحث والتنقيب والاتجار وتهريب الآثار للخارج مازالت مُستمرة. وفى آخر إحصائية رقمية صادرة عن العام الماضي 2017، اتضح أن الأمر لا يقل بل يزداد سوءا حيث أظهرت الاحصائية ضبط أكثر من 3 آلاف قطعة أثرية أثناء محاولة تهريبها خارج البلاد خلال العام الماضي بالموانئ المصرية على مستوى الجمهورية البرية والبحرية والجوية، وهذا لأن مصر بها 40 منفذا شرعيا يضم كل منفذ وحدة أثرية من الوزارة لمعاينة أي مشتبه فيه خاص بالآثار المصرية، وكانت القطع الأثرية التي منع تهريبها خارج البلاد خلال 2017 عبارة عن توابيت وقطع وأقنعة وعملات معدنية أثرية، بالإضافة إلى ضبط 5 مصاحف مكتوبة بخط اليد، يرجع تاريخها للعصر العثماني والمملوكي والإسلامي. تنقيب عشوائى يقول الباحث الأثري أحمد عامر، إن التنقيب عن الآثار أصبح منتشرا بشكل كبير، بل وأصبح عشوائياً فى العديد من أماكن مصر، على الرغم من المخاطرة من الإقدام على مثل هذه الأعمال ولكن العائد المادي أصبح هو الذي يحكم الموضوع، فالكثير يحلم بالثراء السريع دون تعب أو مجهود، وذلك بسبب انتشار الفقر بين العديد من الناس، وللحد من هذه الظاهره فالبداية تكون من التعليم والوعي الأثري لطلبة المدارس عن طريق التوعية بأهمية الحضارات الموجودة على الأراضي المصرية، بالإضافة إلى تغليظ العقوبات القانونية عن طريق كل من يتم القبض عليه وهو يقوم بالتنقيب عن الآثار أن يتم تأميم أمواله مع الحبس وفقاً للقانون، حيث أن هناك مافيا تقوم بالإتجار فى الآثار دون تقدير أهميتها الحضارية هذا الموضوع ساعد على إنتشارها بشكل مخيف فى الفترات الأخيرة وذلك عقب ثورة يناير 2011م، بالإضافة إلى تغيير إستراتيجية التعامل الأمني مع الأماكن الآثرية، وأيضًا تغيير التعامل الثقافى مع من يقومون بتزييف التاريخ، وعلى وزارة الآثار أن تتخذ كل الإحتياطات الأمنية اللازمة لمنع ما نراه ونسمع عنه من سرقات كل يوم. حيل متعددة وأضاف «عامر» أن فى الفترات الماضية تم رصد الكثير من وقائع عمليات تهريب الآثار إلى خارج البلاد وكان ذلك فى صورة أشكال متعددة، سواء عن طريق شنط دبلوماسية أو أساليب تهريب آخري مبتكرة حديثة، ويرجع السبب فى كثرة عمليات التهريب فى تلك الفترات هو البحث عن الثراء السريع حيث أن الكثير يتعاملون مع الآثار على أنها سلعة تباع وتشتري، ولا يتأثرون بالوعي الأثري، ولا يدركون أهمية الآثار بالنسبة لأي دولة حيث أن الآثار تعتبر بمثابة تاريخ الحضارة لأي دولة، فالكثير من الدول يبحثون عن إيجاد تاريخ لهم، بل يحاولون بشتي الطرق شراء آثار فرعونية وإسلامية وحديثة مهربة من الدولة المصرية يأتي ذلك بغرض البحث عن جذب موارد سياحية جديدة لهم، حيث أنهم مدركون أهمية الآثار المصرية. فانون الاثار وتابع "عامر" أن الإدارة المركزية للمنافذ الأثرية بوزارة الآثار تبذل قصاري جهدها لإيقاف العديد من عمليات التهريب وبالفعل كل يوم والآخر يحبطون العديد من عمليات التهريب، لذلك بعد تكرار وتعدد مثل هذه العمليات فلابد من خضوع أي شخص مهما كانت وظيفته ووضعه فى الدولة لعمليات التفتيش، كما أنه لابد من تعديل قانون حماية الآثار أيضاً، مع تعديل المواد الخاصة بالعقوبات، وتغليظها حيث أن المواد الموجودة حالياً غير كافية لحماية الآثار من المهربين على الرغم من أن قيمة الآثر نفسه لا تقدر بثمن، وفى ظل ضعف القانون نفسه نجد أن مغامرة أي مهرب وتاجر آثار يجاذف بشكل غير مسبوق نظراً للأموال الطائلة التي سوف يحصل عليها، لذلك لابد من تشديد العقوبات على كل من يتم القبض عليه وبحوزته أثار سواء أصليا أو مقلدا مع ضرورة نشر الوعي الأثري بكثافة فى تلك الفترة. وكشف الدكتور محمد سيد خبير الآثار، أن التنقيب عن الآثار من الباطن وبيعها للعصابات المتخصصة فى هذا الأمر لتهريبها خارج البلاد يغلق الباب أمام الباحثين المصريين لدراستها، وينتج عن ذلك فقدان معلومات عن تاريخ مصر القديم، خاصة أنه يتم تهريب تلك الآثار بطريقة غير شرعية خارج البلاد مما يُصعب على وزارة الآثار والخارجية إمكانية استعادتها لعدم وجود مكتوب بها، مشددًا على ضرورة تكثيف الرقابة وتعاون الجهات المعنية من وزارة الآثار والشرطة ووزارتي السياحة والخارجية والمواطنين مع بعضهم، لأن هذا ما يمنع بيع وتهريب تاريخ مصر إلى الخارج. حلم الثراء وأوضح «سيد» أن اعتقاد الكثيرين من المواطنين بأن الثراء السريع لا يأتي إلا عن طريق نبش المقابروالتنقيب فى الجبال والحفر فى الأماكن القريبة من المعابد دفع عشرات الآلاف من المواطنين لسلك هذا الطريق الذي يضر بالمصلحة العامة، مطالبًا بضرورة اهتمام الجهات المعنية برفع الثقافة التاريخية لدى جموع الشعب المصري لمعرفة أهمية آثار أجداده وخطورة الاتجار فيها، فضلًا عن تفعيل القانون مع المتورطين، مشيرًا إلى أن المنظومة الأمنية لحماية الآثار، المتمثلة فى شرطة السياحة والآثار ضعيفة ولا تقوم بدورها المرجو بشكل سليم، خاصة منذ الإنفلات الأمني الذي أعقب اندلاع ثورة يناير، والذي أخلفه هجوم وتعدي من قبل كثيرين على المواقع الأثرية من متاحف ومخازن، وتنقيب غير مشروع وتعدي على أراض أثرية. المنظومة الأمنية وطالب خبير الآثار بضرورة إعادة النظر فى المنظومة الأمنية بالوزارة وإدارة شرطة الآثار والسياحة، وضرورة استخدام أدوات أمنية حديثة لحماية المواقع، من سلاح وأسوار وزيادة عدد أفراد الأمن وتوفير نقاط مراقبة واستخدام الطائرات لعمل دوريات أمنية لاكتشاف أي حالة تعدي، إلى جانب وضع العاملين بوزارة الآثار تحت المجهر، وإعادة الكشف على الملفات الشخصية لهم، معللًا ذلك بأن هناك الكثيرين ممن يعملون بالوزارة تورطوا فى مساعدة العصابات فى تهريب الآثار أو التنقيب، مع ضرورة تغليظ عقوبة التعدي والاتجار فى الآثار، لأن القانون الحالي يمنح قبلة حياة لعصابات السرقة والتنقيب والاتجار.