سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التصعيد الغربى ضد روسيا… حرب باردة جديدة؟.. تيريزا ماى تعيش أزمة على خلفية الخروج من الاتحاد الأوروبى قد تطيح بها فصدرت أزمة العميل المزدوج للمجتمع الدولى
ربما وقبل الإعلان عن محاولة اغتيال العميل المزدوج سيرجى سكريبال، كان الغرب يحضر نفسه لهجمة جديدة على روسيا، خاصة أنه لم يتوصل مع روسيا إلى أى تفاهمات فيما تتعلق بالملف الأوكرانى أو الملف السورى ومازال الملف الكورى الشمالى عالقا، فى انتظار لقاء ترامب وكيم الزعيم الكورى الشمالى. ليس هذا ما اثار حفيظة الغرب فى تقديرى ولكن ما أثاره هو شعور الغرب بأن الملفين السورى والأوكرانى وملف التدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية أصبحت أو تكاد تصبح ملفات مزمنة على غرار ملف الشرق الأوسط، لكن ما أثار حفيظة الغرب هو خطاب الرئيس بوتين أمام الجمعية الفيدرالية الروسية بمجلسيها الدوما ومجلس الفيدرالية، فى مطلع الشهر الجارى، وما أثار حفيظة الغرب هو إعلان الرئيس بوتين عن حجم الإنجازات ليس العسكرية فقط، ولكن الاقتصادية رغم الحصار والعقوبات، فأن يعلن الرئيس الروسى عن أن إنتاج القمح الروسى فاق ما كان ينتجه الاتحاد السوفيتى بأكثر من عشرة ملايين طن، وأن حجم البناء الذى تم فاق نظيرة السوفيتى، كان بلا شك نذير شئوم على الغرب، وكأن الرئيس بوتين أراد أن يوصل رسالة للغرب مفادها، أن الاتحاد السوفيتى الذى هدمتوه يعود إليكم باسم جديد هو روسيا وبأقوى مما كان. كما أن إعلان الرئيس بوتين عن إنتاج أنواع جديدة من السلاح التى من الصعب مواجهتها، بمنظومة الدفاع الصاروخى الأمريكية التى سعت روسيا للاتفاق حولها، وبالفعل تم الاتفاق، إلا أن الولاياتالمتحدة انسحبت من الاتفاق عام 2002، مما حدا بروسيا لتطوير أسلحة لتخطى منظومة الدفاع الصاروخى الأمريكية. كل هذا التراكم جعل الغرب يسعى لشن حملة غير مسبوقة، على روسيا فكانت الحملة التى قادتها بريطانيا على خلفية محاولة اغتيال العميل المزدوج سيرجى سكريبال، وهى تهدف إلى شيئين، الأول التأثير على الانتخابات الروسية، التى يعلم البريطانيون والغرب أنها لن تؤثر على نتائجها المحسومة سلفاً، وكما توقعنا حصل الرئيس بوتين على نسبة فاقت توقعات استطلاع الرأى، والثانى تجميع أكبر تحالف غربى ضد روسيا، حتى تحسم بعض الدول المترددة فى العقوبات على روسيا مثل فرنسا والمانيا أمورها وتنضم بقوة إلى تحالف العقوبات، هذا بالطبع بالإضافة إلى المشاكل التى تواجهها فيما يتعلق بخرو ج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى (البريكست) والذى قد يطيح برئيسة الوزراء تيريزا ماى فى أقرب منعطف. هذا بخلاف رغبة الولاياتالمتحدة فى تسويق الغاز الصخرى الذى تنتجه للأوروبيين بهدف زيادة الضغط الاقتصادى على روسيا وإجبارهم على التخلى عن الغاز الروسى، وبالفعل قامت بولندا وبعض جمهوريات البلطيق باستيراد غاز أمريكى وقطرى. ربما نجحت بريطانيا وحلفاؤها الغربيون فى خلق رأى عام أوروبى، من خلال محاولة اغتيال العميل المزدوج سكريبال، لكن هذا لن يستمر طويلاً، حتى لبريطانيا نفسها التى تربطها علاقات اقتصادية واستثمارات كبيرة مع روسيا، وقد حدث نفس الشيء من قبل عند اغتيال الكسندر لينفينيكو، وكانت تيريزا ماى حينها وزيرة للداخلية، كما أن بريطانيا يجب أن تسدد ثمن خروجها من الاتحاد الأوروبى وعليها أن تسدد 100 مليار جنيه استرلينى، مما قد يخلق أزمة فعلية فى بريطانيا قد تطيح بماى. لا أتوقع أن تستمر الخلافات لفترة طويلة رغم سخونة بدايتها، المصالح ستحكم فى النهاية، وإن كانت قد تأخذ منحى أخر من حيث تدويلها، فالغرب يتهم روسيا بعدم تنفيذ اتفاقيات دولية خاصة بالتخلص من الأسلحة الكيماوية وهو أمر سيحتاج لتحقيقات طويلة فروسيا ليست العراق ليقوموا بتفتيشها، كما أن استخدام القوة هو أمر مستحيل مع ترسانات السلاح التى يمتلكها الغرب وروسيا. فى النهاية يجب أن تأخذ التحقيقات فى محاولة اغتيال العميل الروسى المزدوج شكلًا أوسع ومن غير المستبعد قيام دولة ثالثة بارتكاب هذا الفعل على الأراضى البريطانية، خاصة أن دولة مثل أوكرانيا أو جورجيا من الممكن أن تقوم بذلك، بهدف تصعيد التوتر بين روسيا والغرب، أوكرانيا تريد أن يبقى ملف القرم وشرق أوكرانيا مفتوحاً، وجورجيا تريد استعادة مقاطعاتها أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وكذلك بهدف إجبار الغرب على الإسراع بضمهما لحلف الناتو لمزيد من الضغط على روسيا عسكرياً. أما العنصر الثانى أن هناك مجموعات من العاملين السابقين فى المخابرات الروسية، يقومون بتصفية من يعتبرونهم خونة، فمن غير المعقول أن تقوم روسيا بفعل مثل هذا فى ظل العلاقات المتوترة مع الغرب أصلاً والتى تقدر خسائرها الاقتصادية نتيجة ذلك أكثر من 50 مليار حتى الآن. على أى حال مع روسيا الكثير من الأوراق للضغط بها وإحداث انفراجة فى الأزمة، ليس أخرها ملف جنوب شرق أوكرانيا، أو الملف السورى، أما قضية القرم فقد انتهى أمرها وبقيت رسمياً جزءًا من روسيا الاتحادية بعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتى لا يعترف الغرب بنتائجها، رغم حصول بوتين فيها على 90% من أصوات الناخبين. على أى حال سيظل ملف العقوبات وملف محاولة الاغتيال مفتوحاً لفترة قادمة، وستستمر لعبة عض الأصابع لفترة فى انتظار من سيصرخ أولاً، وقد تجرى تحقيقات مشتركة، كما تطالب روسيا لتسوية الملف. د. نبيل رشوان