حالة من الحزن العميق والغضب تجتاحني وكل المصريين منذ الجريمة الإرهابية يوم الجمعة الماضي، والتي استهدفت جامع « الروضة» بمنطقة « بئر العبد» بسيناء، وذهب ضحيتها (305) شهداء من بينهم 27 طفلا ونساء وشيوخا، ينتمون إلى الطريقة «الجريرية» أحد مكونات القبيلة الصوفية المعروفة»قبيلة الترابيين». وقبيلة الترابيين هي أكبر قبائل سيناء، حيث يقدر تعدادها بما يقارب (70) ألفاً من العريش وشمال سيناء، وينتشرون فى كل أنحاء سيناء، ومحافظات الشرقية وبورسعيد والسويس والاسماعيلية والقاهرة، والجيزة، ويصل العدد الإجمالي لأبناء القبيلة إلى 500 ألف نسمة. وللقبيلة تاريخ وطني ممتد، ففى أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 قامت القبيلة بتغطية إنسحاب القوات المسلحة إلى غرب سيناء، وتزويدهم بالمؤن اللازمة، ويروي الفريق أول محمد أحمد صادق وزير الحربية الأسبق الدور المبهر الذي قام به أبناء الطريقة « الجريرية» لنقل المعلومات حول تحركات العدو الإسرائيلي من داخل سيناء إلى قواتنا المسلحة، وخلال الحرب ضد داعش قدموا الدعم اللوجيستي المتعلق بالمعلومات وتقصي الاثر ورصد تحركات العناصر التكفيرية من جبل الحلال ومزارع البرتقال والزيتون بمناطق جنوب مدينة رفح. ومنذ ثلاث سنوات قرر أعيان قبيلة « الترابيين» تشكيل قبلي لقتال « داعش» ومساندة قوات الجيش فى حربها ضد الارهاب، تحت اسم « اتحاد قبائل سيناء « وقدمت خلال هذه السنوات الثلاثة مايزيد عن 400 شهيد من الرجال والشباب والنساء والاطفال ينتمون إلى قبائلها الرئيسية الخمس « الترابين السواركة الرميلات الفواخرية الحويطات». ومع ظهور الارهاب فى سيناء هاجم الارهابيون أضرحة الطريقة الجريرية واختطفوا الشيخ « سليمان أبو حراز» والذي كان يبلغ من العمر 98 عاما،وكان فاقدا للسمع والبصر، وقاموا بقتله وذبحه بالسيف ونشروا» فيديو» مؤلما لعملية الذبح، وأخفوا جثمانه حتى لا يقام له ضريح. ونجحت حملات القبائل بعد دخولها فى تحالف موحد تحت قيادة القوات المسلحة فى سيناء فى تحرير مناطق واسعة بشمال سيناء كانت العناصر الارهابية قد سيطرت عليها وتستخدمها فى شن هجمات ضد قوات الجيش والشرطة، وهي مناطق « البواطي، والبرث، ونجع شبانه، والمهدية» وغيرها من القرى، كما نجحت فى تدمير مخابئ وأماكن إيواء المسلحين وأنفاق وسيارات، فضلا عن القاء القبض على عديد من مسلحي « داعش» وتسليمهم إلى السلطات. ورغم هذا الدور المهم الذي تلعبه قبائل سيناء، فمواجهة الحرب الإرهابية فى سيناء وفى كل أنحاء مصر، هي مسئولية الدولة المصرية بكل أدواتها وأجهزتها. وقد قامت الشرطة والقوات المسلحة بدور بطولي وقدمت تضحيات هائلة وسقط لها مئات الشهداء، فى سيناء كجزء من حربها ضد الإرهاب، ولكن وقوع مثل عملية الجمعة الماضي فى مسجد الروضة يؤكد وجود ثغرات أمنية فى خطة المواجهة، وهو أمر وارد فى الحروب فى أي جهة فى العالم، ويتطلب إعادة نظر فى الخطة الأمنية وتغيير فى تكتيكاتها وتوفير نوعيات أرقى من السلاح وأجهزة الرصد والتتبع فى حروب الصحراء. وفى نفس الوقت وضع خطة للمواجهة الشاملة تبدأ من التعليم والثقافة وصولا إلى الإعلام، فالحاصل اليوم فى هذه المؤسسات والأجهزة يصب فى الغالب الأعم فى خانة الفكر الذي يخدم الإرهاب والإرهابيين، رغم أن الدولة تقول كل يوم « الإرهاب يبدأ فكراً «.