هل يعني تراكم السنين وقفزات الزمن سريعا نسيان ما قدمه الآخرون ، والأخريات .. لنا ؟ سؤال كان دافعه الاحتفال الذي أقامته جمعية " أبناء فناني مصر" وهي جمعية جديدة ، أنشئت في العام الماضي فقط من أبناء وبنات الفنانين المصريين الذين صنعوا على مدار أكثر من مئة عام بريق وعطر الفن ، والسينما تحديدا بكل تخصصاتها ، الجمعية التي يرأسها الأستاذ ماضي الدقن ، نجل الممثل الكبير توفيق الدقن والمستشار القانوني ، قررت الاحتفال بأجيال السينما المصرية والتوقف عند إنجازاتهم وعلاقة الفن بالمجتمع ، وحين خاطبت وزير الثقافة الأستاذ حلمي النمنم فوجئت بتشجيعه الكبير هو وقيادات الوزارة ، ومن هنا جاء ملتقى " رائدات السينما المصرية " الذي افتتح مساء الأحد الماضي بالقاعة الأولى لسينما ومسرح الهناجر القائمة في حرم دار الأوبرا ، وتم من خلاله الإعلان عن بداية نشاط الجمعية الثقافي ، وهو الملتقى الذي أختيرت لرئاسته فنانة شابة هي رانيا فريد شوقي ، والتي من المؤكد أنها كانت صاحبة التسجيل النادر الذي عرض علينا لفريد شوقي وهو يجري حوارا مع فاطمة رشدي بخفة ظله الكبير والتي نافسته فيها الفنانة الرائدة ، حوار ممتع قصير يثير أفكارا وأسئلة عديدة خاصة مايخص منها التأليف والكتابة للسينما رأينا مقتطفا منه أثناء الافتتاح الذي بدأ بكلمة ماضي توفيق الدقن وأنتهى لكلمة خالد جلال المخرج الكبير ، وبعده جاء تكريم واحدة من رائدات الإنتاج السينمائي الخمسة " عزيزة أمير بهيجة حافظ فاطمة رشدي آسيا ماري كويني " هي الأخيرة ماري كويني التي مازال حفيدها المخرج أحمد نادر جلال ، يقدم ابداعاته على شاشات السينما والتليفزيون أما بقية تكريمات الجمعية فقد ذهبت إلى مجموعة ذهبية من ممثلات السينما المصرية التي تستحق كل منهن المحبة والتقدير اللذين نشعر بهما حين نرى الأفلام خاصة أفلام الأبيض والأسود وأدوارهن فيها وهن مديحة يسري شادية ماجدة ونادية لطفي . ومن المؤكد أن السينما المصرية عرفت مجموعات أخرى من النجمات الممثلات القديرات ، أسماء مثل سعاد حسني ولبنى عبد العزيز وزبيدة ثروت وإيمان وآمال فريد ، وقبل هؤلاء وهؤلاء فاتن حمامة وليلى مراد ، إضافة إلى صاحبات الأدوار المساعدة ، أو الثانية ، أو أدوار الأمهات والخالات والصديقات والغريمات مثل ميمي شكيب ، وفردوس محمد وزوزو ماضي وآمال زايد وغيرهن ، وهو تاريخ وتراث مازال حيا ينبض مع كثرة شاشات التليفزيون المخصصة لأفلام السينما العربية أو الشاشات العامة التي تتزين في الأعياد والمناسبات بالفيلم المصري ، والواضح هنا أن كلمة جمعية أبناء فناني مصر التي ألقاها ماضي الدقن تدرك جيدا أهمية دور المرأة في السينما ولذلك قال " هل هي مصادفة أن تنشأ السينما المصرية فنا وصناعة على أيدي مجموعة من الرائدات من النساء .. وفي فترة كان يحلو للبعض فيها أن يتعمد تهميش دور المرأة وعزلها عن حركة المجتمع ؟ " ويعود رئيس الجمعية ليؤكد ما يجب أن نؤكده جميعا في عام 2017 الذي أعلنه الرئيس عاما للمرأة وهو أن " مبدعات من أمثال عزيزة أمير وبهيجة حافظ وفاطمة رشدي وآسيا داغر وماري كويني كان لهن رأي آخر " وسبقن دعوات التحرر وخروج المرأة لطلب العلم والعمل ، وصنعن بمالهن وجهدهن وعمرهن عالما من السحر والجمال هو عالم السينما " . وفي قاعة سينما الهناجر بدأت منذ أمس عروض تكريم صانعات السينما بفيلم " بنت الباشا المدير " بطولة آسيا وماري كويني وإخراج أحمد جلال واليوم يعرض فيلم " الطائشة " بطولة فاطمة رشدي وإخراج إبراهيم عمارة وغدا " بائعة التفاح" لعزيزة أمير وإخراج حسين فوزي وغدا آخر العروض " القاهرة 30″ لبهيجة حافظ ومن إخراج صلاح أبو سيف ويعقب كل عرض ندوة يشارك فيها الفنان سمير صبري والمخرجان عمر عبد العزيز وأحمد نادر جلال ، والحقيقة أنني تمنيت لو استطاعت الجمعية إعداد كتيب عن كل اسم من هؤلاء الرائدات الخمس المبدعات ، فلكل منهن قصة كفاح متفردة سواء عزيزة أمير ابنة الاسكندرية التي بدأت حياتها الفنية كممثلة لها الفضل في ميلاد أول فيلم مصري هو " ليلى" عام 1927 وبهيجة حافظ التي كانت أول امرأة قامت بتأليف الموسيقى التصويرية للافلام المصرية وكانت من أبناء العائلة الحاكمة والتي رفضت رفض الأسرة للعمل في الفن وتقبلت عداء شقيقتها الشديد وانشئت أول نقابة للموسيقيين ، وأول صالون ثقافي ، وفاطمة رشدي التي ولدت بالاسكندرية أيضا مثل سابقاتها ، وبدأت بالعمل في المسرح قبل أن تتجه للسينما كمؤلفة ومخرجة وممثلة وتقوم ببطولة فيلم " العزيمة " إخراج كمال سليم رائد الواقعية في السينما المصرية ، وآسيا التي ولدت في لبنان وجاءت إلى مصر لتمثل في أول فيلم مصري صامت " ليلى " من إنتاج وبطولة عزيزة أمير ثم تتحول من ممثلة إلى أكبر منتجة للسينما المصرية ، وتقدم ما يعجز عنه الآخرون من أفلام تاريخية مثل " شجرة الدر " و" أمير الانتقام " ثم " الناصر صلاح الدين " الذي انفقت عليه كل أموالها أما " ماري كويني " ابنة شقيقة آسيا فقد بدأت أيضا بالتمثيل ، ثم المونتاج ، والانتاج ، وكانت أول من أقام معمل ألوان للسينما في مصر والشرق الأوسط عام 1957 ، تاريخ مهم ومشرف يستحق الاحترام والحفاوة ، وإذا كان المهرجان القومي للسينما ومهرجان القاهرة السينمائي قد احتفيا من قبل ببعض رائدات السينما ، إلا أنه احتفال وحيد ، منذ سنوات طويلة ، وكان لابد وأن يعاد التذكير بدور هؤلاء النساء ، وأيضا رجال السينما المبدعون الذين صنعوا لمصر جزءا كبيرا من قوتها الناعمة ودورها الثقافي ، وهو ما أظن أن الجمعية سوف تقوم به في الأيام والسنوات القادمة .