مازال الملف الشائك حول الاتهامات الموجهة إلى مؤسسة الأزهر، وأزمة المناهج وعلاقاتها بنشر الفكر المتطرف، وموقف الأزهر من المجددين أو فتح باب الاجتهاد من خارج الأزهر قائماً، بعد أن جددت اللجنة الدينية بالبرلمان- خلال الاسبوع الماضي- هجومها على المشيخة بعد تباطؤ المؤسسة فى تحقيق المرجو من تطوير مناهجها، واصفة مؤتمراتها بأنها لا تفيد ولا تبدي هدف، ولا تنفذ أي من التوصيات على أرض الواقع على حد قولهم، مؤكدين أن الإرهاب مازال يعشش فى عقول الطلاب، فيما انتقد علماء فى الأزهر استمرار عملية تشويش المؤسسة والنيل منها خاصة من أعضاء البرلمان. بعد أن كشف الدكتور "عمرو حمروش" أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب، عن وجود بعض من النصوص فى كتب التراث تدعو للعنف وبعضها يدعو لعدم قبول الآخر، مضيفًا أن هذه الأمور تحتاج لمراجعة عاجلة وشاملة من قبل المعنيين بالأمر، لكي يتم حذفها من المناهج المقدمة للطلاب سواءً فى المرحلة الابتدائية، أو الإعدادية، أو الجامعة، وأوضح أن فى عام 2013 قد شكل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب" لجنة لتنقية كتب التراث وفحص المناهج، حيث تكونت هذه اللجنة من 100 عالم أزهري، وقامت بفحص الموضوع ودراسته، وأصدرت توصيات لم يتم تنفيذها حتى الآن، مؤكداً أن اللجنة فى مناقشاتها لطلب الإحاطة المقدم لتدني مستوى التعليم الأزهري، وتحديداً فى الفقرة الثالثة من هذا الطلب؛ وهي خطة شاملة لإعادة هيكلة قطاع المعاهد الأزهرية لسوء مستواها، وذلك من حيث القائمين على هيئة التدريس والمناهج، وقد تطرق الموضوع من خطة فحص المناهج لهذه الجوانب، وتابع "أمين سر اللجنة الدينية" أن اللجنة أوصت بسرعة تطوير المناهج بما يتطلب مع مستجدات العصر، فضلاً عن موافاة اللجنة بتقرير شهري شامل عن هذا الأمر. يدافع عن نفسه ومن جهته أكد الدكتور"عباس شومان" وكيل الأزهر، والمشرف على لجنة التعليم، أن لجنة الإصلاح التي شكلها "الإمام الأكبر" عمل فيها أكثر من 100 خبير من داخل وخارج الأزهر، وعملت بشكل متواصل لعام ونصف، وتم على إثر هذا العمل تعديل جميع مقررات التعليم ما قبل الجامعي فى الأزهر، ومناهج الثقافة الإسلامية فى الإعدادي والثانوي. وأضاف"عباس شومان" أن اللجنة تعمل الآن على مراجعة مناهج جامعة الأزهر التي تضم 80 كلية، مشيرًا إلى أن اللجنة راجعت المناهج الدينية فى وزارة التربية والتعليم، وكذلك المناهج فى بعض الدول العربية ومنها الإمارات. لافتاً إلى أن الأزهر دائما على استعداد للتعاون مع العالمين العربي والإسلامي فيما يتعلق بالمناهج وغيرها. وأكد "وكيل الأزهر" أن موقف الأزهر واضح فى مواجهة الإرهاب فى الداخل والخارج، خاصة من تنظيم داعش والفرق الإرهابية التي تسير خلفه، حيث أصدر الأزهر نحو 100 وثيقة وخطاب لتفنيد مزاعم هذا التنظيم الإرهابي، مشدداً أن الأزهر مشهود له بالوسطية والاعتدال فى العالم أجمع. وفيما يخص الاجتهاد تابع "شومان"، أنَّ علماء الأمة علمونا الاختلاف فى الآراء؛ ولكن هذا يأتي من أجل الاتفاق وصلاح الأمة فكان اختلافهم رحمة، ومن مداخل التجديد فى شريعتنا الإسلامية أنَّ كثيرًا من المسائل ليست قطعية وباب الاجتهاد مفتوح فيها للعلماء، فيجدد فيها العلماء المتخصصون حسب الزمان والمكان والظروف المحيطة، وأضاف أن التراث الإسلامي والسلف الصالح ظلموا ظلمًا مبينًا فى عصرنا، وقع عليهم ظلم فى العصور السابقة لكن فى هذا العصر زاد عن حد المعقول، فتطاول كثيرًا من الجهلة و السفهاء على سلفنا الصالح وتراثنا الذي نفخر به بين الأمم، والذي لولاه ما عرفنا شيئًا عن شريعتنا، فتراثنا وسلفنا من ينقب فيه سيجد فيه جواهر إن أراد، ولكن من ينقبون فيه لا يستخرجون إلا هفوات هي غير صحيحة خيلتها لهم نفوسهم المريضة. ديناميكية الإسلام وفى سياق متصل بهذا الموضوع قال الدكتور"أحمد كريمة" أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن كتب التراث تحتاج لتنقية وفحص؛ نظراً لما تعانيه من إهمال منذ سنوات عديدة، وهذا لا يعد انقلاب عليه ولا ذوبان فى المعاصرة، موضحاً أن الإسلام ديناميكي يصلح لكل زمان ومكان، وكما قال أهل العلم الإسلام حمال أوجه. وطالب "أحمد كريمة" القائمين على شئون الدعوة، بضرورة التجديد وليس ذلك بأن التراث يُهمل كله، ولكن علينا أن نأخذ منه ما يصلحنا حتى يتناسب مع مستجدات العصر والأحداث التي طرأت على المجتمع فى الآونة الأخيرة، وتوعية الشباب بما يناسب وسائل الاتصال الحديثة والتغيرات الحديثة. الوسطية والاعتدال ومن جانبه قال الدكتور "عبد الفتاح العواري" عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، أن مناهج الأزهر قائمة بذاتها منذ آلاف السنين، ولم تُخرج غير العلماء الذين غزو الأرض من مشرقها لمغربها، ومن أقصاها لأدناها، وكل يوم نطالع فى الصحف تعيين من تخرج من الأزهر لأعلى المناصب القيادية؛ فمنهم من يفتي ومن يؤم الناس فى العالم الإسلامي، وهم أيضًا من يحاربون التطرف، ولم نسمع سوى عن شخصيات قليلة غير معروفة ممن لهم أفكار رجعية ومتطرفة، وهم من لم يلتحقوا بالأزهر الشريف، وبالتالي لا يمكن وصف المؤسسة بأنها مصدره للفكر الإرهابي، مضيفًا أن الأزهر يعمل على تنقيح مواده ذاتيًا، وأن هناك مؤلفات كتبت لتنقيح التراث والمناهج وتلخيصها وشرحها للطلاب، إلا أن التطرف ليس منشأه الأزهر، ولكن مصدره البيئة الخارجية التي تسيطر على عقول الدارسين فهناك بعض الطلاب الذين يقيمون فى صعيد مصر وريفها، يختلطون ببعض ممن ينتمون لجماعات فيميلون إليهم وهذا ليس عيب الأزهر، والأزهر ليس مسئولاً عنه. وقال الدكتور "سيد الديب" أستاذ اللغة العربية بجامعة الأزهر، لم أر أي خروجًا على المنهج الإسلامي، ولا يوجد ما يمكن أن يدعو إلى عنف أو إلى شيئا من ذلك، وإذا ما كان هناك حديثا عن الجهاد فى سبيل الله فهو من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية، ونوه"سيد الديب" لا أعفى بعض المتربصين بالأزهر وجامعته من الدخول فى حلبة هذه القضية بأهداف غير معلنه وربما الباعث على بعضها الكره للأزهر والكراهة للإسلام. عوامل خارجية وفى السياق ذاته أشار الدكتور "سامي العسالة" مفتش بوزارة الأوقاف، أن هناك مؤسسات أصابها بعض القصور، فإذا وجد البعض تقصيرًا من جانب مؤسسة الأزهر فعليه أن يطرح هذا ويقدم بعض المقترحات فى إطار محدود. وليس بأسلوب غير مقبول، مؤكداً أن هناك بعض المتطرفين ذوو أفكار تحمل توجهات بعينها وهم خريجي مؤهلات غير أزهرية، فلماذا نلقي اللوم والعتاب دائماً على الأزهر، فالمؤسسات الدينية قائمة بذاتها وأنها "برئية براءة الذئب من دم ابن يعقوب" مؤكداً من بين سنة وأخرى يتم تجديد المناهج وما زال هذا العمل قائماً حتى الآن.