بعد أسبوع من ذرف الدموع حسرة على ضحايا حماقة و غباء وجهل التعصب الدينى لم يعد من المجدى تكرار ما جاء فى عشرات المقالات حول جريمة الاعتداء على الكنيسة البطرسية يوم الأحد قبل الماضى، فقد حان الوقت لاتخاذ حلول نهائية لمحنة الإرهاب الأسود التى تمر بها مصر. إن العالم كله يعانى من الإرهاب بما فى ذلك آباؤه و ممولوه فى الغرب، إلا أن مصر حالة خاصة. كل الشعوب الأخرى عرفت اقتتال أديان و مذاهب و طوائف مختلفة لفترات طويلة، إلا شعب مصر الذى يرفض التعصب الدينى ولم يكن يعانى منه سوى مرات قليلة لأسباب كانت تنتهى سريعًا و تعود المياه الى مجاريها بين كل أبناء الشعب على اختلاف أديانهم و مذاهبهم و طوائفهم. و لقد سعت جهات عديدة الى زرع بذور شيطانية فى الأرض المصرية الخصبة كانت تنمو ضعيفة السيقان ذابلة تنبىء بفنائها قبل أن تنمو. أما جريمة اغتيال 26 آنسة و سيدة أثناء تأديتهن الصلاة فهو ما لم يحدث فى تاريخنا من قبل و يجب ألا يتكرر أبدًا. إن الاستمرار فى التهديدات الجوفاء للإرهابيين و الإدعاء بقرب اجتثاث جذور الإرهاب جريمة لا تقل عن سفك دماء الأبرياء من المسلمين و المسيحيين و رجال الجيش و الشرطة الأبرار. وهنا أشيد بما قام به طلاب " مدرسة زين العابدين الثانوية المشتركة بالسيدة زينب" بحضور الدكتور الهلالى الشربينى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، والدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، والأنبا إرميا، الأمين العام المساعد لبيت العائلة المصرية، وعدد من قيادات الوزارة. أذاعت الإذاعة المدرسية على الطلاب فى طابور الصباح برنامجًا باسم «أديان السماء.. لا للعنف لا للدماء» بدأ بقراءة آيات من القرآن الكريم وآيات من الإنجيل، إضافة إلى الحديث الشريف: «استوصوا بالقبط خيرًا، فإنهم صهرى ونسبى»، وردد الطلاب بعض الهتافات مثل : «مسلم مسيحى.. إيد واحدة»، و«وطن واحد.. قرآن وإنجيل لإله واحد»،..إلخ ثم أنهوا طابور الصباح بالسلام الجمهورى وتحية العَلَم. رد فعل سريع ومحمود لكنه لا يكفى. لابد للمسئولين عن التعليم من تعميم هذه التجربة فى كل مدارس الجمهورية للمرحلتين الاعدادية و الثانوية بالإضافة الى قراءة نصوص من تاريخنا الحديث تؤكد على الوحدة الوطنية و تعرف الطلاب بالمواقف المشرفة للعديد من الأقباط الذين رفضوا الطائفية و التعصب بكل أنواعه و كرسوا حياتهم لخدمة الوطن وحده. و ما أكثر الأمثلة فى تاريخنا، فعلى سبيل المثال المناضل الوفدى سينوت حنا الذى كان صديقا شخصيا لمصطفى كامل، زعيم الحزب الوطني، ثم انضم الى حزب " الوفد" منذ بدايته، وكان يكتب مقالات نارية، ضد السلطة العسكرية البريطانية مما دفعها إلى تعطيل صحيفة "مصر" الوفدية بسبب مقالاته ثم أصدرت أمرًا بمنعه وسعد زغلول وثمانية من أعضاء الوفد من القيام بأي عمل سياسي و قامت بنفيهم خارج البلاد. مثال آخر المناضلة الوطنية إستر أخنوخ فانوس التى كانت لها مواقف وطنية مشهودة منذ انضمت للراحلة هدى شعراوى أثناء ثورة 1919، و شاركت فى كل المظاهرات النسائية المطالبة بالإفراج عن سعد زغلول، وساهمت فى إنشاء الاتحاد النسائي المصري بصحبة هدى شعراوي عام 1923. و المجال لا يتسع لأمثلة أخرى عديدة، ولحلول أخرى قد تكون مجدية كسلاح يوجه الى قلب الإرهاب دون أن يسايره فى الانحطاط و السفالة.