في المشهد الأخير من (حريم السلطان) يتعرض كل من السلطان والحريم لخطر داهم وربما ضربة قاضية تنهي المسألة كلها، لكنها خدعة كبري تقف بالمشاهد عند حافة الخطر وهو يري الوزير الأول يعطي السلطانة (هيام) طبق السم ويأمرها بالموت ويري -في اللحظة التالية- الجارية (صادقة) تفتح الخنجر علي رقبة السلطان سليم.. وليتركنا صناع وتجار هذا المسلسل التركي الفخيم متسمرين في أماكننا من الخوف، فإذا بهم يضحكون علينا ويعدوننا بإكمال المشهد في الجزء الثاني من (حريم السلطان) والذي سوف يمثلونه ويصورونه قريبا.. وبرغم أننا في مصر لدينا خبرات عديدة بمسلسلات الأجزاء من أيام (الشهد والدموع) و(ليالي الحلمية)، إلي (المال والبنون) وغيرها، ثم مسلسلات الأجزاء السورية وأشهرها (أهل الحارة) إلا أن الأتراك يبيعون لنا المياه الآن ولكن في أغلفة جديدة مصنوعة بجمال ولمسات فنية لم نعد نحتفي بها كثيرا، والنظرة إلي (حريم السلطان) تؤكد هذا، وأن المسلسل التاريخي، أو الذي يتمسح بالتاريخ لاستعادة زمن مضي بكل لوازمه مازال مطلوبا ويسعي إليه ملايين المشاهدين مهما كانت الحدوتة.. ولكن بشروط الجودة والإبهار والجاذبية. وفي حريم السلطان تحتل الجاذبية- أي جاذبية العرض للحدوتة- المركز الأول وبعدها الإبهار، أما الجودة – وهي هنا تعني جودة المضمون والمحتوي للسيناريو، فتأتي في المركز الثالث فنحن نري شذرات من كل شيء ولا نستطيع التوقف عند قصة محكمة وسيناريو قوي لمرحلة حكم السلطان سليمان سواء من ناحية الترتيب التاريخي أو السياسي أو الاجتماعي لحكمه وإنما نري ردود أفعال هذا الحكم هنا وهناك (رودس – مصر) كما أننا لا ندرك الكثير من مآسي وفظائع هذا الحكم إلا فقط من أحكام قطع الرؤوس، وحتي الجواري ونظام الاسترقاء بذل صناع المسلسل جهدا هائلا لتجميله وتقديمه عبر باقة من النساء الجميلات في ارديتهن الساحرة لا عمل لهن إلا متابعة ما يحدث وانتظار ما يستجد في اطار المنظومة الأساسية للعمل وهي منظومة القصر وحاكمته (السلطانة الأم) وحريمه وخدمه وزوجات السلطان اللواتي كن محظوظات، أو بالتحديد تلك التي يحبها جلالته فيرفعها إلي مستوي فراشه، وحين تنجب له تتحول إلي سلطانة مثل «إليكس» الروسية التي أصبحت السلطانة (هيام).. لم يستطع العمل باختصار أن يقدم لنا عمق التناول المطلوب لدراما عن أكبر امبراطوريات الشرق وانما نجح في تقديم الجانب الأكثر أثارة للمشاهد ودغدغة لأحلامه حول الحريم وما يخصهن، ولهذا حظي بنسبة مشاهدة عالية في قمة زمن الأزمات الذي نعيشه في مصر الآن، فقد بدأ عرضه علي قناة الحياة الأولي في مارس الماضي وأنتهي يوم الجمعة 1 يونيو وتخللته اعلانات تفوق تلك التي يحظي بها أي برنامج آخر خاصة في زمن الصراع علي الترشح للرئاسة بين 13 مرشحا قبل أن يصبحوا أثنين فقط..ومن الجدير بالذكر أيضا تلك الملخصات التي كانت تتوافر يوميا علي النت لمن فاته إحدي الحلقات (وإن كانت هذه الخدمة متوافرة لعدد آخر من المسلسلات التركية التي تعرض في مصر) والخلاصة هنا أن عالم صناعة الفن الدرامي يتوغل ويخرج من أراضيه إلي أراض أخري وجمهور جديد في حرب جديدة بدأت منذ سنوات، وأن صناعة الفن في مصر حين تراجعت منذ عقد من الزمان، صعد المسلسل السوري، خاصة التاريخي ، واليوم يأتي الاتراك بتاريخهم لنجلس جميعا معا، ا لمصري والسوري والخليجي، نتفرج عليهم وندفع لهم.. أما الأسوأ من هذا فهم هؤلاء السادة الصاعدون سياسيا ويهددون صناع الفن في مصر بالسجن. ويبدو أنهم من عشاق الفن التركي.