مجلس النواب يوافق على الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة    السيسي يتابع توفير الاحتياجات اللازمة لمشروعات الدلتا الجديدة والتنمية الزراعية    سفير أذربيجان العلاقات مع مصر تاريخية تمتد إلى عام 1994    محافظ المنيا يتابع معدلات تنفيذ المشروعات بقرى حياة كريمة    الأونروا: السيطرة الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح يفاقم الوضع الصحي في القطاع    مدير المخابرات المركزية الأمريكية يصل إلى إسرائيل لبحث ملف مفاوضات التهدئة    روسيا تؤكد ضرب مواقع عسكرية وشبكة الطاقة الأوكرانية "ردا" على هجمات كييف    هل خالفت إسرائيل اتفاقية السلام مع مصر؟.. مفيد شهاب يحسم الجدل ويفجر مفاجأة    بث مباشر مباراة ريال مدريد وبايرن ميونخ في نهائي أبطال أوروبا    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لصفوف النقل في أسيوط    خان شقيقه بمعاشرة زوجته ثم أنهى حياته بمساعدتها في كفر الشيخ    «ياسمين والعوضي» و«تامر وبسمة».. ثنائيات فنية رفعت شعار الحب رغم الانفصال    أفضل دعاء للأبناء بالنجاح والتوفيق في الامتحانات.. رددها دائما    الكشف على 1528 مريضا في قافلة طبية بالدقهلية    الزمالك يكشف مفاجآت في قضية خالد بوطيب وإيقاف القيد    وزيرة التعاون الدولي تناقش ترتيبات زيارة رئيس أذربيجان لمصر في يونيو المقبل    مرصد الأزهر: استمرار تواجد 10 آلاف من مقاتلي داعش بين سوريا والعراق    الأرصاد تعلن تفاصيل حالة الجو اليوم.. فيديو    تعذيب حتى الموت| قرار جديد بشأن المتهم بإنهاء حياة صغيرة السلام    بعد حلف اليمين الدستوري.. الصين تهنئ بوتين بتنصيبه رئيسا لروسيا للمرة الخامسة    ذكرى وفاة فارس السينما.. محطات فنية في حياة أحمد مظهر    عبد المعطى أحمد يكتب: عظماء رغم الإعاقة «مصطفى صادق الرافعي»    أسعار الذهب منتصف تعاملات اليوم الأربعاء.. الجنيه يسجل 24.8 ألف جنيه    تعمد الكذب.. الإفتاء: اليمين الغموس ليس له كفارة إلا التوبة والندم والاستغفار    مرشح جديد لتدريب مانشستر يونايتد خلفاً لتين هاج    صحة المنيا تقدم الخدمات العلاجية ل10 آلاف مواطن فى 8 قوافل طبية    وزير الخارجية الإيراني: طهران والقاهرة تتجهان نحو إعادة علاقاتهما الدبلوماسية إلي طبيعتها    تعرف على حد الاستخدام اليومي والشهري للمحافظ الإلكترونية للأفراد والشركات    علاء مبارك ينتقد مركز "تكوين الفكر العربي".. بين الهدف المعلن والتحفظ على العقيدة    لمواليد 8 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    فرقة قصر ثقافة طنطا تقدم عرض تمارة في الموسم المسرحي لقصور الثقافة    أصالة تحذف صورها مع زوجها فائق حسن.. وتثير شكوك الانفصال    30 جنيهًا للعبوة 800 جرام.. «التموين» تطرح زيت طعام مدعمًا على البطاقات من أول مايو    باتور... سيارة حصرية جديدة من بنتلي    الإفتاء تكشف محظورات الإحرام في مناسك الحج.. منها حلق الشعر ولبس المخيط    مصرع سيدة صدمها قطار خلال محاولة عبورها السكة الحديد بأبو النمرس    صالح جمعة معلقا على عقوبة إيقافه بالدوري العراقي: «تعرضت لظلم كبير»    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من 900 ألف مواطن بمستشفيات الأمراض الصدرية    المركزي للمحاسبات: ملتزمون بأقصى درجات المهنية في نظر الحساب الختامي الموازنة    رئيس جامعة القاهرة ينعى الدكتور إبراهيم درويش أستاذ العلوم السياسية    ضبط قضايا اتجار في العملة ب12 مليون جنيه    بدء تنفيذ أعمال مبادرة "شجرها" بسكن مصر في العبور الجديدة    "المدرج نضف".. ميدو يكشف كواليس عودة الجماهير ويوجه رسالة نارية    طلاب الصف الأول الإعدادي بالجيزة: امتحان اللغة العربية سهل (فيديو)    اليوم، الحركة المدنية تناقش مخاوف تدشين اتحاد القبائل العربية    مجلس النواب يوافق على تشكيل المجلس القومي للطفولة والأمومة    الصحة: فحص 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    إخماد حريق في شقة وسط الإسكندرية دون إصابات| صور    نتائج التحقيقات الأولية فى مقتل رجل أعمال كندى بالإسكندرية، وقرارات عاجلة من النيابة    «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة في «ذي القعدة».. وفضل الأشهر الأحرم (فيديو)    بايدن: لا مكان لمعاداة السامية في الجامعات الأمريكية    إعلام فلسطيني: شهيدتان جراء قصف إسرائيلي على خان يونس    اليوم العالمي للمتاحف، قطاع الفنون التشكيلة يعلن فتح أبواب متاحفه بالمجان    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب كثيرة من مباراة الاتحاد.. والعشري فاجئ كولر    «النقل»: تصنيع وتوريد 55 قطارا للخط الأول للمترو بالتعاون مع شركة فرنسية    حكم حج للحامل والمرضع.. الإفتاء تجيب    «إنت مبقتش حاجة كبيرة».. رسالة نارية من مجدي طلبة ل محمد عبد المنعم    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في البنود التسعة لتجديد الخطاب الديني
نحتاج لتجديد دماء العلماء ..أولاً
نشر في عقيدتي يوم 12 - 05 - 2015

تناولنا بالبحث العدد الماضي أحد البنود التسعة التي حددتها محكمة القضاء الإداري لتجديد الخطاب الديني. توقفنا مدقيين علي أهمية قضايا التجديد والتي تهم الحكام الآن وهي قضية القتال والفريضة الغائبة الجهاد والتكفير وظهر جليا أن الأزهر تناول كل هذه القضايا بالبحث الدقيق منذ سنوات ليست بالقليلة لكن عدم تسديد الأزهر لأي هدف في مرمي هذه القضية دفع كل من هب ودب لأن يطالب بتطوير الفكر الديني بتغيير الفكر الإسلامي إلي مسخ هذا الفكر..!!
قبل الخوض في تغيير باقي البنود يفرض علينا المقام التمهل لنوضح مغالطة وقع فيها الجميع بما فيهم المعنيون بقضية المؤسسات الدينية.. وتنحصر في أن هناك فرقا بين تجديد الفكر الديني وتجديد الخطاب. تجديد الفكر هو الاجتهاد.. ودفع عجلته لتبادل المستجدات وإيجاد حلول ملائمة من الإسلام.. وهذا العامل أقرته المحكمة سالفة الذكر في البند التاسع حيث أكدت أن تجديد الخطاب الديني في الفكر المرتبط بتطوير الحياة وليس في الدين ذاته فلن نجد لسنة الله تبديلا.
خطاب عصري
أما تجديد الخطاب الديني فيعني كيف نخاطب الناس بأمور الدين فما يهمهم في شئون دنياهم.. كيف نخاطب الناس في المقهي. كيف نخاطب شباب "الفيس بوك"؟ كيف نخاطب جيل العجائز؟ كيف نخاطب غير المسلم في الداخل والخارج؟ كيف نخاطب الحكام.. والفرعيات في هذا المسلك متعددة وهذا ما يعرفه الأزهر "بفقه الدعوة" وأعلن أنها مادة مقررة علي طلاب كلية الدعوة جامعة الأزهر وصنف فيها العديد من الاجتهادات.
مصنفات التطوير
* أضف عامل آخر في هذا السياق انه قد يظن ظان بسوء أو حسن نية ان المكتبة الإسلامية الحديثة خاوية مما نحن بصدد الحديث عنه وهذا عين الكذب والبهتان فالمكتبة الإسلامية الحديثة تكاد تكون قد امتلأت بما تضمه من مصنفات في تطوير الفكر الديني وتطرقت لكل قضاياه التي ننبش فيها الآن.. وما من حديث من مستجدات العصر الحاضر إلا وتحدث عنه الفكر الإسلامي مجتهدا فيه سواء اجتهادا فرديا أو جماعيا لكن المشكلة تنحصر في اننا هجرنا القراءة وتقاعس الأزهر عن إظهار هذه الكنوز المكنونة ويمكن أن أقولها بصدق نحن في حاجة لتجديد العلماء لا الفكر..!!
أعلام المجددين
في هذا الصدد ذكرنا المرحوم الإمام الأكبر د. محمد سيد طنطاوي بعدد من المجتهدين في العصر الحديث ضمن أحد كتبه وهم الإمام محمد عبده والشيخ أحمد إبراهيم والشيخ محمد مصطفي المراغي والشيخ محمود شلتوت والشيخ علي الخفيف وأضيف إليهم الشيخ حسين مخلوف والدكتور عبدالرحمن تاج والشيخ محمد أبوزهرة والدكتور عبدالحليم محمود والإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق.. وغيرهم كثير لا يعلمهم إلا المتعبد في محراب العلم.
الفروع لا الثوابت
نعود لما قررته محكمة القضاء الإداري في بندها الثاني.. تقول: التجديد يقتصر علي الفروع فحسب دون ثوابت الدين والدين عقيدة لكل إنسان وعلم قاصر علي العلماء واحتكارهم لتجديد الخطاب الديني لا يعني انغلاقهم عن المجتمع فلا قداسة في الإسلام وإنما بتفاعلهم مع المجتمع.
وتجنح المحكمة إلي أحد عوامل "شروط الاجتهاد" فنقول "التجديد يقتضي إعادة فهم النصوص علي ضوء واقع الحياة وما تستحدثه البيئة من روح التطور وهي سنة الحياة فلا تظل البيئة التي صدرت بها منذ 1436 سنة مع عدم المساس بثوابت الدين نفسه من نصوص قطعية الثبوت وقطعية الدلالة فيجب أن يكون أسلوب التجديد في الفروع فحسب ليكون مواكبا للأحداث الجارية ومتأثرا بها محددا ما هو حق منها.
حيوية الاجتهاد
طرح الإمام الأكبر المجتهد د. محمد سيد طنطاوي في كتابه الاجتهاد هل عصرنا في حاجة إلي مجتهدين؟! ويؤكد فيه ما طرحه رئيس المحكمة من أن الاجتهاد تطوير الفكر الديني في الأحكام الشرعية التي تقبل الاجتهاد كان مزدهرا منذ أن لحق النبي صلي الله عليه وسلم بربه إلي أواسط القرن الرابع ثم أصيب بعد ذلك بالركود إلي أواخر القرن الثالث عشر ثم أخذت تعود إليه الحياة بشيء من النشاط والحركة إلي وقتنا الحاضر.
فمن الحقائق الواضحة الدامغة ان كل قرن من الزمان لا يخلو من مجتهدين أصحاب عقول راجحة وعزائم صادقة ونوايا طيبة ينفون عن دين الله تعالي تحريف الغالبية وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين قال الرسول صلي الله عليه وسلم: "إن الله تعالي يبعث لهذه الأمة علي كل مائة سنة من يجدد لها دينها" ويبدو لنا انه إذا كان الاجتهاد في كل عصر واجبا ولازما فهو في عصرنا الحديث الذي اتسعت قضاياه وأحداثه وشئونه المتنوعة أوجب وألزم.
تراث السابقين
فإن أي عاقل لا يستطيع أن يشك أو يتردد في أن علماءنا السابقين قدموا لنا تراثا علميا. ثقافيا. ضخما وأعطونا من عقولهم الراجحة ومن أفكارهم الحكيمة ومن علمهم النافع الواسع. ما يجعلنا نسترشد باجتهادهم وننتفع بجهودهم في الوقت نفسه فإن أي عاقل لا يستطيع أن ينكر أن لكل عصر مشكلاته وظروفه وحاجاته المتجددة وقضاياه التي لم تكن موجودة في العصور السالفة ومخترعاته وابتكاراته التي لو شاهدها المتقدمون لعدوها من العجائب والمستحيلات. بل ان الذين عاشوا في القرن التاسع عشر لو رأوا مخترعات القرن العشرين في مجال الاتصالات وغزو الفضاء وغير ذلك من الاكتشافات والصناعات المتنوعة لأصيبوا بالانبهار والدهشة ولكادوا لا يصدقون ما تقع عليه عيونهم وما تحسه حواسهم. فضلا عن كل ذلك فإن وقائع الحياة اليوم قد يطرأ عليها في الغد ما يجعلنا نعيد النظر في الحكم عليها. فما أحكم قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه "لا تكلفوا أولادكم أن يعيشوا بعقولكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم".
مرونة الفقه
أجمع المحققون من العلماء ان الفتوي تتغير باختلاف الزمان والمكان والعرف والحال وأبدع وصف لهذه الحقيقة ما قاله الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق "مرونة الفقه الإسلامي" وجعله عنوانا لكتابه ولنا في رسول الله صلي الله عليه وسلم الأسوة الحسنة. فإن المتأمل في سيرته نراه نهي أصحابه عن أشياء لظروف تقتضي هذا النهي. ثم أباحها لهم لمقتضيات تقتضي إباحتها يقول عليه الصلاة والسلام: "كنت قد نهيتكم عن ثلاث وأنا آمركم بهن كنت نهيتكم عن زيارة القبور. فزوروها فإن في زيارتها تذكرة. ونهيتكم عن الأشربة إلا في ظرف الأدم أي إلا في أوعية الجلد فاشربوا في كل وعاء غير ألا تشربوا مسكرا. ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث أي عن إبقاء لحمها أكثر من ثلاثة أيام فكلوا وادخروا واستمتعوا بها في سفركم" ومن وصايا عمر بن الخطاب رضي الله عنه "ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس. ثم راجعت فيه نفسك. وهديت فيه رشدك. أن ترجع عنه. فإن الحق قديم والرجوع إلي الحق خير من التمادي في الباطل. ومن المأثور عنه رضي الله عنه انه حكم في واقعة بحكم ثم فيما يشبهها بحكم آخر فلما راجعه الصحابة قال: ذلك علي ما قضينا وهذا ما نقض".
ممنوع عن المجتهد
إذا اتفقنا علي أن التطوير هو الاجتهاد فإن الاجتهاد يعني بذل الإنسان نهاية جهده وأقصي طاقته للوصول لتحقيق شيء معين ويعرفه أهل الشرع ان يبذل الفقيه نهاية جهده وأقصي وسعه لتحصيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط والأدلة الشرعية.
والاجتهاد بمعناه الاصطلاحي والكلام للدكتور محمد سيد طنطاوي مجاله النصوص الشرعية التي ليس فيها دليل علي انها قطعية الثبوت أو قطعية الدلالة.. فلا اجتهاد في كلام الله القرآن إذ أن القرآن قطعي الثبوت ولا مجال للاجتهاد في كل نص محكم قطعي الدلالة علي معناه الذي لا يقبل التأويل كقوله تعالي "لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق.." فهي واضحة فيما أمرت به أو نهت عنه وقطعية الدلالة في أحكامها بحيث لا تحتمل تأويلا يخالف مضمونها.
أما مجال الاجتهاد في النصوص التي هي ظنية الثبوت كبعض الأحاديث النبوية التي تكلم أهل الاختصاص من المحدثين عن أسانيدها وعن متونها من حيث الصحة والحسن والضعف وفي النصوص ظنية الدلالة كبعض آيات القرآن أو الأحاديث النبوية التي تحتمل في فهمها أوجها من الفهم المعقول المستند إلي التركيب اللغوي أو الأدلة الشرعية أضرب علي ذلك مثلا قوله تعالي "وامسحوا برءوسكم" أجمع الفقهاء علي أن مسح الرأس من أركان الوضوء بدليل منطوق هذه الجملة الكريمة إلا أنهم اختلفوا في مقدار هذا المسح.. بعضهم قال كل الرأس علي اعتبار أن "الباء" صلة وتقدير الكلام "امسحوا رءوسكم" وبعضهم يري بعض الرأس علي اعتبار ان الباء للتبعيض والتقدير "امسحوا ببعض رءوسكم" ومنهم من قدر بربع الرأس ولكل فريق أدلته.
صبيان في رداء الفقهاء
وحتي نخرج من اللغط الدائر الآن وحديث السفهاء وغلاظ العقول نطرح هذا السؤال: من له حق الاجتهاد من له حق تطوير الفكر؟ فهل هي لكل من هب ودب ممن فتن بعقله فراح يفتي لنفسه فيجنح بعيدا عن تراث الفقهاء أو من جاهل تسربل برداء العلم وراح يمسخ التراث؟ وهنا أجمع العلماء في كل العصور أن من له حق تطوير الفكر لا الأزهري ولا "الدرعمي" ولا غيرهم أنما التطوير لكل ملم بعلوم اللغة العربية.. فمن لا يستطيع إعراب جملة واحدة من دواعش الفكر والدم عليه أن ينسل بعيدا عن ساحة العلماء وأن يكون عالما بطرق دلالة المعاني حافظا لكتاب الله. أما الذي لا يحفظ ولو جزء واحد من القرآن فعليه أن يلزم مكانه وأن يكون علي علم واسع بالسنة النبوية المطهرة وبأحكامها مدركا لمقاصد الشرع وأحوال الناس ولما جري عليه عرفهم وما فيه صلاح حالهم وأن يكون علي دراية بالفقه وأصوله ممارسا لكل ذلك ممارسة عملية حتي تتوفر لديه الملكة الذهنية والقوة العقلية التي يستطيع عن طريقها استنباط الأحكام الشرعية استباطا سليما فهذه شروط لو توافرت في عالم فأهلا به ومرحبا وإذا لم تتوفر فيه فلا شأن له في مجال التطوير مهما كان أزهريا أو غيره.
وحسب هذا الطرح يخرج من دائرة العلم والاجتهاد كل من يجتهد من بعض الجماعات ومن يرعي الفكر والعلم ويتوشح برداء إرادة الرئيس السيسي لأهله!!
نوعا الاجتهاد
تمنع تطور الفكر والاجتهاد في المائة سنة الماضية بنوعين من الفكر.. فردي لعالم من العلماء وجماعي حيث يجمع مجموعة من العلماء علي قضية من القضايام.. واستحوذ لجمع البحوث الإسلامية بالأزهر علي هذا الصنف من الاجتهاد.
إبداع جديد
وحتي نخرص الألسنة المتبجحة متهمة تارة بالتخلف وتقاعس العلماء يذكر لنا د. محمد سيد طنطاوي نماذج حديثه من أئمة الاجتهاد.. منهم الإمام محمد عبده الذي جمعت دار الإفتاء له ألف فتوي من اجتهاده فيها تحليل الإيداع في صندوق البريد وكان ذلك من القضايا المستحدثة وقتها. واجتهد في أمر مهم يهم المسلمين جميعا وهو أمر الاستعانة بغير المسلمين فأفتي بجواز ذلك وقال "قامت الأدلة من الكتاب والسنة وعمل السلف علي جواز الاستعانة بغير المؤمنين وغير الصالحين علي ما فيه خير المسلمين".
ومن الوجهاء الذين طوروا الفكر في العصر الماضي الشيخ أحمد إبراهيم الأستاذ بكلية الحقوق وله اجتهادات كبيرة صنفها في كتبه المتعددة وأذكر له اجتهادا من اجتهاده يقول "من شروط الشهادة عدم تكذيب الحسن لهما فإن كذبها الحسن فلا تقبل ولا يجوز أن نبني عليها القضاء وذلك لان الحسن يفيد علما قطعيا والشهادة تفيد خبرا ظنيا والظني لا يعارض القطعي.. ثم قال "ومما ينبغي أن يلتحق بهذا ما إذا دل الحساب الفلكي علي عدم إمكان رؤية الهلال الليلة لانه يغرب فيها قبل غروب الشمس فشهد شاهد بأنه رآه بعد الغروب فيجب أن ترد شهادة ذلك الشاهد لكذبها بيقين وذلك لانضباط الحساب وعدم تطرق الخلل والشك إليه كما يعلم ذلك العارفون به" وهذا وإن لم يكن من العلم المستفاد بالضرورة فهو من العلم المدرك بالنظر والاستدلال كالعلم بأوقات الكسوف والخسوف ومدة كل منهما وأشكالهما وكالعلم بأن مجموع زوايا المثلث يساوي قائمين.
قانون الأحوال الشخصية
اجتهاد الإمام الأكبر الشيخ محمد مصطفي المراغي بادخال تعديلات مهمة علي قانون الأحوال الشخصية وكان ذلك خلال توليه المحكمة الشرعية العليا عام 1923 تخلي في ذلك عن المذهب الحنفي ووجه رؤيته إلي كل المذاهب يستنبط منها ما يتناسب مع المصلحة العامة للمجتمع وما يكون أيسر للناس في حدود الشرع وأنقل مبادئ مهمة من قوله عمن عاونه في سن القانون" ضعوا من المواد ما يبدو لكم انه يوافق الزمان والمكان وأنا لا يعوذني بعد ذلك أن آتيكم بنص من المذاهب الإسلامية يطابق ويؤيد ما وضعتم. ان الشريعة الإسلامية فيها من السماحة والتوسعة ما يجعلنا نجد في تفريعاتها وأحكامها من القضايا المدنية والجنائية كل ما يفيدنا وينفعنا في كل وقت وما يوافق رغائبنا وحاجاتنا وتقدمنا في كل حين ونحن في ذلك كله ملازمون لحدود شريعتنا.
عظماء العلماء
أما الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت فقد اجتهد وأفتي بحل إيداع الأموال في صناديق التوفير وبحل تنظيم النسل وله في هذين الأمرين بحثان طويلان.
ويذكر التاريخ له انه عندما شارك في مؤتمر القانون الدولي المقارن في لاهاي بهولندا.. ألقي بحثا عن المسئولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية ونال البحث استحسانا من أعضاء المؤتمر وحاز علي إعجابهم فأصدروا قرارا بصلاحية الشريعة لمسايرة التطور المحمود وانها مصدر من مصادر التشريع الحديث وانها أصيلة وليست مقتبسة من غيرها من الشرائع الوضعية وأصدر المؤتمر قرارا بأن تكون اللغة العربية لغة الشريعة الإسلامية إحدي لغات هذا المؤتمر في دوراته المقبلة ويدعي إليه أكبر عدد من علماء الشريعة الإسلامية علي اختلاف المذاهب والأقاليم.
جاد.. مجتهد
ومن الاجتهادات المتعددة والكثيرة للإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق ما يتعلق ببناء المدارس والمستشفيات ودور المسنين وغيرها من أموال الزكاة حيث كانت الفتوي ان هذه الأبواب ينفق عليها من الصدقات والتبرعات وأبعد الفقهاء هذه الأشياء عن الزكاة بحجة انها لم تكن من مصارف الزكاة اجتهد الشيخ جاد الحق واستنبط الحكم حيث وسع مصرف "وفي سبيل الله" علي أوجه كثيرة فأدخل بناء المساجد والمدارس والمستشفيات في مصر في سبيل الله وكان اجتهادا موفقا منه حل به اشكاليات كادت تجعل أيدي الدولة مكتوفة الأيدي في هذا المسلك.
أما الشيخ عطية صقر فكان له اجتهادات واسعة في مجالات مختلفة منها تهنئة المسيحيين بأعيادهم. عقد الإيجار الدائم وتحدث عن علاقة الدين بالسياسة وتحدث فيها بكلام بعيد عن تملق الحكام. ونفاق فوران الشباب. عن تحويل الجنس واشترك في هذا الموضوع العديد من المجتهدين والعلماء وأصبح الحكم فيها اجتهادا جماعيا. احتراف التمثيل ودراسته حتي في الأمور الرياضية فقد اجتهد فيها حين أصدر فتواه حول رياضة مصارعة الثيران وتحدث في الاقتصاد حول تحديد التسعيرة الجبرية وغيرها.. ولديه من الاجتهادات الكثير والكثير مما يفيد في تطوير الفكر الديني.. ولكن من يقرأ!
بيان للناس
أما كتاب "بيان للناس" والذي يتطلب الأمر ألا يخلوا منه منزل بل لابد من إقراره علي كل من يعمل بالثقافة والسياسة الموضوعات الاجتهادية متعددة بين جنبات وفتيه وقائية ولكن أذكر مجرد عناوين.. أذكر بعضها فقط:
الدولة الإسلامية. السلطة الحاكمة: الإمام والأمير والخليفة. البيعة والترشيح والتقليد. مهمة الإمام المشورة من الإمام. تعدد الإمارة. طلب الإمارة.
الشعب: البيعة وأهميتها. الطاعة. النصح والمشورة من الشعب. حق الشعب في الحريات. حق الشعب في المساواة. حق الشعب في الأمن.
الدستور: المجالس التشريعية ومهمتها. القضاة والقوانين الوضعية. وغيرها من الموضوعات التي تهم كل ما يعن لنا من إشكاليات.
الاجتهاد الجماعي
أما الاجتهاد الجماعي فقد اختص به مجمع البحوث الإسلامية وكل ما أفتي به المجمع فهو اجماع علي جميع دور الفتوي والمفتين أن يلتزم به واجتهاد المجمع في كل القضايا التي تعن لنا حتي الآن.. جدد تعريف القضية التي أضنت أطباء زراعة الأعضاء. حدد الاستنساخ العلاجي. الأسهم التجارية. والمصارف الدولية. وحدد صور الزواج الصحيح وهي القضية التي ولغ فيها الجهلاء والفاسدون فأرادوها بهيمية لما كانت قضية القضايا علي شباب الجامعات المقبل علي الزواج العرفي. كما حدد المجمع اجتهاده في تمثيل الأنبياء في الأعمال الفنية واستئجار الرحم وما يتعلق بالإنجاب من قضايا مستحدثة كما قدم المجمع مشروعا للزكاة وأفتي المجمع بحل ترميم الأثار حتي البوذية والاستثمار في البنوك ورفع الحصانة وموضوعات كثيرة يتطلب ذكر العناوين مجالات أوسع مما هو متاح لنا علي صفحات الصحف ولمن يريد الاسترشاد فعليه بكتاب "مجمع البحوث الإسلامية قراراته وتوصياته" الذي جمعه وطبعه الشيخ ماهر الحداد عام 2008 من جزءين والأزهر لم يعلم عنه شيئا حتي الآن رغم انه طباعة الأزهر.
وحتي تتم الفائدة فيما قدمه المجمع من اجتهاد جماعي فقد اسدل الستار علي كل القضايا الجنسية وغيرها التي أثارها مؤتمر السكان في بكين وقدم اجتهاده للمؤتمر فأخذ باجتهاد الأزهر. تحدث فيها عن الصحة الجنسية والصحة الانجابية والجنس الآمن والعلاقات والممارسات الجنسية وتعليم الجنس والعنف الجنسي والمعلومات الجنسية والتوجيه الجنسي والهوية الجنسية والاغتصاب الزوجي ومساواة الجندر والعلاقات الجنسية في زواج شرعي صحيح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.