أكد العلماء أن الإسلام أعلي قيمة العمل الشريف أيا كان نوعه وجعله أحد معايير التمايز بين الناس .. وأشاروا إلي أن الجزاء علي العمل الديني والدنيوي ليس قاصرا علي الدنيا فقط بل إنه يمتد إلي يوم الحساب .. وكشفوا عن أن الإسلام سبق القوانين الدولية الوضعية في كل ما يتعلق بالعمل حتي يضمن العدالة بين الأطراف المختلفة فيه. في البداية يؤكد الدكتور محمد رأفت عثمان . عضو هيئة كبار العلماء . أن العمل فريضة إسلامية للقادر عليه لإغناء نفسه وتوفير ضروريات حياته لنفسه ولمن يعول ولهذا جاء الخطاب الإسلامي مقرراً لهذه الحقيقة بصيغة الفرضية والتكليف علي المستوي الفردي "فمن يعمل مثقال ذرة خير يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" وضبط الإسلام سلوك الفرد بأن أمره بالاتجاه إلي العمل المنتج الذي يسد حاجة الفرد وينفع المجتمع ويترك أثراً ملموساً علي حياة الفرد والأمة. أوضح الدكتور رأفت عثمان . أن الإسلام جعل العمل الصالح ليس في العبادة فقط بل كل عمل مفيد للبشرية وهذا هو مغزي التأكيد القرآني علي العمل النافع بأنه العمل الصالح فقال الله تعالي " والعصر . إن الإنسان لفي خُسر . إلا الذين امنُوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتوصوا بالصبر" وجعل الله الجزاء علي ذلك في الآخرة فقال "ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون" . وكذلك فإن العمل مصدر عزة الفرد والمجتمع بل والأمة كلها ولهذا قال صلي الله عليه وسلم "اليد العليا خير من اليد السفلي "ولهذا يجب في العمل الإتقان ببذل أقصي الجهد للوصول إلي أعلي إنتاجية لأن الجودة قيمة أساسية من قيم العمل في الإسلام عن جواز ترك العمل والتفرغ للعبادة كما يفعل بعض المتنطعين أوضح الدكتور رأفت عثمان . انه لا يجوز شرعا للمسلم ترك العمل باسم التفرغ للعبادة أو التوكل علي الله ولو عمل في أقل الأعمال فهو خير من أن يسأل الناس فقال النبي صلي الله عليه وسلم "لأن يأخذ أحدكم حبله. ثم يغدو إلي الجبل فيتحطب. فيبيع فيأكل ويتصدق. خير له من أن يسأل الناس". وأنهي الدكتور رأفت عثمان كلامه مؤكدا أن الإسلام ذم الكسل والتوكل فقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب " لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق . فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة " وقال عمر أيضا " يا معشر الفقراء ارفعوا رءوسكم . فقد وضح الطريق فاستبقوا الخيرات ولا تكونوا عالة علي المسلمين " . كما حث الرسول علي الانتشار في الأرض وتعميرها وارسي قاعدة إحياء الموات منها وتملكها فقال "من أحيا أرضاً ميتة فهي له". الإسلام والقوانين يؤكد الدكتور عبد الله النجار . عضو مجمع البحوث الإسلامية. أنه لا يوجد دين يعظم الإسلام من شأن العمل مثل الإسلام لدرجة أنه جعل علي قدر عمل الإنسان يكون جزاؤه في الدنيا والآخرة . ولهذا قال الله "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَري أَوْ أُنثَي وَهُوَ مُؤْمِنى فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " وأشار إلي أن الأنبياء الذين هم أفضل خلق الله قد عملوا أعمالا شريفة ينفقون منها علي أنفسهم وأسرهم وذويهم فقد عمل أبو البشر آدم عليه السلام بالزراعة.وعمل نبي الله داود عليه السلام بالحدادة. وعمل المسيح عيسي عليه السلام بالصباغة. وعمل رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم برعي الغنم والتجارة وهو القدوة والمثل الأعلي لكل مسلم. وكشف الدكتور النجار أنه العمل في الإسلام ليس مجرد تأدية واجب فقط كما يفعل كثير من المسلمين الآن بل يحث الرسول صلي الله عليه وسلم علي إتقانه أيضا فيقول" ان الله يحب أحدكم إذا عَمِلَ عملاً أن يتقنه. قيل وما إتقانه يا رسول الله؟ قال: "يخلصه من الرياء والبدعة". وبالتالي لو عمل الإنسان في أقل الأعمال فهو خير من أن يسأل. وأشار الدكتور النجار إلي أن الإسلام سبق القوانين الدولية في تقرير كل ما يتعلق العمل وأطرافه فقد جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في "المادة 17 " لكل فرد حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره ولا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً وكذلك حق العمل واختياره والحد من البطالة . أما في" المادة 23 "من الإعلان فجاء فيها " لكل شخص الحق في العمل . وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما أن له حق الحماية من البطالة وأيضا تقرير حق الأجر العادل واللائق بالكرامة الإنسانية ولكل فرد أن يقوم بعمل له . والحق في أجر عادل مرض يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان تضاف إليه عند اللزوم وسائل أخري للحماية الاجتماعية ولكل شخص الحق في أن ينشئ وينظم إلي نقابات حماية لمصلحته " وفي " المادة 24" لكل شخص الحق في الراحة وفي أوقات الفراغ . ولا سيما في تحديد معقول لساعات العمل وفي عطلات دورية بأجر والحق في مستوي معيشي مناسب " وكذلك في " المادة 25 " لكل شخص الحق في مستوي من المعيشة كاف للمحافظة علي الصحة والرفاهية له ولأسرته ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته. ضوابط شرعية أكد الشيخ جمال قطب . الرئيس الأسبق للجنة الفتوي بالأزهر . أن الإسلام دعا إلي تناسب الأجر مع الجهد ولهذا فمن حق العامل الأجر المناسب لقدراته ومواهبه. ولهذا يقول الله عز وجل "ولا تبخسوا الناس أشيائهم" كما يحذر الله من سوء العاقبة إذا لم يتناسب الأجر مع العمل ولهذا يجب علي العامل أن يأخذ أجره بقدر عمله وجهده مع سرعة دفع الأجر للعامل بعد الانتهاء من عمله مباشرة لقول الرسول صلي الله عليه وسلم "أعطوا الأجير أجره. قبل أن يجف عرقه" وجاء في الحديث القدسي " قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته. رجل أعطي بي ثم غدر. ورجل باع حرا فأكل ثمنه. ورجل استأجر أجيرا فاستوفي منه ولم يعطه أجره". وأوضح الشيخ جمال قطب . ضرورة مناسبة العمل للعامل لأن الله سبحانه وتعالي جعل التكليف في دائرة التوسع والطاقة ولهذا احترم الإسلام العمل وأعلي من شأن العاملين وأمر بمزاولة الأعمال المختلفة التي من شأنها تحقيق النفع للعامل والمستعمِل وجاءت نصوص الشرع آمرة بالعمل فقال الله تعالي : "وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون". ولهذا فإن للعمل قيمة عليا في الإسلام لأنه أساس الدين وركيزة الإيمان وقوام الحياة الطيبة لذلك أحاطه الإسلام بضمانات تكفل تحقيق غاياته في الحفاظ علي حياة الفرد والجماعة بسبب ما نشاهده من تفشي الفقر علي المستوي المحلي والمستوي الدولي. وأشار الشيخ قطب. إلي أن الإسلام جعل العمل أفضل وسيلة لمكافحة الفقر وضمان احتياجات الإنسان والتحذير منه لأن الفقر يؤثر علي الدين والإيمان فقال صلي الله عليه وسلم " كاد الفقر أن يكون كفراً " وذلك لآثاره المدمرة بل انه السبب الرئيسي للتخلف والبطالة وكل الأمراض الاجتماعية وتعثر في عمليات التنمية وهذا يتناقض مع الأمر القرآني بالعمارة - وهي التنمية - بقوله تعالي " واستعمركم فيها " أي : طلب منكم إعمارها ولاشك أن وسيلة الاعمار هي العمل الذي يعتبر عنصر الإنتاج الأساسي ولهذا عده الإسلام من أفضل أنواع الكسب فقال صلي الله عليه " ما أكل أحد قط طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده . وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده " وكما سئل الرسول أي الكسب أفضل قال "عمل الرجل بيده . وكل بيع مبرور " والعمل يشمل كل نشاط اقتصادي مشروع في مقابل أجر سواء كان هذا العمل بدينا كان أم ذهنيا. وأنهي الشيخ جمال قطب كلامه مؤكدا تحريم الشريعة أي كسب عن طريق الأنشطة غير المشروعة مثل المخدرات والبغاء وغسل الأموال والخمر والخنزير لما ينشأ عنها انتهاك لقيم الشرف والحصول علي المال بالطرق غير المشروعة.