علي الرغم من أن تفسير الشيخ الشعراوي المعروف ب " خواطر الشيخ الشعراوي " لم يخرج عما سار عليه كتب التفسير التراثية من الاستعانة بالعلوم اللازمة للتفسير القرآني كعلم الحديث. والنحو والصرف. أسباب النزول. الناسخ و المنسوخ وغيرها من العلوم الشرعية وكذلك الاستعانة بالشعر العربي لتفسير مراد الله - سبحانه و تعالي - في آياته المباركات إلا أننا وجدنا إقبالا من العامة قَبل الخاصة علي خواطره علي الرغم من استعانته بهذه العلوم التقعيدية التي قد تحول دون دروسه التفسيرية.غير أن الشيخ تمكن من خلال خواطره أن يجرئ العوام علي فهم كتاب الله - سبحانه و تعالي - علي الرغم من امتزاجها بالتجديد الذي لا يهمل تراثنا المجيد»ففي معرض تفسيره لقوله تعالي : "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزى حَكِيمى "38" " [المائدة] عمد الشيخ إلي بيان أثر التكافل الاجتماعي علي أفراد المجتمع المسلم. حتي لا يسود الحقد والكراهية فيما بينهم. شريطة لا تضار حركة المتحرك. ولا يقتات الإنسان أو يتمتع بغير مجهود » لأن من يسرق إنما يأخذ مجهوداً غيره. وهذا الفعل يُزْهِد الغير في العمل. فالشيخ يريد أن يلفت المتلقي في خاطرته إلي أن الأرضية الإيمانية تحث المسلم علي أن تضمن للإنسان العمل. و أن يعوله المجتمع و يقوم بما يحتاج إليه إن كان عاجزًا. فلا غرو أن يبرز الشيخ مواطن الإصلاح الاجتماعي من خلال تناول النص المبارك بالتفسير متبعا في ذلك منهجه الاجتماعي الإصلاحي» غير أن العجيب أن يستعين الشيخ بأبيات من الشعر العربي» لبيان أمر فقهي ممثل في حكم السرقة وديتها في الإسلام » بغية إبراز فَهم بعض السطحيين لحد هذا الحكم. حيث استعان الشيخ بقول المعري: يَدى بخمْسِ مِئِيني عَسْجَدي وُدِيَتْ :: مَابَالُهَا قُطِعَتْ فِي رُبْعِ دِينَارِ تناقضى مَا لَنا إلَّا السُّكوتُ لَهُ :: و أنْ نَعُوذَ بِمَوْلَانا مِنَ النَّارِ يتعجب المعري من التناقض الواقع في الشريعة علي - حد زعمه - من أن يد السارق تقطع و لو في ربع دينار.وديّة اليد المفقودة في الحادثة خمسمائة دينار من الذهب. وغفل عن الأثر المترتب علي تطبيق هذا الحد فردا و مجتمعا. و إذا كان الشيخ قد اعتمد علي أبيات من الشعر العربي القديم لرد الفهم الخاطئ لبعض آيات الذكر الحكيم أمام جمهور أغلبه من العوام البسطاء لم يكن للتراث الشعري محلا متأصلا في ثقافتهم» فالأعجب الاستعانة بالشعر العربي لنقض هذا الفهم الخاطئ» فقد أورد الشيخ بيتًا شعريًا يبيّن للمتلقي الحكمة من حكم السرقة في الإسلام وديتها. مستشهدا بقول الشريف الراضي: عِزُّ الأمانةِ أَغْلاها و أرْخصَها :: ذلُّ الخيانَةِ فافْهَمْ حِكْمَةَ البَاريِ. لبيان العلة من ذلك التشريع فالأمانة تعلو علي القنطار. فقطع اليد في ربع دينار و جعل ديتها خمسمائة دينار من أعظم المصالح و الحكمة » فإن احتاط الإنسان في الموضعين للأموال والأطراف. فقطعها في ربع دينار حفظا للأموال. و جعل ديتها خمسمائة دينار حفظا لها و صيانة. فأدركت أن الشيخ لم يزج بالأبيات الشعرية لإظهار عنتريته الشعرية و البيانية » بل كانت استعانته بها لمقاصد تفسيرية شتي منها ما كان موضوع مقالتنا و الممثل في دفع طعن الطاعنين و غير الفاهمين لأحكام الله - سبحانه وتعالي- المشرعة للعقوبات بأبيات من الشعر العربي» لتكون خير مبين لمقاصد النص القرآني المبارك وأحكامه. وعلي هذا السياق تتعدد اللطائف التفسيرية للشيخ التي طالما أعجبت العامة و الخاصة. لما لها من نتائج تتفق و ثقافتهم. و تتميز عما أتي بها السلف من المفسرين. ففي معرض تفسيره لقوله تعالي: "...وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ "4" سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ "5" وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ "6"" "محمد" عمد معظم المفسرين السالفين إلي بيان المراد من لفظة "عَرَّفَهَا" فمنهم من قال: أي جعلها معروفة- الجنة- بعد أن كانوا يسمعون عنها» فالآن يعيشون فيها علي اعتبار ما سيكون بعد الحساب يوم القيامة. فالذين قُتلوا في سبيل الله من المؤمنين فلن يُبْطِل الله ثواب أعمالهم. سيوفقهم أيام حياتهم في الدنيا إلي طاعته ومرضاته. ويُصْلح حالهم وأمورهم وثوابهم في الدنيا والآخرة. ويدخلهم الجنة. عرَّفهم بها ونعتها لهم. ووفقهم للقيام بما أمرهم به -ومن جملته الشهادة في سبيله. ثم عرَّفهم إذا دخلوا الجنة منازلهم بها. و لأن الشيخ الشعراوي كان عالما بعلوم اللغة العربية حيث تخرج في كلية اللغة العربية جامعة الأزهر. فقد قال : "عرفها" بمعني عطرها وطيبها لأهلها من المؤمنين» لأن هذه اللفظة مأخوذة من العَرف. وهي الرائحة الطيبة. فعرفت أن الرجل بحر فياض لا يكتفي بالسير وراء ما جاء به المفسرون بل ينقب في ألفاظ و آيات النص القرآني المبارك. موقنا بأن إعجازه قائم حتي قيام الساعة. وأن ما كشفه الباحثون عن جهد الشيخ الشعراوي التفسيري ما هو إلا حسو الطائر. وأنه تفسير مازال زاخرا بذخائر العلم التي في حاجة إلي متبحر ماهر للكشف عن جواهره. ولعل خواطر الشعراوي تبين لنا أن الإشكالية في فهم التراث العربي و العلوم الشرعية لدي العامة لم تكن كائنة في التفاوت الثقافي بين السالف والآني. ولكن الإشكالية في الآلية التواصلية بين الداعية أو المفسر و المستمعين. وهذا ما أظنه التفرد الذي تفرد به فضيلة الشيخ الشعراوي » حيث أعاد توظيف التراث العربي لتجرئ العوام و تجسيرهم علي فهم كتاب الله.