بلغ الرجل من الكبر عتيا حيث جاوز التسعين عاما ..لا ننكر علمه في علوم الأداب وكانت له اهتمامات اسلامية وبدلا من أن يسعي في سنوات عمره الأخيرة إلي تكوين جمعية لأعمال خيرية يلقي بها ربه ويدخل بها قبره الذي أصبح منه قاب قوسين أوأدني أعلن الرجل عن تأسيس الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين في تونس عام 2013م...إنه الدكتور محمد الطالبي من مواليد تونس 1921. حاصل علي شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون بباريس وأول عميد لكلية الآداب في جامعة تونس عام 1955. وقد التحق بالجامعة التونسية حيث درّس التاريخ الإسلامي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس. وقد أسس الطالبي هذه الجمعية إبان سيطرة حزب النهضة الإسلامي علي مقاليد الحكم في تونس بعد ثورة الياسمين. إلي هنا واسم الجمعية مقبول ومعقول ولاغبار عليه. ومن الممكن لأي إنسان أن يمر عليه مرور الكرام دون أن يتوقف أمامه كثيرا. وقد يتوقف قليلا اهتماما به. وحقيقة الأمر لم أسمع من قبل عن هذه الجمعية غير أن ما لفت نظري إليها هو مقال كتبته في جريدة ¢عقيدتي¢ الغراء منذ شهرين تقريبا بعنوان ¢ فتنة القرآنيين¢ لكن عندما تمعنت في هذه الجمعية فوجدتها مختلفة تماما عن مقصدي في المقال المذكور فقلت: خيرا ..غير أنني صدمت عندما قرأت بيان هذه الجمعية الذي صدر عنها هذا الأسبوع ولي فيه عدة ملاحظات: الملاحظة الأولي: أن وسائل الإعلام اهتمت بالبيان اهتماما ملحوظا ليس بسبب أهميته ولكن لأنه يمس الاسلام وخارج عن الدين. وقد تعودنا من غالبية وسائل الإعلام والإعلاميين الاهتمام بمثل هذه الأمور والترويج لها والدعوة لاعتناقها والاشادة بأبطالها وأمجادهم وأفضالهم وتصويرهم علي أنهم منقذو البشرية مماهي فيه من أزمات بسبب فكرهم المستنير وتنصلهم من كل ما له علاقة بالدين.! الملاحظة الثانية: أن مؤسس الجمعية له بحوث ومقالات عدة فألف ما يزيد عن 30 كتاباً باللغات العربية والفرنسية والانجليزية من بينها ابن خلدون والتاريخ وتأملات في القرآن والإسلام والحوار وعيال الله وليطمئن قلبي من 3 أجزاء. و الإسلام ليس حجاباً. وديني هو حريتي. وغيرها. الملاحظة الثالثة : أن بيان الجمعية المنسوبة للإسلام تضمن افتراءات غريبة جدا لم تصدر من قبل حتي عن أعتي المستشرقين عداوة للإسلام والمسلمين. وهذا ما يبعث علي الحيرة في أمر الجمعية ومؤسسها واتباعه المعدودين علي أصابع اليد وبيانها الذي يزعم أن القرآن الكريم لم يحرم الخمر. وأن الإمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه ورضي عنه أكد أن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يسن حد شارب الخمر. وأن ابن عباس رضي الله عنه- قال: إن شرب أحدكم تسعة أقداح فلم يسكر فهو حلال. ! وقالت الجمعية في بيانها: ثمّ في الآيات الواردة في الخمر يأمر الله بعدم إقامة الصلاة في حالة السكر. كما يذكر أنّ لها إثماً كبيراً وإثمها أكبر من نفعها. وهذا يفيد أنّ الخمر إلي جانب إثمها الكبير فيها أيضا منافع. ثمّ يوصي بتجنّبها من دون أن يحرّمها بآية صريحة في هذا الصدد. ولو أراد الله عزّ وجلّ تحريمها لاستعمل فعل حرّم . كما استعمله في الآيات التي تخصّ الميتة. والدم. ولحم الخنزير. ثم تتحول الجمعية من النقيض إلي النقيض وتكذيب نفسها بنفسها فتنتهي في بيانها المزعوم إلي ¢أن الخمر ليس محرما وفقا لما ورد بالنص القرآني. وهي إن كانت من عمل الشيطان فذلك ليس في ذاتها وإنّما في مفعولها السييء علي صحّة الانسان وعلي صحّة المجتمع. فالأفضل إذا الامساك عنها لما ينجرّ عنها من مساوئ لا تنتهي. وبهذا نعمل. لانّ الخمر لمساوئها وصفت بحقّ أنّها "أمّ الخبائث". والغريب أن الجمعية المنسوبة للإسلام تتلاعب بكتاب الله وتقارن بين آياته لإثبات إفكها فتري تدبر هذه الايات رغم انه لايخفي علي أحد الفروق بين دلالاتها ومناسباتها وحتي معانيها اللغوية: "إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغي وَلاَ عَادي فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورى رَّحِيمى" سورة البقرة. الآية 173. "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمى كَبِيرى وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ". الآية 219 "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَي حَتَّيَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلي حَتَّيَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَي أَوْ عَلَي سَفَري أَوْ جَاءَ أَحَدى مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا". سورة النساء. الآية. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسى مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" سورة المائدة. الآية 90. الملاحظة الرابعة: أن الجمعية المنسوبة للإسلام لم تصدر حتي كتابة هذه السطور تكذيبا لبيانها الذي تداولته بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بما يؤكد إصرارها علي ما تقول. وأخيرا أترك الأمر لك عزيزي القارئ لتصدر حكمك علي هذه الجمعية وبيانها ومؤسسها وأتباعه.!