أكد علماء الدين أن الاسلام يرسخ للدولة الديمقراطية ويدعم المعارضة الايجابية البناءة ويحترم الرأي المخالف حتي إن كان خاطئا.. وأشاروا إلي اننا نفتقد المعارضة الحقيقية لأن المعارضة لدينا مصطنعة وغير مجدية وهذا في غير صالح البلاد وضد تقدم المجتمع.. وشددوا علي أن الأمر خطير وينذر بهلاك المجتمع وضياعه. بداية قال الدكتور سعد الحلواني . أستاذ ورئيس قسم التاريخ بجامعة الأزهر : في حقيقة الأمر أننا طوال التاريخ الحديث وتحديدا منذ مطلع ثورة 1952 إلي يومنا هذا لم نجد ما يسمي بالمعارضة الصحيحة والنقية التي تبحث عن صالح الوطن وتقيم أداء الحاكم وتقف له بالمرصاد ان حاد عن الحق أو انحرف عن القانون مع أن الدور الحقيقي للمعارضة هو كبح جماح السلطة وتصحيح مسارها إذا أخفقت في أي جانب أو اتجاه لاتخاذ قرارات ضد صالح الوطن وأضاف الدكتور الحلواني: للأسف الشديد لا توجد لدينا معارضة حقيقية فهي مصطنعة تصنعها السلطة لتكمل بها الصورة أمام المواطن وأمام العالم الخارجي ولا تكتفي السلطة بهذا انما تنشئ القنوات التي تؤثر في المجتمع ليعملوا جميعا لصالح السلطة فيصبح الصوت العام صوتا واحدا مؤيدا واذا ما ظهر معارض حقيقي وسط هذه الأجواء تري السلطة تترك له بعض الحرية لكن في حدود آمنة بحيث لا تضر بها وبمصالحها وتؤثر علي صورتها أمام الجماهير وتراقبه السلطة وإذا رأت منه ما لا يرضيها تتجه نحوه وتلوح له بأشياء يسيل لها لعابه حتي يخفف من وطأة معارضته ويخفض صوته وإذا ما استجاب لها وخضع لسلطانها لكن إذا أعرض عن الإغراءات التي قدمتها له تتجه نحوه وتكشر له عن أنيابها وتستعمل معه كل الطرق ليتراجع عن معارضته. وأشار الدكتور سعد الحلواني. إلي أن المعارضة في التاريخ الإسلامي سواء القديم أو الوسيط أو الحديث كانت في أغلب حالاتها معارضة حكيمة ومؤثرة فقد كان بعض الصحابة يعارضون رسول الله صلي الله عليه وسلم في بعض المواقف وكان يتقبل النقد بصدر رحب ومن بعد الرسول ظلت المعارضة مستمرة كما وجدنا المعارضة في أمور كثيرة حتي في العصر العثماني حيث كان علماء الأزهر الشرفاء يعارضون بكل قوة الحكام المستبدين ويقفون في وجههم دون أن يخشوهم ولا يخفي علي أحد الموقف الشهير لأحد علماء الأزهر العظام حينما عارض تنصيب بيبرس ملكا علي عرش مصر ولما سئل عن سبب رفضه أجاب بأن بيبرس مملوك وعبد ولا يصح أن يحكم مصر عبد فلابد أن يحرر أولا ثم يتولي عرش مصر وبالفعل ذهبوا به إلي سوق النخاسة وافتدي بيبرس نفسه بمبلغ من المال كما قال هذا العالم المعارض وكان هذا في صالح الأمة. وشدد الدكتور الحلواني. علي أن المعارضين وقت الولاة المستبدين ووقت الاستعمار كانوا دائما علي حق ويرعو حق الوطن وحق الدين لكن ما يحدث لدينا ليس معارضة بالمعني الصحيح فالمعارضة الصحيحة تحتاج الي من يقتنعون بالديمقراطية والرأي الاخر ولم نصل بعد لهذه المرحلة..ولكن ماذا ننتظر من إعلام يعترف بأنه إعلام حرب وقد سمعت هذا من بعض الإعلاميين أمثال لميس الحديدي وعبد الرحيم علي يعترفون صراحة بأنهم إعلام حرب والرسالة التي يقدمونها توزيع الاتهامات جزافا علي كل صوت معارض ووصفه بأبشع الأوصاف واتهامه باتهامات لا تليق وهذا ضد مصلحة البلاد وضد النظم الديمقراطية وضد تقدم الأمم. نموذج فريد أكد الدكتور عبدالفتاح أبوالفتوح. الأستاذ بجامعة الأزهر . أن الاختلاف سنة من سنن الكون وأمر صحي وفطري في ذات الوقت لقوله تعالي ¢ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ¢وكذلك قول الله تعالي ¢لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ¢ فرأي الجماعة لا تشقي به البلاد انما تشقي برأي الفرد لذلك كان النبي صلي الله عليه وسلم يستشير أصحابه في الأمور التي لم ينزل فيها نص وتشريع إلهي وكان يأخذ برأيهم ويميل إلي الرافة والرحمة فما خير صلي الله عليه وسلم بين أمرين إلا أختار أيسرهما ما لم يكن إثما وقد نزل علي رأي الحباب بن المنذر في غزوة بدر وأخذ برأيه حينما نزل النبي وأصحابه في مكان ورأي الحباب أن هذا المكان ليس مناسبا وذهب إلي النبي يسأله يا رسول الله: أهذا منزل انزلكه الله أم هي الحرب والرأي والمكيدة؟ . فقال له النبي: إنها الحرب والرأي والمكيدة . فأشار عليه بتغيير المكان والنزول بآخر فأخذ النبي برأيه وتحرك الجيش كله إلي المكان الذي أشار به الحباب بن المنذر ولولا هذا الموقف المعارض من الحباب بن المنذر ما أحد عرفه به والملفت في هذه الواقعة أن النبي تقبل منه كل ما قال بصدر رحب ونزل علي رغبته واخذ بمشورته رغم انه ليس من كبار الصحابة الا انه قدره واخذ برأيه لما رأي فيه الصواب وليس هذا فحسب فقد ضرب لنا النبي اروع الامثلة في استشارة اصحابه والاستماع إليهم والاخذ برأي الشباب فقد كان ذلك في غزوة احد وقد استعدت قريش لقتال المسلمين ومحاصرتهم فجمع النبي اصحابه يعرض عليهم الموقف وقال لهم ماذا انتم فاعلون؟ فقال له الشيوخ نحتمي بالبلاد ولا نترك المدينة وديارنا لكن الشباب رفض هذا الرأي واعلنوا تحمسهم وقالوا لا نستكين ولا نجلس في المدينة ونتركهم حتي يفاجئونا في بيوتنا واعراضنا فلابد ان نخرج خارج المدينة حتي نقابلهم وكان امام النبي رأيان رأي الشباب ورأي الشيوخ وكان مائلا لرأي الشيوخ لكنه علم ان الشباب هو من يقود الحرب فنزل علي رأي الشباب وهنا يضرب النبي اروع الامثلة في القائد الديمقراطي الذي يأخذ برأي اصحابه ويستمع لمعارضيه وينزل علي رأيهم حتي ان كان مخالفا لرأيه وهذا لايعيب القائد ان يتراجع عن قرار اتخذه ان كان به ضرر للجماعة وفي صلح الحديبية رغم انه كان امرا منزلا الا ان بعض الصحابة اعترضوا علي بنود الصلح ومن بينهم عمر بن الخطاب وبعض الجنود الصغار وتقبل النبي اعتراضهم وثورتهم بصدر رحب ولم ينل منهم ولم يخونهم. وشدد الدكتور أبو الفتوح علي أن الاعتراض أساس من اسس العقيدة الاسلامية لكن لابد ان يكون بادب دون طعن او نيل من الاخر لان الرأي الواحد مآله الي الهلاك فالخير فيما توافق عليه الجميع. المعارضة والحرية أكد الدكتور عبد الرحمن جيرة الوكيل السابق لكلية اصول الدين بجامعة الازهر قائلا: هناك خلاف في الدين وهذا لا يعد معارضة انما المعارضة ترتبط بالحرية التي كفلها الاسلام ودعا إليها ولنا في غزوة بدر القدوة والمثال تحديدا في قضية الاسري التي لم يكن لها مثيل في القرآن الكريم ولم ينزل بها امر الهي ولم تحدث من قبل فكان هناك رأيان رأي يقول نتركهم ونعفو عنهم وكان هذا راي ابي بكر ورأي آخر يقول نقتلهم لأنه اذا تركناهم جهزوا انفسهم لينتقموا منا فلابد من قتلهم بعد ما فعلوه بنا انتصارا للحق وكان هذا رأي عمر بن الخطاب ومال النبي صلي الله عليه وسلم لرأي ابي بكر فنزل القرآن الكريم للفصل بينهما ولم ينزل الله القرآن مسبقا ولم يقل لنبيه ماذا يفعل ليعلمنا الاجتهاد والمشورة وتنوع الاراء واختلافها لدراستها والاخذ بالافضل لصالح البلاد والعباد والدعوة الاسلامية وحفظ مستقبلها وعلي الحاكم أو القائد أن يتدبر الامر جيدا ويتأني في اتخاذ القرارات ويستمع لكل الاراء ويأخذ بآراء معارضيها ويدرسها جيدا لعل يكون فيها خير لا يعلمه فالاسلام لم ينكر المعارضة ولم يسخر منها ولم يتهمها بالخيانة انما دعمها واجازها طالما انها بناءة وفي الصالح العام. وأشار الدكتور جيرة. إلي أن الدولة الاسلامية حينما قامت كان بحوزتها أربع ديانات الوثنية واليهودية والنصرانية والمجوس وكانت هذه الديانات من ضمن مكونات نسيج الدولة الاسلامية وتعايشت معها وتقبلتها واعطتها كافة الحقوق فالاختلاف والمعارضة من خصائص المجتمعات البشرية لكننا للاسف نقرأ التاريخ الاسلامي ولا نتعلم منه.